Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريرسلايدر

“تسول الرقائق”.. أزمة ذاكرة عالمية تهدد طفرة الذكاء الاصطناعي وترفع أسعار الهواتف 30%

يواجه قطاع التكنولوجيا العالمي أزمة حادة ونادرة تتمثل في نقص شديد في إمدادات الرقائق الذكية. وقد أجبر هذا النقص شركات الذكاء الاصطناعي والشركات المصنعة للإلكترونيات الاستهلاكية على الدخول في صراع من أجل الحصول على الحصة المتاحة من الإمدادات التي تتقلص باستمرار، بينما ترتفع أسعار تلك المكونات التي تبدو غير جذابة لكنها أساسية لتشغيل الأجهزة وتخزين البيانات.

مظاهر الأزمة على الأرض

وتظهر مظاهر هذه الأزمة على الأرض بشكل ملموس. ففي اليابان، بدأت متاجر الإلكترونيات في فرض قيود على عدد محركات الأقراص الصلبة التي يمكن للمتسوق شراؤها. وفي الصين، يحذر مصنعو الهواتف الذكية المستهلكين من ارتفاع وشيك في الأسعار. أما على مستوى الشركات العملاقة، فإن شركات مثل مايكروسوفت وجوجل وبايت دانس تبذل جهودا مضنية لتأمين إمداداتها من رقائق الذاكرة من موردين رئيسيين مثل ميكرون وسامسونج للإلكترونيات و إس كيه هاينكس، وفقا لما ذكره ثلاثة أشخاص على علم بتلك المناقشات.

ويطال الضغط الناتج عن الأزمة جميع أنواع الذاكرة تقريبا، بدءا من شرائح الفلاش المستخدمة في محركات أقراص USB والهواتف الذكية، ووصولا إلى ذاكرة النطاق الترددي العالي المتقدمة التي تعتبر الوقود الأساسي لشرائح الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات. وقد سجلت أسعار بعض فئات الذاكرة ارتفاعا صاروخيا، حيث تضاعفت بأكثر من الضعف منذ شهر فبراير الماضي وفقا لبيانات شركة أبحاث السوق ترند فورس، وهو ما جذب أيضا متداولين ومستثمرين يراهنون على استمرار هذا المسار التصاعدي.

ولكن تداعيات هذه الأزمة قد تتجاوز حدود قطاع التكنولوجيا وحده. فقد حذر عدد من الاقتصاديين والمديرين التنفيذيين من أن استمرار حالة النقص هذه يهدد بإبطاء وتيرة المكاسب المرتبطة بالإنتاجية والقائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما قد يؤدي إلى تأخير استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات كانت مخصصة للبنية التحتية الرقمية. علاوة على ذلك، قد تساهم هذه الأزمة في تفاقم الضغوط التضخمية العالمية، في وقت تحاول العديد من الاقتصادات احتواء معدلات التضخم والتعامل مع الرسوم الجمركية الأمريكية.

ويستند هذا التقرير الخاص الذي أعدته رويترز حول أزمة العرض المتصاعدة إلى مقابلات مع ما يقرب من أربعين شخصا، بينهم سبعة عشر مسؤولا تنفيذيا في شركات تصنيع الرقائق وموزعيها. ويكشف التقرير عن الجهود الحثيثة التي تبذلها الصناعة لتلبية الطلب المتزايد على الرقائق المتقدمة، والذي تقوده شركات مثل إنفيديا وعمالقة التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت وعلي بابا. وقد خلقت هذه الديناميكية معضلة مزدوجة، حيث لا يزال مصنعو الرقائق عاجزين عن إنتاج كميات كافية من أشباه الموصلات عالية الجودة اللازمة لسباق الذكاء الاصطناعي، وفي نفس الوقت فإن تحول تركيزهم بعيدا عن منتجات الذاكرة التقليدية أدى إلى تقليل الإمدادات المتاحة للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية والإلكترونيات الاستهلاكية الأخرى. ويسارع بعض المصنّعين الآن لمحاولة تصحيح هذا المسار.

تداعيات اقتصادية تتجاوز قطاع التكنولوجيا

وأظهرت بيانات ترند فورس تراجعا حادا في مستويات المخزون المتوسطة لدى موردي ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، وهي النوع الرئيسي المستخدم في أجهزة الكمبيوتر والهواتف، حيث انخفضت إلى ما بين أسبوعين وأربعة أسابيع فقط في أكتوبر الماضي، مقارنة بما بين ثلاثة إلى ثمانية أسابيع في يوليو الماضي، وبين ثلاثة عشر إلى سبعة عشر أسبوعا في أواخر عام 2023.

