مقالات

د. نيفين أبو حمدة تكتب: المخطط الصهيوني لتقسيم سوريا (2)

سوريا لا تُشكل خطرًا على إسرائيل ولكن!
سارعت إسرائيل إلى أطلاق اسم “سهم باشان” على مجموعة العمليات التي استهدفت مقرات ومقدرات الجيش السوري بمجرد سقوط نظام “بشار الأسد”، ما يعكس ذات الارتباط الذي تحرص عليه إسرائيل بين سلوكها العسكري والرمز التوراتي ذو الدلالة الجغرافية؛ وذلك لإضفاء الشرعية الدينية والسياسية اللازمة على العمل العسكري؛ حيث ورد اللفظ “باشان” في التناخ (العهد القديم) في كل من سِفري العدد والتثنية، للإشارة إلى تلك المنطقة التي تتميز بالخصوبة الشديدة، وتقع شرق نهر الأردن وتشمل الجولان ويعتبر امتدادًا لها والتي لها أهمية استراتيجية كبيرة لإسرائيل منذ احتلالها عام 1967م؛ أي أن الأسم يحمل من الأبعاد النفسية والسياسية الكافية (بالنسبة لإسرائيل) الكافية للتأكيد على سيطرة إسرائيل على الجولان وربطها برواية تاريخية- ودينية يحمل رسالة ضمنية بأن هذه العمليات دفاعًا حضاريًا مشروعًا عن أرضها وتراثها.

ورغم أن سوريا لا تشكل خطراً على إسرائيل على المدى المنظور، إلا أن التداعيات المباشرة للصدمة التي تعرضت لها في السابع من أكتوبر(تروما 7- أكتوبر كما يصفها الشارع الإسرائيلي)، فضلاً عن أن التبعات الاقتصادية للحرب الأهلية في الداخل السوري وخروجها من محور المقاومة، وإنشاء حاجز جغرافي يجعل من الصعب نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وتحول محور المقاومة إلى محور شيعي خالص، سيتسبب أن ينصب اهتمام إسرائيل على كيفية الاستفادة من الموقف الراهن بعد سقوط نظام الأسد، من خلال نشأة محور سُني مضاد لمحور المقاومة وله مصالح مشتركة مكثفة مع إسرائيل. (يتوافق ذلك مع ما جاء في مقال ينون، واستراتيجية نتنياهو، وغيرها من الوثائق!!)
ولذا يمكن اعتبار أن تداعيات التغيير في سوريا لن تقتصر على نظام جديد في المنطقة، رغم أهميته لأنه سيتسبب في تجدد الصراع داخل سوريا وسيمتد بين القوى الإقليمية والدولية. خاصة إذا حاولت كل من إيران وروسيا التحرك للحفاظ على نفوذهما فيها ولن ترفع إسرائيل يدها مما قد يخلق فرصًا جديدة لإسرائيل والغرب معًا وسيكون التوجه السائد سياسي- براجماتي بالدرجة الأولى، وكانت إسرائيل تتعامل تاريخيًا في علاقتها مع سوريا وفق منطق الخصومة التقليدية، مع الاعتراف بسيادتها والإبقاء على إمكانية التوصل لتسوية سياسية في حال توافر الظروف الملائمة.

التطبيق الإسرائيلي لمخططات التقسيم في سوريا
أضعفت الانقسامات الطائفية نظام الأسد الديكتاتور المُعادي لإسرائيل(كما تصفه الإعلام العبري)، وكان دعم سكان سوريا الدروز علنيًا لهذا النظام، واستهدف شبابهم جنود الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع حزب الله أكثر من مرة ونجحوا في ذلك، وعندما طالب تجمُع الدروز في سوريا بالحكم الإسرائيلي بعد سقوط نظام “بشار الأسد”، تساءل الجميع هل ستتوسع سيطرة إسرائيل بإعلان حمايتها كأقلية بعد ضمها قرية الخضر الدرزية شمال القنيطرة السورية، إلى الجولان المُحتل؟ خاصة وأن الجيش الإسرائيلي عامل بالفعل في المنطقة منذ سقوط نظام الأسد، حيث يحاصر قرية خضر من ثلاث جهات:

شرقًا وغربًا وشمالًا، ويعمل على جمع الأسلحة منها وسبع قرى سورية أخرى مثل القنيطرة القديمة، وجبعة الخشب، ورفيد.
وتعتقد الطائفة الدرزية في سوريا أنها مضطرة إلى الاختيار بين إسرائيل وانتهاك حقوقها كأقلية في ظل حكم إسلامي، يخشون في ظله على حريتهم وكرامتهم وهذا ينطبق على جميع القرى الدرزية المحيطة، وجاء رد الجيش الإسرائيلي في بيان لم يتأخر بأن إسرائيل مستعدة لمساعدة الدروز، وان جيش إسرائيل “سيواصل الوقوف إلى جانب الدروز في الجولان”.

ولم يُعكر الصفو بين دروز سوريا وإسرائيل إلا ما اعتبرته إسرائيل “ضربة قاسية” لها بعد أنباء (رغم نفيها من البعض) توقيع اتفاق بين الحكومة السورية ووجهاء وقيادات محلية في محافظة السويداء في جبال الدروز بالقرب من الحدود مع الأردن ستندمج المحافظة بموجبه بشكل كامل في مؤسسات الدولة السورية وإلحاق الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية السورية وفتح الباب أمام تطوّع الدروز من أبناء السويداء في وزارة الدفاع السورية. وذلك بعد يوم واحد فقط من توقيعه اتفاقًا رسميًا مع الأكراد في الشمال السوري والذي بموجبه سيتم دمج جميع مؤسسات الحكم الذاتي الكردي في سوريا ضمن الدولة السورية. ودمج القوات الكردية في المؤسسة العسكرية، وعودة اللاجئين الأكراد إلى القرى التي طردوا منها في السنوات الأخيرة، والتأكيد على وحدة سوريا ورفض أي محاولة لتقسيمها، في محاولة من جانب النظام السوري الجديد لاستعادة السيطرة على البلاد بشكل كامل.

واعتبرت إسرائيل أن هذه الاتفاقات استسلامًا من الأقليات للنظام الجديد في سوريا، وروج المستوى السياسي والإعلامي الإسرائيلي على نطاق واسع لنية استمرار وجودها في المناطق الأمنية السورية واحتلال جبل الشيخ، وتكررت الإشارة إلى أن رجال “الجولاني” يرتكبون “مذابح” و”فظائع” ضد السكان المدنيين العلويين في سوريا، والتأكيد على أن إسرائيل (ستدافع) عن نفسها ضد أي تهديد سوري ضد مستوطنات الجولان والجليل، وأنها ستعمل على أن يبقى جنوب سوريا منزوع السلاح وعلى حماية الدروز الذين يعيشون هناك – وقال نتنياهو: أن من يؤذيهم سنؤذيه، كما أعلنت إسرائيل أنها تستعد لاستقبال عمال دروز من سوريا للعمل في مرتفعات الجولان المحتلة، حيث سيوفر ذلك سبل العيش للدروز، وسيُسهم في الوقت نفسه في حل النقص الحاد في الأيدي العاملة في قطاعي الزراعة والبناء في إسرائيل خاصة في الشمال. كما خصت إسرائيل ثلاثة ملايين شيكل للمساعدات الإنسانية للدروز في سوريا. وتم تسليم آلاف الطرود الإغاثية التي تحتوي على مواد غذائية أساسية لهم كجزء من هذه المبادرة.

  وبشكل عام تحاول إسرائيل تحييد ما يراه مسؤولو منظومتها الأمنية تهديداً وهو حكم الإسلاميون المدعومون من تركيا خاصة الذين يحاولون توحيد سوريا منهم، ولذا تحاول الضغط عالميًا نحو طرح فكرة تحويل الدولة الجديدة في سوريا إلى نظام فيدرالي من المناطق العرقية المستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية التي تسيطر عليها إسرائيل منزوعة السلاح، وتفعل ما يُمهد الطريق لتطبيق هذه الرؤية الإسرائيلية لسوريا الفيدرالية، بدعم مطالبات درزية مع منطقة حكم ذاتي يسيطر عليها الدروز أصدقاء إسرائيل. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في بروكسل يوم 24 فبراير الماضي: "سوريا المستقرة لا يمكن أن تكون سوريا إلا فيدرالية تشمل حكما ذاتيا مختلفا وتحترم أساليب الحياة المختلفة".

ما يعني أن أي تحرك إسرائيلي داخل سوريا ينطوي على هدف إبقائها ضعيفة ومنقسمة، ولذلك تحركت سريعًا إلى الأمام فور سقوط “الأسد” واستهدفت البنية التحتية العسكرية ومنعت وصول الأسلحة إلى أيدي القادة الجدد في سوريا وقواتهم لإضعاف قدراتهم العسكرية ومنع النظام الجديد من الحصول على أسلحة قد تُوجّه ضد إسرائيل والدروز في سوريا كجزء من خطة استراتيجية إسرائيلية طويلة المدى تهدف إلى الوصول لمرحلة التفوق العسكري في المنطقة، واتباع مبدأ “اليد العليا” لضمان مصالحها الأمنية والاستراتيجية. وتسعى بالتوازي مع ذلك إلى تعزيز العلاقات وبناء التحالفات مع الأقليات وخاصةy الدرزية في سوريا وفي داخل إسرائيل لتقوية المصالح المشتركة عبر العلاقات الإثنية والطائفية، وتتمكن إسرائيل من خلق عمق استراتيجي في سوريا بناء هذا التحالف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى