الأخبارتقارير

صناعة بريطانية.. عملية إعادة تدوير الجولاني من عالم الإرهاب الى عالم السياسة

إعداد: رحمه حمدى

لعبة بريطانيا المفضلة تتكرر مرة أخرى، بدون تغيير ، التغيير الوحيد، أن اللعب انتقل للعلن، فبعد عقود من صناعة وتلميع جماعة الإخوان المسلمين، تعود لندن إلى ورشة إعادة تدوير الإرهابيين، هذه المرة عبر بوابة “أحمد الشرع” (المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني)، زعيم جبهة النصرة الإرهابية الذي تحوّل فجأة إلى رئيس لسوريا في 2025. التاريخ يعيد نفسه، والأدوات البريطانية ذاتها تعمل بحرفية: تبييض السمعة، تقديم الغطاء السياسي، واستخدام منظمات “غير حكومية” كواجهة لنقل الأسماء من قوائم الإرهاب إلى كراسي الحكم.

اللعبة البريطانية.. خبرة مائة عام

البريطانيون لديهم خبرة واسعة جداً قد تصل إلى مائة سنة في التعامل مع مثل هذه الملفات الشائكة، بدءاً من الإخوان المسلمين وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم”. هذه العبارة تكشف جوهر الاستراتيجية البريطانية التي حوّلت الإخوان من جماعة سرية إلى لاعب سياسي في القرن العشرين، وتكرر اليوم السيناريو مع الشرع/الجولاني. فبريطانيا، برعايتها لمنظمة غير حكومية مختصة “بحل النزاعات”، قادت عملية تحويل رجل كان على قوائم الإرهاب العالمية إلى رئيس دولة، تماماً كما فعلت مع جماعات أخرى في المنطقة، باعتراف السفير الأمريكي السابق لدى العراق “روبرت فورد”.

تفاصيل المؤامرة: من الموصل إلى دمشق

كشف السفير الأمريكي السابق روبرت فورد، عبر محاضرة في أول مايو، بعنوان “انتصر الثوار في سوريا.. والآن ماذا؟”، نشرها مجلس بالتيمور للشئون الخارجية على يوتيوب عن تفاصيل مثيرة: ففي 2023، دُعي للمشاركة في فريق أوروبي – تمويله بريطاني – لإخراج الشرع من “عالم الإرهاب” إلى “السياسة”. المفارقة أن فورد نفسه كان في العراق بين 2000-2010، حيث قاد الشرع (كجولاني) هجمات أودت بحياة 5 دبلوماسيين أمريكيين ومئات الجنود في الموصل.

لكن المنظمة البريطانية قدّمت الرواية الجديدة: “هذا الرجل يحكم الآن 4 ملايين شخص في سوريا، ولا يناسبه أن يبقى إرهابياً!”.

قال السفير الأميركي السابق: “كنت في العراق بين عامي 2000 و2003، وخلال تلك الفترة كان هذا الرجل قائدا بارزا لتنظيم القاعدة شمالي العراق، وبدءا من عام 2023 دعتني منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات لمساعدتهم في إخراجه من عالم الإرهاب وإدخاله إلى السياسة”.

الشرع لم يعتذر.. لكنه “تأهّل” في 3 جلسات!

في مارس 2023، جلس فورد مع الشرع لأول مرة، واصفاً اللقاء بـ”الحضاري”، رغم أن الأخير لم يعتذر أبداً عن جرائمه في العراق أو سوريا. بل برّر تحوّله بالقول: “أنا الآن أحكم منطقة فيها مدنيون، وتكتيكات القاعدة لم تعد تنفع!”. وبحسب فورد، فإن 3 لقاءات فقط (آخرها في القصر الجمهوري بدمشق) كانت كافية لـ”غسل” ماضي الجولاني، بفضل الدعم البريطاني المباشر.

يبدو أن محاضرة “روبرت فورد” لم تلقى صداها، فتم إذاعة اللقاء مرة أخرى عبر CNN اليوم، والسؤال هو لماذا كل هذا الإصرار والإلحاح لتلميع “الشرع”، والسؤال الأهم: لماذا تُترك الملفات الشائكة للمخابرات البريطانية؟.

الإجابة تكمن في التاريخ: لندن تفضل العمل عبر واجهات “مدنية” مثل المنظمات غير الحكومية، لضمان إنكار التورط الرسمي عند الفشل. كما أن خبرتها الطويلة في التعامل مع الجماعات المتطرفة – خاصة في حقبة الاستعمار – جعلتها الخيار الأمثل لإدارة هذه العمليات. اليوم، في مايو 2025، أصبح أحمد الشرع رئيساً لسوريا بغطاء غربي، بينما تتوارى خلف الكواليس حقيقة الدور البريطاني في صناعته.

القصة ليست جديدة: فبعد قرن من اختراع “الإخوان” كأداة للهيمنة، تعيد بريطانيا إنتاج نفس السيناريو بوجوه جديدة، مؤكدة أن لعبتها المفضلة لم تتغير: اختراع الوحوش.. ثم ترويضها حين تحتاج!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى