حين يختلق العقل الجماعي أحداثًا لم تحدث أبدًا

إعداد: رحمه حمدى
في عالم تسوده وسائل التواصل الاجتماعي والروايات الجماعية، ظهرت ظاهرة غريبة تثير حيرة العلماء: مجموعات كبيرة من الناس تتذكر أحداثًا لم تقع قط، بتفاصيل دقيقة ومتشابهة بشكل مثير للقلق. هذه الظاهرة التي تسمى تأثير مانديلا، تطرح أسئلة عميقة عن طبيعة ذاكرتنا الجمعية وكيفية تشكيل المعرفة المشتركة.
كيف تولد الذاكرة الذائبة الجماعية؟
تعمل هذه الآلية عبر ثلاث مراحل أساسية:
أولاً، تبدأ بشائعة أو معلومة خاطئة تنتشر في وسائل الإعلام أو عبر منصات التواصل. ثانيًا، تقوم العقول الفردية بمعالجة هذه المعلومة وتعديلها لتناسب أنماطها المعرفية المسبقة. أخيرًا، تتبنى المجموعة هذه الذاكرة المعدلة وتدعمها عبر التكرار والنقاش المشترك.
أشهر حالات الذاكرة الجماعية الخاطئة
– اعتقاد كثيرين أن شخصية الرسوم المتحركة سكرونج من مسلسل سبونج بوب كانت ترتدي سروالًا بنطالًا، بينما الحقيقة أنها لم تفعل ذلك أبدًا.
– إصرار آلاف الأشخاص على أن نيلسون مانديلا توفي في السجن خلال الثمانينيات، رغم أنه عاش حتى عام 2013.
– تذكر جماعي خاطئ لفيلم شهير باسم شازام قام ببطولته سنوك روك، بينما لم يوجد مثل هذا الفيلم أبدًا.
الآليات النفسية وراء الظاهرة
تعمل عدة عوامل على تعزيز هذه الظاهرة:
العقل البشري يميل إلى ملء الفراغات في الذاكرة بمعلومات متخيلة تبدو منطقية. الضغط الاجتماعي يدفع الأفراد إلى توافق آرائهم مع المجموعة. تكرار المعلومات الخاطئة يعطيها مصداقية زائفة. الميل الطبيعي لتصديق الروايات الجذابة والمثيرة للاهتمام.
تترتب على هذه الظاهرة عواقب بعيدة المدى: تشويه الحقائق التاريخية والثقافية. انتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع. صعوبة التمييز بين الواقع والخيال في العصر الرقمي. إضعاف الثقة في المؤسسات التعليمية والإعلامية.
كيف نحمي أنفسنا من هذه الظاهرة؟
أصبحت هذه الظاهرة أكثر خطورة في عصرنا الحالي بسبب سرعة انتشار المعلومات الخاطئة عبر المنصات الرقمية. خوارزميات التوصيل التي تعزز المعلومات الجذابة دون التحقق من صحتها. ظاهرة غرف الصدى التي تعزز المعتقدات الخاطئة.
يمكن اتباع عدة استراتيجيات منها التحقق من المصادر قبل تبني أي رواية تاريخية. تطوير وعي نقدي تجاه الذكريات المشتركة. توثيق الأحداث المهمة بمصادر متعددة. تشجيع الحوار الموضوعي حول الاختلافات في الذاكرة.
الذاكرة المشتركة الخاطئة تذكرنا بأن الحقيقة قد تكون أحيانًا ضحية للإجماع الجماعي. في عالم تتدفق فيه المعلومات بسرعة، يصبح الحفاظ على الذاكرة الدقيقة تحديًا وجوديًا يتطلب وعيًا مستمرًا ونقدًا ذاتيًا حادًا.
 



