سلايدرمقالات

بسنت عماد تكتب: ماذا قدمت مصر للقضية الفلسطينية؟

سؤال قد يكون خبيثاً وقد يكون بريئاً، صار يتردد كثيراً وخاصة في أوساط الشباب العربي.

سؤال يرتبط بما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث تدور اليوم بين الكيان الصهيوني – تلك العصابة التي تحتل من الأراضي العربية ما تحتل – وبين تنظيم مسلح للمقاومة الفلسطينية “حماس”، وتدور تلك الأحداث في قطاع غزة، ذلك القطاع المنعزل من الدولة الفلسطينية المحتلة.

ذلك السؤال الدائر عن دور الدولة المصرية وماذا قدمت للقضية الفلسطينية؟ أحياناً يتم إلقاء هذا السؤال من شاب بريء لا يعرف تاريخ المنطقة بشكل جيد، وغالباً يكون سؤالاً خبيثاً يحمل بين حروفه سموماً وأغراضاً لأجهزة أمنية لا يمكن وصفها بالصديقة.

دعوني أضع بين أيديكم وجهة نظري المتواضعة كشابة مصرية في عشرينيات عمرها، تربت ونضجت في أحد مراكز المدن المصرية الصغيرة، وكان التحصيل المعرفي والثقافي هو صديق دربها منذ الطفولة، وعاصرت أحداث ثورات الربيع العربي.

طفلة لا تكاد تفهم ما يدور من حولها، وأصرت أن تقرأ وتسأل الكبار لتفهم وتعي ما يُحاك في ليل لوطنها وللأمة العربية من حولها.

ففي حين امتنعت دول “عربية” أعضاء في الأمم المتحدة عن التصويت لصالح قرار وقف إطلاق النار لحماية المدنيين العزل من السلاح في قطاع غزة، نجد كلمة وقرار مصر الداعم للقضية.

وفي حين أرسلت دول العالم مجتمعة ومعها الدول “العربية” النذر اليسير من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، نجد مصر – برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة – قد ساهمت بما يزيد عن 85 بالمائة من المساعدات، مقتطعة من قوت شعبها المؤيد للقضية الفلسطينية، الذي يعاني من غلاء فاحش للأسعار، ذلك الشعب الذي توارث في جيناته كرم الأجداد وبسالتهم.

ولم تكتف مصر بالقوافل البرية وحدها، بل رأينا طائراتها العسكرية تُلقي مساعدات إنسانية عبر الإنزالات الجوية مباشرة إلى داخل القطاع والضفة الغربية حينما تعذر وصول القوافل، بعد إغلاق إسرائيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني.

مشاهد الحاويات المصرية وهي تهبط من السماء كانت رسالة واضحة أن القاهرة لن تسمح بحصار الفلسطينيين جوعاً أو مرضاً.

وفي حين راح ملوك وأمراء عدة دول عربية لمواسم الترفيه واللهو، كان الرئيس المصري يواصل اتصالاته ليلاً ونهاراً مع قادة العالم شرقاً وغرباً لحشد التأييد العالمي لدعم المدنيين وإيقاف آلة الحرب.

ولعل خير مثال على ذلك زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة إلى مصر، حيث مارس الرئيس المصري ضغوطاً مباشرة على ضيفه، فأثمر ذلك عن إعلان فرنسا اعترافها بالدولة الفلسطينية، وتبعتها بعدها بريطانيا وأستراليا وكندا؛ خطوة كشفت عن ثقل مصر السياسي ودورها في تغيير مواقف دول كبرى من القضية.

وفي حين تنتشر القواعد الأجنبية في أراضي الأمة العربية، ترفض مصر أي تواجد عسكري على أرضها.

وفي حين راحت مصانع السلاح في دول الغرب تنتج وتبيع السلاح وتنعش خزائنها بمليارات الدولارات، راحت مصر تجود بما لديها لتمرر المساعدات للفلسطينيين المحاصرين في أراضيهم.

وفي حين اهتمت دول العالم بتأمين خروج رعاياهم من بؤرة الصراع، كان هم الدولة المصرية علاج المصابين من أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب. فخصصت معابرها لعبور الجرحى، وفتحت مستشفياتها أمامهم، بل جهزت قوافل طبية ومراكز حدودية لاستقبال آلاف الحالات الحرجة القادمة من غزة، في مشهد يثبت أن إنسانية مصر لا تتجزأ.

إن مصر لا تبحث عن “الشو” الإعلامي ولا مجالس ومؤتمرات هي أقرب للمكلمة منها للقرارات والأفعال. ففي حين اجتمع قادة العرب ليشجبوا ويدينوا ما يحدث كعادتهم، كانت مصر بإمكانياتها الاقتصادية الشحيحة تطعم وتسقي وتعالج وتفرض إرادتها على ساحة الصراع، رافضة بشكل قاطع كل محاولات تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، مؤكدة أن الحل يكمن في صمودهم على أرضهم لا في اقتلاعهم منها.