وتتزامن تفاقم هذه الأزمة مع تساؤلات جادة يطرحها المستثمرون حول ما إذا كانت مليارات الدولارات التي تم ضخها في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي قد ساهمت في تضخيم فقاعة استثمارية. ويتوقع بعض المحللين حدوث هزة ارتدادية قوية، حيث قد تتمكن فقط الشركات الأكبر حجما والأكثر قوة مالية من تحمل تكاليف واستمرار زيادات الأسعار.

وصرح مسؤول تنفيذي في قطاع رقائق الذاكرة لرويترز بأن النقص الحالي سوف يؤدي حتما إلى تأخير مشاريع مراكز البيانات المستقبلية. وأضاف المصدر أن بناء قدرات تصنيع جديدة يتطلب عامين على الأقل، لكن شركات تصنيع رقائق الذاكرة تحذر في نفس الوقت من مخاطر الإفراط في التوسع والبناء خوفا من الوقوع في حالة من الخمول في حال انحسار الطلب في المستقبل.

وفي محاولة لمواجهة الطلب، أعلنت كل من شركة سامسونج وشركة إس كيه هاينكس عن خطط لاستثمارات جديدة في الطاقة الإنتاجية، لكنهما لم تذكرا تفاصيل واضحة حول كيفية تقسيم الإنتاج بين ذاكرة النطاق الترددي العالي المتقدمة والذاكرة التقليدية.

ومن جهتها، ذكرت سيتي جروب في شهر نوفمبر الماضي أن شركة إس كيه هاينكس قد أبلغت المحللين أن العجز في سوق الذاكرة من المتوقع أن يستمر حتى أواخر عام 2027.

تأخير استثمارات بمئات المليارات في البنية التحتية الرقمية

وفي تطور آخر، وقعت شركة أوبن إيه آي في أكتوبر الماضي اتفاقيات أولية مع كل من سامسونج وإس كيه هاينكس لتوريد الرقائق لمشروعها الطموح المسمى ستارغيت، والذي من المتوقع أن يحتاج إلى ما يصل إلى تسعمائة ألف رقاقة شهريا بحلول عام 2029. وأشار تشي تاي وون إلى أن هذا الرقم يمثل ضعف الإنتاج العالمي الشهري الحالي من ذاكرة النطاق الترددي العالي المتقدمة.

وعند سؤالها، صرحت شركة سامسونج لرويترز بأنها تراقب السوق عن كثب، لكنها رفضت التعليق على أسعار المنتجات أو علاقات العملاء. أما شركة إس كيه هاينكس، فأعلنت أنها تعمل على تعزيز طاقتها الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد على الذاكرة. ومن ناحية أخرى، رفضت شركة مايكروسوفت التعليق، ولم ترد شركة بايت دانس على الأسئلة المتعلقة بسلاسل توريد الرقائق. كما لم تستجب شركتا ميكرون وجوجل لطلبات رويترز للحصول على تعليق.

وصرحت رويترز يمكن وصف الجهود المبذولة من قبل شركات التكنولوجيا للحصول على الإمدادات بمصطلح “التسو”ل للحصول على الإمدادات.

فبعد أن أدى إطلاق تطبيق تشات جي بي تي في نوفمبر 2022 إلى إشعال فتيل طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، أدى الاندفاع العالمي لبناء مراكز بيانات متخصصة للذكاء الاصطناعي إلى دفع مصنعي الذاكرة إلى تخصيص جزء أكبر من إنتاجهم لصنف ذاكرة النطاق الترددي العالي المتقدمة، المستخدمة في معالجات الذكاء الاصطناعي القوية التي تنتجها شركة إنفيديا.

كما أن المنافسة الشديدة من قبل الشركات الصينية المصنعة لذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية منخفضة التكلفة، مثل شركة تشانغشين ميموري تكنولوجيز، دفعت كل من سامسونج وإس كيه هاينكس إلى تسريع وتيرة تحولهما نحو إنتاج منتجات ذات هامش ربح أعلى. وتسيطر الشركتان الكوريتان الجنوبيتان على ما يقرب من ثلثي سوق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية العالمية.

وفي خطوة تعكس هذا التحول، أبلغت شركة سامسونج عملاءها في مايو 2024 عن نيتها وقف إنتاج نوع معين من رقائق دي دي آر 4، وهو نوع قديم يستخدم في أجهزة الكمبيوتر والخوادم، بحلول نهاية هذا العام، وفقا لرسالة اطلعت عليها رويترز. ويذكر أن مصدرين أفادا بأن الشركة قد غيرت مسارها منذ ذلك الحين وقررت تمديد فترة إنتاج هذا النوع. وفي يونيو الماضي، أعلنت شركة ميكرون أنها أبلغت عملاءها بأنها ستتوقف عن شحن رقائق دي دي آر 4 وما يشابهها من نوع إل بي دي دي آر 4، المستخدم في الهواتف الذكية، خلال فترة تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر.

وحذت شركة تشانغشين ميموري تكنولوجيز الصينية حذوها بإيقاف معظم إنتاجها من رقائق دي دي آر 4، وفقا لمصدر مطلع. ورفضت الشركة التعليق على هذا الإجراء.

ولكن هذا التحول الاستراتيجي تزامن مع دورة استبدال قوية لمراكز البيانات التقليدية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، بالإضافة إلى مبيعات الهواتف الذكية التي كانت أقوى من التوقعات، وجميعها تعتمد بشكل كبير على الرقائق التقليدية.

تداعيات اقتصادية تتجاوز قطاع التكنولوجيا

وأفادت تقارير لرويترز أن سامسونج رفعت أسعار شرائح ذاكرة الخوادم بنسبة تصل إلى ستين بالمئة الشهر الماضي. ومن جانبه، أقر جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، الذي أعلن في أكتوبر الماضي عن صفقات وشارك في وجبة دجاج مقلي مع رئيس مجلس إدارة سامسونج للإلكترونيات جاي واي لي خلال زيارة إلى كوريا الجنوبية، بأن ارتفاع الأسعار كبير، لكنه أكد في نفس الوقت أن إنفيديا وفرت إمدادات كافية لاحتياجاتها.

وفي أكتوبر الماضي أيضا، تقدمت شركات جوجل وأمازون ومايكروسوفت وميتا بطلبات مفتوحة إلى شركة ميكرون، وأخبروها بأنهم سيقبلون بأكبر قدر يمكنها تسليمه، بغض النظر عن السعر، وفقا لما ذكره شخصان على علم بالمحادثات.

كما تضغط الشركات العملاقة، بما في ذلك الشركات الصينية مثل علي بابا وبايت دانس وتينسنت، على الموردين، حيث أرسلت مسؤولين تنفيذيين لزيارة مقار شركتي سامسونج وإس كيه هاينكس في أكتوبر ونوفمبر الماضيين للضغط من أجل الحصول على حصص توريد إضافية، وفقا لمصدرين ومصدر ثالث تحدثوا لرويترز. ووصف أحد المصادر الحالة بقوله إن الجميع يتسولون للحصول على الإمدادات.

ولم ترد الشركات الصينية المذكورة على أسئلة رويترز المتعلقة بأزمة الرقائق. كما لم ترد شركات إنفيديا وميتا وأمازون وأوبن إيه آي على طلبات التعليق.

وفي شهر أكتوبر، أعلنت شركة إس كيه هاينكس أن جميع إنتاجها من الرقائق المخصصة للعام القادم قد نفد بالفعل حتى عام 2026، بينما أعلنت سامسونج أنها ضمنت التزامات من عملاء لشراء إنتاجها من رقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي المتقدمة للعام المقبل. وتعمل الشركتان على توسيع طاقتهما الاستيعابية لتلبية الطلب المتزايد على منتجات الذكاء الاصطناعي، لكن المصانع الجديدة المخصصة للرقائق التقليدية من غير المتوقع أن تبدأ العمل قبل عامي 2027 أو 2028.

واستفادت أسهم شركات ميكرون وسامسونج وإس كيه هاينكس من موجة الطلب القوية هذه، حيث سجلت ارتفاعات ملحوظة هذا العام. ففي سبتمبر الماضي، توقعت شركة ميكرون تحقيق إيرادات للربع الأول تفوق توقعات السوق، بينما أعلنت سامسونج في أكتوبر عن أكبر ربح ربع سنوي لها منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ومن المتوقع أن تستمر هذه الموجة الصعودية، حيث توقعت شركة الاستشارات كاونتربوينت ريسيرش أن ترتفع أسعار الذاكرة، سواء المتقدمة أو التقليدية، بنسبة ثلاثين بالمئة بحلول الربع الرابع من هذا العام، وربما بنسبة عشرين بالمئة أخرى في أوائل عام 2026.

توقع بارتفاع أسعار الهواتف عالمياً

وينتقل تأثير صدمة نقص الرقائق وارتفاع أسعارها مباشرة إلى المستهلك النهائي، خاصة في سوق الهواتف الذكية.

فقد حذرت شركتا صناعة الهواتف الذكية الصينيتان شاومي وريلمي من أن الأزمة قد تضطرهما إلى رفع أسعار منتجاتهما. وقال فرانسيس وونغ، مدير التسويق في شركة ريلمي إنديا، لرويترز إن الزيادات الحادة في تكاليف الذاكرة غير مسبوقة منذ ظهور الهواتف الذكية، وقد تجبر الشركة على رفع أسعار الهواتف بنسبة تتراوح بين عشرين وثلاثين بالمئة بحلول شهر يونيو المقبل.

وأوضح وونغ أنه بينما يمكن لبعض المصنّعين توفير التكاليف في مكونات أخرى مثل الكاميرات أو المعالجات أو البطاريات، فإن تكلفة التخزين تقع على عاتق جميع المصنّعين بالكامل ولا سبيل لتجنبها أو نقلها.

ومن جانبها، قالت شركة شاومي لرويترز إنها ستعوض تكاليف الذاكرة المرتفعة من خلال رفع الأسعار وزيادة مبيعاتها من الهواتف المتميزة ذات الهوامش الأعلى، مضيفة أن أعمالها الأخرى سوف تساعد في تخفيف التأثير الكلي.

وفي نوفمبر الماضي، قالت شركة آسوس التايوانية لتصنيع أجهزة الكمبيوتر المحمول إنها تمتلك حاليا مخزونا كافيا من المكونات، بما فيها مكونات الذاكرة، لمدة أربعة أشهر تقريبا، وإنها ستقوم بتعديل أسعار منتجاتها حسب الحاجة.

وكانت شركة وينبوند، وهي شركة تايوانية لتصنيع الرقائق تستحوذ على حوالي واحد بالمئة من سوق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية العالمية، من أوائل الشركات التي أعلنت عن خطط لتوسيع طاقتها الإنتاجية. حيث وافق مجلس إدارتها في أكتوبر الماضي على خطة لزيادة الإنفاق الرأسمالي بشكل حاد إلى 1.1 مليار دولار.

وصرح رئيس شركة وينبوند، بي مينج تشين، بأن العديد من العملاء قد توجهوا إليهم طالبين المساعدة، وأن أحدهم طلب حتى توقيع اتفاقية طويلة الأجل لمدة ست سنوات.

وعلى مستوى تجارة التجزئة، تفرض المتاجر في أكيهابارا، مركز الإلكترونيات الشهير في طوكيو، قيودا على شراء منتجات الذاكرة لمنع ظاهرة التكديس. حيث تشير لافتة خارج متجر أرك لأجهزة الكمبيوتر إلى أنه اعتبارا من الأول من نوفمبر، اقتصرت طلبات العملاء على شراء ثمانية منتجات فقط كحد أقصى، تشمل محركات الأقراص الصلبة، ومحركات الأقراص ذات الحالة الصلبة، وذاكرة النظام. ورفض متجر أرك التعليق على هذه الإجراءات.

وأفاد موظفون في خمسة متاجر مختلفة بأن نقص المعروض أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار خلال الأسابيع الأخيرة. وفي بعض المتاجر، نفدت ثلث المنتجات المعروضة من على الأرفف.

وشهدت أسعار منتجات مثل ذاكرة دي دي آر 5 بسعة 32 جيجابايت، وهي شائعة الاستخدام بين هواة الألعاب، ارتفاعا صاروخيا لتتجاوز 47,000 ين، مقارنة بحوالي 17,000 ين في منتصف أكتوبر الماضي. أما مجموعات الذاكرة الأعلى سعة، مثل سعة 128 جيجابايت، فقد تضاعف سعرها أكثر من الضعف ليصل إلى حوالي 180,000 ين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى