
إعداد: بسنت عماد
في لحظة وُصفت بأنها انتصار للدبلوماسية والثقافة المصرية، حقق الدكتور خالد العناني إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق بفوزه بمنصب المدير العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ليصبح أول مصري يتولى قيادة المنظمة منذ تأسيسها قبل نحو ثمانية عقود.
وجاء هذا الفوز الكبير بعد جلسة انتخابية حاسمة عُقدت بمقر المنظمة في العاصمة الفرنسية باريس، ضمن أعمال الدورة الـ222 للمجلس التنفيذي، حيث تفوّق العناني على منافسه الكونغولي فيرمين إدوار ماتوكو بعد منافسة امتدت لساعات، ليُعلن السفير المصري لدى باريس النبأ الذي أشعل موجة من الفخر في الأوساط الثقافية والسياسية المصرية.
انتصار للدبلوماسية الثقافية المصرية
لم يكن فوز الدكتور خالد العناني محض صدفة، بل هو ثمرة مسيرة طويلة من العمل المتواصل في خدمة التراث والهوية المصرية، ونتاج رؤية وطنية سعت إلى تعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية كقوة ناعمة ذات تأثير ثقافي عالمي.
فخلال توليه وزارة الآثار بين عامي 2016 و2019، ثم وزارة السياحة والآثار من 2019 حتى 2022، أعاد العناني صياغة العلاقة بين التاريخ والحاضر، ونجح في إدارة ملفات كبرى أبرزها افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية ونقل المومياوات الملكية في موكب عالمي أذهل العالم.
مسيرة علمية استثنائية
بدأ الدكتور خالد العناني مشواره الأكاديمي منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، حيث التحق بهيئة التدريس في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان عام 1993، وتدرّج في المناصب حتى أصبح أستاذًا لعلوم المصريات ورئيسًا لقسم الإرشاد السياحي، ثم وكيلاً للكلية لشؤون التعليم والطلاب.
وخلال تلك المسيرة، ترك بصمته في تطوير مناهج تدريس السياحة والتراث، وأسهم في إعداد أجيال من المرشدين والعلماء المتخصصين في الحضارة المصرية القديمة.
كما أشرف على المتحف المصري بالتحرير والمتحف القومي للحضارة المصرية بين عامي 2014 و2016، مقدّمًا نموذجًا ناجحًا في الإدارة المتحفية الحديثة القائمة على الدمج بين المعرفة الأكاديمية والتخطيط الثقافي.
حضور دولي وتأثير ممتد
تجاوزت إنجازات العناني حدود الوطن، إذ عُرف بكونه أحد أبرز علماء المصريات على المستوى الدولي، وشغل عضوية عدد من المؤسسات الأكاديمية المرموقة، منها:
ـ المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة (2002–2016)
ـ الجمعية الفرنسية للمصريات (عضو فخري منذ 2016)
ـ معهد الآثار الألماني ببرلين (عضو مراسل منذ 2015)
كما كان أستاذًا زائرًا بجامعة بول فاليري مونبلييه 3 في فرنسا على فترات متقطعة بين عامي 2006 و2023، ما عزّز مكانته كجسر ثقافي بين مصر والعالم.
تكريمات عالمية مستحقة
لم يمرّ عطاؤه دون تقدير دولي، إذ حصد العناني باقة من الأوسمة الرفيعة تقديرًا لإسهاماته في صون التراث الإنساني وتعزيز الحوار الثقافي، من أبرزها:
ـ وسام فارس جوقة الشرف الفرنسي (2025)
ـ وسام الشمس المشرقة من اليابان (2021)
ـ وسام الاستحقاق من بولندا (2020)
ـ وسام فارس في الفنون والآداب من فرنسا (2015)
وفي عام 2024، منحته جامعة بول فاليري مونبلييه 3 الدكتوراه الفخرية تقديرًا لإسهاماته في مجالات التراث والسياحة الثقافية، كما اختير سفيرًا للسياحة الثقافية لدى منظمة السياحة العالمية، ثم راعيًا لصندوق التراث العالمي الأفريقي لعام 2025.
رؤية لمستقبل الثقافة العالمية
يُنظر إلى تولي الدكتور خالد العناني منصب المدير العام لليونسكو بوصفه منعطفًا تاريخيًا في مسيرة المنظمة، وفرصة لتعزيز حضور مصر وافريقيا في مؤسسات الثقافة العالمية.
ويرى مراقبون أن خبرته الأكاديمية والإدارية، إلى جانب رؤيته المتوازنة لحماية التراث والتنوع الثقافي، ستدفع اليونسكو إلى مرحلة جديدة من الحضور الفاعل في مواجهة تحديات الهوية والتعليم والتنمية الثقافية.
بهذا الإنجاز، لا يكتب الدكتور خالد العناني سطرًا جديدًا في سيرته الذاتية فحسب، بل يضيف فصلًا مشرقًا في تاريخ مصر الثقافي والدبلوماسي، مؤكدًا أن الحضارة التي أنارت العالم منذ آلاف السنين لا تزال قادرة على تقديم قادة يواصلون رسالتها في حماية التراث الإنساني وصناعة المستقبل.