وفي حين يتكلم العالم عن وقف القتال ولو مؤقتاً، كانت ولا تزال تنادي مصر بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967.

وفي حين يختلف ويتصارع العرب وتتناحر الفصائل الفلسطينية – كعادتها – نفسها (السلطة الفلسطينية، منظمة فتح، منظمة حماس… إلخ)، نجد مصر تقف خلف المدنيين الفلسطينيين العزل، وتجمع تلك الفصائل المتناحرة على طاولة المفاوضات في القاهرة، محاولة رأب الصدع وتوحيد الكلمة، لأن مصر تدرك أن وحدة الصف الفلسطيني ضرورة لا بديل عنها.

وإذا انتقلنا للتاريخ، فقد قدمت مصر منذ إعلان قيام دولة الاحتلال 1948 وحتى اليوم ما يزيد عن 300 ألف روح من أرواح أبنائها ما بين شهيد ومصاب، دعماً ودفاعاً عن قضية الشعب الفلسطيني.

كما استضافت عشرات وعشرات الآلاف من الفلسطينيين على أراضيها، ليس كلاجئين كما تفعل دول العالم، وإنما إخوة، لهم من الحقوق ما هو مساوٍ لأبناء مصر.

وفي حين كان العرب يحصون ثرواتهم المتزايدة من بيع النفط للغرب، بل ويستثمرون تلك الثروات في دول الغرب – الذي يستخدم تلك الثروات لإنتاج السلاح الذي يمنحه للكيان المحتل ليقتل أصحاب القضية – كانت مصر تحصي قتلاها في تلك الحروب، وتحارب في دهاليز السياسة ليعترف العالم بوجود دولة تُدعى فلسطين.

ونجحت في ذلك أعوام 1974، 1976 من الجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية على التوالي.

إن مصر حين وقعت معاهدة السلام مع الكيان المحتل قاطعها العرب وانقلبوا عليها، برغم أن من شروط مصر حل القضية وعودة الحق لأصحابه وإقامة دولة فلسطينية، ونجد اليوم العرب يعاهدون المحتل بلا مقابل يُحسب للفلسطينيين.

وفي خضم ثورات الربيع العربي التي تأججت في مصر أيضاً، وكمصريين ندرك تماماً الدور الحمساوي التخريبي والذي كان وقتها ضد الشارع المصري، وكانت الدولة المصرية في أوج ضعفها، إلا أن الدولة المصرية لم تكن تهتم لنفسها فقط كباقي الدول التي اندلعت بها الثورات، بل كانت تعمل على مصالحة الفصائل الفلسطينية المتناحرة دعماً لوحدة الصف الفلسطيني، التي نراها اليوم لا زالت متناحرة صراعاً على سلطة واهية لدولة محتلة بلا موارد تقريباً.

وفي حين أنفق حكماء العرب مليارات المليارات على لاعبي كرة القدم وشراء أندية إنجليزية ودفع الرشاوي من أجل استضافة فعاليات رياضية، ضخت الدولة المصرية بإمكانياتها المالية المحدودة حوالي 500 مليون دولار من أجل إعمار غزة.

إن إجابة هذا السؤال البريء الخبيث تُكتب في مجلدات وليس في بضعة سطور، وما هذه الكلمات سوى غيض من فيض، ومن يريد التفاصيل فعليه أن يتعب أصابعه قليلاً على شاشة هاتفه ليبحث ويعرف الحقيقة والتاريخ، قبل أن يشرع لسانه بكلمة عن دولة وشعب أقل ما يقال عنهم أنهم قدموا ولا زالوا يقدمون أكثر بكثير جداً من كل ما قدمه العالم للشعب الفلسطيني.

إن السؤال الخبيث “ماذا قدمت مصر للقضية الفلسطينية؟” إنما يريد أصحابه الأصليون أن يفرضوا على الدولة المصرية اتخاذ قرار التدخل العسكري في الصراع الدائر على حدودها الشرقية، وأن تتحمل مصر وحدها تبعات هذا القرار من انهيارات اقتصادية واجتماعية وعسكرية وغيرها من التبعات.

إن اتخاذ قرار الدخول في الحروب ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فقرار الدولة لدخول الحرب يختلف اختلافاً كثيراً عن قرارك في دخول “خناقة” مع جارك الخارج عن القانون.

ولعلك يا عزيزي وجدت إجابة سؤالك بين سطوري، وتعرف وتتيقن أن مصر تقدم دائماً ما لا يستطيع أحد تقديمه حتى في أحلك الظروف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى