مقالات

سعد إبراهيم يكتب: العَلَم ليس إكسسواراً يا رمضان!

لم يكن مشهدًا عاديًا… فهناك، على أرضٍ بعيدة، تحت أضواءٍ لاهثة وصوت موسيقى يعلو على كل شيء، ارتفع العلم المصري لا في ساحة معركة، ولا فوق منصة تكريم… بل في يد فنان يرقص.

بعضهم صفّق، وبعضهم صمت، لكن الكثيرين شعروا أن الرمز قد أُسقِط أرضًا، ولو ظلّ في الهواء.
فالعَلَم الذي غُسِل بدماء الشهداء، لا يُلوَّح به في حفلة، أو يُرتَدى على الجسد كزينة في عرضٍ صاخب، ولا يُختزل في لحظة شهرة…

العَلَمُ ذاكرةُ وطنٍ، ورايةُ كرامةٍ، وحدودُ دمٍ، وخريطةُ شرفٍ.
هو شاهدٌ وشهيد في آن، وراية لا يُمسّ بها بخفة.
حين يُرفَع العلم على تابوت شهيد، تقف الدولة كلها في صمت.
وحين يُرفع على المسرح، في لحظة استعراضٍ راقصةٍ، فلا بدَ أن نقفَ أيضًا… لكن لا لنُصفق، بل لنسأل:

إلى أين وصلنا؟!
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُثير فيها محمد رمضان الجدل، لكن هذه المرة، لم يكن الجدل فنيًا أو أخلاقيًا فقط، بل كان رمزيًا، يتصل بجوهر الانتماء واحترام الرموز.
الرقص بالعلم — أيًا كانت النوايا خلفه — بدا وكأنه احتفال فردي، لا وطني.
وكأن الهوية تُختزل في عرض، لا تُحترم في صمت.
إن من يحمل العلم، لا بد أن يُدرك أنه يحمل تاريخًا، لا إكسسوارًا يتباهى به.
يُجسّد تضحية، لا ترندًا. ويرفع فينا مشاعر الخشوع، لا الإثارة.

   في زمنٍ باتت فيه الشهرة تُنتزع بالصوت العالي لا بالقيمة، نتذكّر تلك القامات التي لم تُغنِّ لمصر فقط، بل جسّدتها. 

حين وقفت أم كلثوم في عواصم العالم، لم تكن مجرد فنانة تغني… بل كانت مصر بكل هيبتها، تقف على المسرح. أنشدت “مصر التي في خاطري وفي فمي… أحبها من كل روحي ودمي”، فدوّت الكلمات في باريس لا كأغنية طربية، بل كطبول كرامة تُعلن عن وطنٍ لا يُختزل في لحن.
وعبد الحليم حافظ حين وقف في عواصم العالم، يُنشد “بحلف بسماها وبترابها”، فيشعر الغريب أن لهذه الأرض قداسة، لم يكن يُغني فقط، بل كان يُقْسِمُ بكل خلية في وجداننا.
كان فنه امتدادًا للتراب الوطني، لا انعكاسًا للضوء العابر.

اليوم، تغيّر المشهد.
بات بعض الفنانين يسافرون لا ليمثّلوا وطنًا، بل ليرضوا جمهورًا لحظيًا، ويجمّلوا صورةً تسقط ما إن تنتهي الحفلة.
نحن لا نصادر النوايا، ولا نُضيّق على حرية التعبير.

لكننا نسأل:
هل من حق أي فنان أن يُجرّد الرمز من قدسيته؟
ألا يستحق هذا الرمز التاريخي أن يُحاط بوقار، لا ضوءٍ متراقص؟

فيا من تنطقون باسم الفن:
تذكّروا أن الميكروفون ليس أداة استعراض، بل منبر وطن.
قد يعلو صوتكم بين الأضواء، لكن صوت الوطن أعمق من أي لحن، وأصدق من أي هتاف… فهل تسمعونه؟!
واعلموا أنَّ السفر باسم مصر ليس جولة ترفيهية تُختَتم بالتصفيق،
بل امتحان انتماء تُختَبر فيه القلوب قبل الكلمات.
إنكم لا تسافرون وحدكم، بل تصحبون معكم ظلّ حضارة، وملامح أمة، وامتداد جيش، وأمانة شهداء.
فإما أن تكونوا على قدر الدم الذي نُزف تحتها… أو لا تلمسوها بأيديكم!
فالوطن لا يُمثّله من يتعامل مع الراية كإكسسوار… بل من يُدرك أنها شرف لا يُداس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى