fbpx
معرفة

هكذا يتكلم الأكراد: لا أصدقاء لنا إلا الجبال وإسرائيل

كتبت: نيفين ابو حمده

تدقيق لغوي: عبدالعزيز السلاموني

مدة القراءة: ٩ دقائق

تحت شعار ” السلام والاسترداد”، أُقيم فى مدينة “أربيل” العراقية مؤتمرًا لدعم التطبيع مع إسرائيل فى سبتمبر الماضى بحضور شخصيات من مجتمع الكردستان ذوي الصلة بإسرائيل، وبعض أعضاء حركة صحوة أبناء العراق وعدد من موظفي وزارة الثقافة وحوالى 300 مدعو من مختلف المحافظات العراقية في سابقة هي الأولى من نوعها.

ادعى بعض المشاركين فى المؤتمر أنها ليست دعوة للتطبيع، ولكنها خطوة في طريق البحث عن إمكانية عودة يهود العراق، ومنحهم جنسيتهم وممتلكاتهم المفقودة، مطالبين بوقف النزاعات والحروب والدعوة للسلام والاستثمار، بينما صرح أحد المشاركين لصحيفة “ذا وول ستريت جورنال” في وقت سابق للمؤتمر أن العراق يجب أن ينضم إلى اتفاقيات “أبراهام” ودعا بشكل واضح إلى تطبيعٍ كامل للعلاقات مع إسرائيل وتبني سياسة جديدة تهدُف للتنمية والازدهار.

وقال أحدهم في المؤتمر: أيادينا ممدودة بالسلام لكل دول العالم ولابد من الاعتراف بأن إسرائيل دولة قوية وجزء لا يتجزأ من هذا العالم، لن يتجاهل العراق هذه الحقيقة بعد اليوم ولن يعيش منعزلًا او تابعًا.

بينما تبرأت حكومة إقليم كردستان من المؤتمر، مُعلنة إقامته دون إخطارها أو الحصول على موافقتها، أكدت الحكومة العراقية على موقفها الثابت من إسرائيل ودعمها الكامل للقضية الفلسطينية ورفضها للتطبيع شكلًا وموضوعًا، واعتبرت المؤتمر دعوة لإثارة الفتن وتأجيج الوضع العام.

فمن يريد السلام مع إسرائيل؟ ولماذا السلام والاسترداد في شعار المؤتمر ؟! وعن ماذا يبحث الأطراف هذه المرة؟!

سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات فى السطور القادمة.

رعاة المؤتمر

عُقد المؤتمر برعاية مركز “اتصالات السلام”

ومقره نيويورك ويرتكز نشاطه على دعم الأفكار والفعاليات المتعلقة بالسلام، والمراكز الروحية والقيادية في الشرق الأوسط، يرأسه “جوزيف براودى” الباحث الذى يجيد العربية والعبرية والفارسية والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط، وهو من أبرز العاملين على الدفع بعلاقات إسرائيل مع الأجيال العربية الجديدة بشكل خاص.

رد فعل إسرائيل

زعمت إسرائيل بأن هذه الدعوة نابعة من إرادة شعبية وحاجة إلى السلام، بعد معاناة شهدتها أعوام طويلة من الحروب عاشها شعب العراق، وليست من الحكومة، ولا يوجد ما يمنع من عقد مثل هذه الاتفاقية مع العراق، كما أشار كل من “أوفير جندلمان” المتحدث باسم رئيس الوزراء، ويائير لابيد” وزير الخارجية الإسرائيلى في معرِض تعليقهما على الموضوع، إلى يهود العراق والإرث التاريخي المشترك بين إسرائيل والعراق والذى سيضاف إليه هذا المؤتمر. وأن جهود التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل لابد وأن تسير وتستمر خاصة مع الذين يدعون إسرائيل لإقامة علاقات معها، وهؤلاء فقط من يستحقون دعمها والدعم الغربى كذلك.

العلاقات الإسرائيلية الكردية

بدأت العلاقة الإسرائيلية الكردية عام 1931م، عندما أُرسل “رؤوفين شيلوح”، أول مدير للموساد إلى بغداد وكردستان، كمبعوث أول لليهود في الشرق الأوسط، ويزعم الأكراد أنهم يختلفون عرقيًا عن العرب والفرس والأتراك وأنهم أقرب إلى اليهود، وأن علاقتهم مع إسرائيل طبيعية، حتى أن البعض أحيانًا يطلق عليهم “يهودستان”، وتوجد في إسرائيل جالية يهودية يبلغ تعدادها حوالى 300000 نسمة من أصول عراقية، نصفهم تقريبًا من أصل كردى.( يعيش في إسرائيل حوالي 200,000 يهودي كردي، يقيم حوالي نصفهم فى القدس).

حرص الأكراد الذين يعيشون فى كل من سوريا، العراق وتركيا على التواصل مع إسرائيل، وكذلك مع المجتمعات الكردية في أرمينيا وجورجيا، ويسعى الأكراد منذ بداية القرن العشرين إلى إقامة دولة مستقلة فى إقليم كردستان، الذى يمتلك احتياطى نفطى كبير، وتُعتبر إسرائيل من أبرز الداعمين لاستقلال إقليم كردستان العراق وإقامة دولة كردية، كما أن العلاقات بين المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الكردى أفضل كثيرًا من علاقاتهما مع المجتمعات العربية.

مصالح متبادلة.. قديمة

شهدت علاقات إسرائيل والأكراد فترة نشطة في فترة الستينيات بين عامى 1965و 1975، حرص “الموساد الإسرائيلى” على الاتصال المستمر مع الأكراد بزعامة الملا “مصطفى البرزانى” ولم يكن التعاون المباشر معهم ممكنًا آنذاك، عهدت قيادات الموساد وعلى رأسها “مائير عميت” بالقضية الكردية إلى أحد الضباط الجنرال رافين، الذى نظر لقضية الأكراد بمنظور إنسانى، خاصة عندما ساعد الأكراد في جلب اليهود من العراق عبر إيران، ثم تقديم إسرائيل مساعدات عسكرية للأكراد بهدف إضعاف الجيش العراقي، وموافقة “جولدا مائير” على منحة قدرها 100 ألف دولار للأكراد.

عام 1964، دربت إيران وحدة كوماندوز جبلية كردية، لتقوم بعمليات تخريبية من شأنها تحويل اهتمام القوات العراقية إلى إقليم، كما تم تدريب كتيبتين في مخيم “إيل ياكيم” في إسرائيل.( خلال الحرب العراقية الإيرانية).
ارتفع سقف توقعات الأكراد فى الحصول على مساعدة على نطاق أكبر، مما كانت إسرائيل على استعداد لتقديمه، وكانت لدى إسرائيل بدعم الولايات المتحدة وإيران توقعات مفرطة من الأكراد في المجالات السياسية والعسكرية.

فى عام 1974 قدمت إسرائيل مساعدات مدنية واسعة النطاق في مجالات الزراعة والتعليم والطب، وطلب الأكراد المساعدة فى تهديد متجدد من العراقيين، مما خلف أكثر من 7000 قتيل عراقى.

في مارس 1975، وقع الإيرانيون اتفاقية مع العراق في الجزائر، ونقلت السيطرة على شط العرب المصب المشترك لنهر دجلة والفرات إلى الخليج الفارسى، والذى يعد شريانًا اقتصاديًا أساسيًا للبلاد، ما اعتبره الأكراد خيانة لهم، و تم إخضاع الأكراد من قبل الجيش العراقي، وعانى االكردي من تمييز عسكرى وسياسي شديد ضده.

فوجئت إسرائيل كما الأكراد بالاتفاق، وسحب إيران دعمها للانتفاضة الكردية، اضطرت إسرائيل إلى إنهاء علاقاتها السرية معهم سريعًا، ما أخرج الموساد رجاله من كردستان وأوقف شحنات المساعدات لم يدم الاتفاق بين العراق وإيران، وفي سبتمبر 1980 بدأت الحرب العراقية الإيرانية.

هل وقعت إسرائيل في حب الأكراد؟

عام 1965، اتخذ “دافيد بن جوريون” رئيس الوزراء الإسرائيلي قرارًا بالموافقة على طلب من أستاذ كردى فى باريس بتقديم المساعدة للشعب الكردى، حيث كانت مصالح إسرائيل فى ذلك الوقت تقتضي الدفع بمصالح اليهود العراقيين والعمل على إضعاف القوات العراقية التى انضمت للقوى ضد إسرائيل.

قال أحد رجال الموساد الكبار فى كردستان العراق بين عامي 1965 و 1975 “الأكراد شعب عريق يعود تاريخ وجوده إلى2000 سنة قبل الميلاد فهم كاليهود والفرس تمامًا، وكانوا قبل العراقيين والأتراك والسوريين، يستحق الأكراد إقامة دولة مستقلة إنهم (أمة) أكبر من اليهود والفلسطينيين مجتمعين وهم يصنعون ضجيجًا في العالم كله، جاء ذلك فى كتابه “رواية حرب وهروب في كردستان” بعد عودته إلى إسرائيل واستخدم تعبيرًا صهيونيًا بشأن إقامة الدولة الكردية قائلًأ: “يجب على الأكراد اتخاذ قرار بن جوريونى”.

يهود كردستان

قال يوسف ريفلين(والد رئيس إسرائيل السابق رؤفين ريفلين): “لاتوجد جالية يهودية فى دول الشتات أفقر أحداثًا فى التاريخ اليهودي كتلك التي في كردستان”. والحقيقة رغم عددها الصغير جدا إلا أنها غنية ثقافيًا وتراثيًا، هى الأعرق بين يهود الشتات في دول العالم، وهناك من يرى أن بداياتهم كانت قبل خراب الهيكل الأول اليهودى أي قبل 586 ق.م. ولكن المتفق عليه أن معظمهم جاء نتيجة السبي البابلي والذى كان أساسًا للجالية اليهودية الأقدم فى منطقة العراق وما حولها، يفضلون الانعزال عن باقى الجاليات حتى اليهودية منهم ولذلك حافظت على تراثها الثقافى ذي الطابع الجبلى المنعزل بحكم الظروف البيئية هناك، يعملون بالزراعة ويتميزون بأعمال التطريز والنسيج المميزون به، يكتبون صلواتهم على رقائق جلد الغزال ويتباركون بها ويتخذونها كتمائم تقيهم الحسد وسوء الحظ.

لايوجد إحصاء دقيق لأعداد اليهود في إقليم كردستان، إلا أن البعض يقدرهم بالعشرات، لهم بممثليه فى وزارة الأوقاف، وليس لهم مقعد في برلمان الإقليم الذي يبلغ عدد أعضائه 111 نائبا.

الأكراد في إسرائيل

بدأت الهجرات الجماعية ليهود كردستان قبل إعلان بلفور، حتى أن قرى بأكملها غادرت متجهة للاستقرار في إسرائيل، ويرى الأكراد أن علاقاتهم ووجودهم في إسرائيل كان دائمًا مميزًا وقويًا، ويتذكرون وفودهم للقدس منذ القرن السابع عشر والمبالغ المالية التي كان يدفعها آبائهم وأجدادهم، لكى يُدفنوا في إسرائيل.

هاجر عام 1952 إلى إسرائيل 125,000 يهودي من العراق إلى إسرائيل فيما يُعرف بتهجير“عزرا ونحميا”، وتبعهم كردستان العراق ثم يهود كردستان إيران، وكثير من أكراد تركيا، يحافظ الأكراد في إسرائيل ولائهم لكردستان.

عام 2017، تم طرح مشروع للتصويت في الكنيست باستثناء المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في الشرق الأوسط من القوانين التي تحظر على الإسرائيليين السفر إلى أو القيام بأعمال تجارية في دول العدو، بهدف تسهيل الوصول إلى الأراضي الواقعة تحت السيطرة الكردية أمام الإسرائيليين، لأغراض أكاديمية أو تجارية، أو حتى زيارة قبور أقاربهم.

دعمت إٍسرائيل انفصال إقليم كردستان دعمًا كاملًا، وأعلن الأكراد حينها أمنيتهم في تطبيق النموذج الإسرائيلى بعد الانفصال ( الذى فشل)، ولا يعبأ الأكراد بالانتقادات الموجهة إليهم حول علاقاتهم مع إسرائيل، ولا يجدون غضاضة من تسميتهم: إسرائيل الثانية.

وأخيراً

علاقة إسرائيل القديمة – الجديدة مع الأكراد ليست معقدة إلى هذا الحد، لكن إسرائيل تستغل مبادئ وحقوق الأقليات القومية وتضغط في اتجاه حصولهم على تلك الحقوق لضمان ولائهم لها، كما أنها تعلن باستمرار ارتباط مصائرهم، خاصة عندما يتناول الحديث العلاقات الإسرائيلية الإيرانية.

لن يكون التطبيع مع إسرائيل وسيلة الأكراد للاستقلال، ولن يكون سبيلًا لتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى العراق – على العكس؛ سيواجه إقليم كردستان عقوب الحصار والتضييق الاقتصادى من الدول المحيطة به، إذا ما أقدم على خطوة أحادية فى هذا الاتجاه، ولن تفلح محاولات إسرائيل جذب التعاطف الدولى نحو الأكراد بالحديث عن الظلم الذى يتعرض له الأكراد، وستجد من يلوح لها بجرائمها في حق الفلسطينيين.

ويغازل الأكراد إسرائيل لما تتمتع به من نفوذ في العالم عبر اللوبي الصهيوني.

كما أن قيام إسرائيل في محيط عربي وإسلامي يرفض وجودها، والتعامل معها لن يساعد في الحصول على حقوق الشعب الكردي، فضلا عن أن الحكومة الإسرائيلية التي أعلنت تأييدها الاستفتاء سرعان ما لاذت بالصمت بعد الأزمة الأخيرة ولم تقدم له أي دعم، فكيف يمكن الوثوق بمثل هذه الدعوات؟ يضيف الكاتب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى