عمرو الريدي يكتب: الطفولة على المحك.. كيف تواجه مصر والعالم أزمة “الحدث” بين العقوبة والحماية؟

تشهد المجتمعات العربية والعالمية جدلًا واسعًا حول الطريقة المثلى للتعامل مع الأطفال مرتكبي الجرائم، خصوصًا مع تزايد قضايا العنف، وتعاطي المخدرات، والجرائم الإلكترونية بين صغار السن. وبينما يرى البعض ضرورة التشديد لحماية المجتمع، يؤكد آخرون أن الطفل يحتاج إلى إصلاح لا عقاب، وأن الحل ليس في الزنازين بل في برامج التأهيل.
مصر: قانون متوازن لكن التطبيق يثير النقاش
اعتمد المشرّع المصري في قانون الطفل على مبدأ أساسي:
الطفل ليس مجرمًا بالمعنى التقليدي، بل حالة تحتاج إصلاحًا ودعمًا اجتماعيًا ونفسيًا.
وينص القانون على:
• عدم محاكمة طفل أقل من 12 عامًا جنائيًا.
• وضع من هم بين 12 و15 سنة في برامج تأهيل وليس عقوبات سالبة للحرية.
• إمكانية معاملة الطفل من 15 إلى 18 عامًا بشكل مختلف حسب الجريمة والظروف.
ورغم وضوح النصوص، إلا أن النقاش يتجدد مع كل واقعة جديدة:
هل إصلاح الطفل أولى؟ أم أن بعض الجرائم تحتاج قبضة قانونية أقوى؟
التجارب الدولية: نظرة مقارنة
لصياغة رؤية متكاملة، يمكن النظر إلى سياسات دول أخرى:
1. بريطانيا
تعتمد على محاكم متخصصة للحدث، وتفرض عقوبات محدودة جدًا، مع برامج إجبارية لإعادة الدمج المجتمعي، وتركيز كبير على الدعم النفسي والتعليمي.
2. فرنسا
تعامل الطفل كحالة اجتماعية قبل أن تكون جنائية، مع الاعتماد على مراكز إصلاح وليس سجون، وتتيح للنيابة إحالة الطفل لبرامج توجيه سلوكي بديلاً عن المحاكمة.
3. ألمانيا
تُخضع الحدث لنظام “القضاء التربوي”، حيث تُعدّل العقوبة نفسها لتحقق مصلحة الطفل قبل المجتمع، وقد يُستبدل السجن بخدمة عامة أو تدريب مهني.
4. كندا
تعطي الأولوية للتسوية بدل المحاكمة، وتمنع الحبس إلا في أضيق الحدود، مع رقابة أسرية واجتماعية واسعة، كما تُعطي للطفل الحق الكامل في الدعم النفسي والطبي والقانوني.
5. اليابان
تركّز على “إعادة التهذيب”، وتعتبر أي طفل جانح ضحية عوامل أسرية أو اجتماعية، ويتم علاجه داخل مؤسسات تربوية متخصصة بإشراف قضائي.
أين تقف مصر مقارنة بهذه الدول؟
القانون المصري يقف في منطقة وسط بين النماذج السابقة، إذ يجمع بين:
• الحماية والإصلاح على الطريقة الأوروبية.
• الحزم في الجرائم الجسيمة بما يضمن عدم إفلات مرتكبي الجرائم الخطيرة.
لكن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ:
• هل تتوفر مراكز تأهيل كافية؟
• هل توجد متابعة نفسية حقيقية للطفل؟
• هل الأسرة مؤهلة لإعادة دمجه؟
• وهل المجتمع مستعد لتقبّل طفل كان على وشك الانحراف؟
لماذا يهم هذا النقاش الآن؟
لأن الجرائم لم تعد تقليدية.
اليوم هناك:
• جرائم إلكترونية يرتكبها أطفال.
• تعاطي وترويج مخدرات عبر السوشيال ميديا.
• عنف مدرسي وأسري غير مسبوق.
وهذا يفرض تحديثًا مستمرًا لنظام عدالة الأطفال، حتى لا يتحوّل الطفل الجانح إلى مجرم بالغ.
ختامًا
القضية ليست صراعًا بين “العقوبة” و“الرحمة”، بل معادلة دقيقة بين حماية المجتمع وإنقاذ الطفل.
ومصر – كغيرها من الدول – أمام فرصة لتعزيز برامج التأهيل والمتابعة النفسية والاجتماعية، بما يضمن مستقبلًا أكثر أمنًا وعدالة.



