
إعداد: بسنت عماد
في التاسع والعشرين من أغسطس من كل عام، يحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية، وهو اليوم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009، إحياءً لذكرى إغلاق موقع “سيميبالاتينسك” في كازاخستان، أحد أبرز ساحات التجارب النووية خلال الحرب الباردة.
ويأتي هذا اليوم ليذكّر البشرية بالمخاطر الكارثية التي خلفتها التجارب النووية، ليس فقط من حيث الدمار الفوري، وإنما بما يتجاوز ذلك إلى أمراض سرطانية وتلوث بيئي يمتد لعقود.
هذا العام، تتزامن الفعاليات مع الذكرى الثمانين لأول قصف نووي في التاريخ، حين ألقت الولايات المتحدة قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من أغسطس 1945، ثم على ناغازاكي بعد ثلاثة أيام.
نبذه عن حادث هيروشيما ونجازاتي
عند الساعة الثامنة والربع من صباح السادس من أغسطس 1945، أسقطت الطائرة الأمريكية “إينولا جاي” القنبلة الذرية الأولى في التاريخ، المعروفة باسم “ليتل بوي”، على هيروشيما.
انفجرت القنبلة على ارتفاع نحو 600 متر فوق وسط المدينة، وأحدثت موجة نارية ورياحًا عاتية دمّرت نحو 70% من المباني. قُتل ما بين 70 و80 ألف شخص فورًا، وارتفع العدد بحلول نهاية العام إلى أكثر من 140 ألفًا نتيجة الحروق والإشعاع.
لم تتوقف المأساة عند ذلك، إذ عاش الناجون “المعروفون باسم هيباكوشا” مع أمراض سرطانية وتشوهات وراثية انتقلت إلى الأجيال التالية.
وبعد ثلاثة أيام فقط، تكرر المشهد في ناغازاكي بقنبلة ثانية حملت اسم “فات مان”، لتسقط ما يزيد على 70 ألف ضحية أخرى، وتُعجل باستسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية.
سباق التسلح النووي
منذ تلك اللحظة، دخل العالم سباقًا نوويًا محمومًا. ففي السادس عشر من يوليو 1945، سبقت التجربة الأمريكية الأولى “ترينيتي” في صحراء نيو مكسيكو القصف الياباني بأسابيع، ثم تتابعت التجارب بشكل مكثف بين القوى الكبرى.
فمن 1945 وحتى 1996، جرى تنفيذ أكثر من 2000 تجربة نووية، توزعت بين الغلاف الجوي (25%)، وتحت الماء، وتحت الأرض (75%)، قبل أن يتم التوصل إلى معاهدة الحظر الجزئي للتجارب عام 1963، ثم معاهدة الحظر الشامل عام 1996، التي لم تدخل حيز التنفيذ حتى اليوم.
ترسانة عالمية مقلقة
كشف معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI) في أحدث تقاريره لعام 2025، أن الترسانة النووية العالمية ما زالت تشهد مستويات مقلقة، إذ يقدَّر عدد الرؤوس النووية حول العالم بنحو 12,241 رأسًا، بينها 9,614 رأسًا مخصصًا للخدمة العسكرية المباشرة.
وتظل روسيا والولايات المتحدة في صدارة المشهد النووي، باحتكارهما معًا ما يقرب من 90% من إجمالي المخزون العالمي، حيث تمتلك موسكو ما يقارب 4,309 رؤوس نووية، فيما تملك واشنطن حوالي 3,708 رؤوس.
أما بقية القوى النووية فجاء ترتيبها على النحو التالي: الصين 600 رأس، فرنسا 290، بريطانيا 225، الهند 180، باكستان 170، إسرائيل 90، وأخيرًا كوريا الشمالية 50 رأسًا.
الموقف المصري
تحافظ مصر على موقف ثابت تاريخيًا في دعم جهود نزع السلاح النووي. ورغم توقيعها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإنها لم تصادق عليها بعد، مشترطة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل.
وقد كانت القاهرة أول من تقدم عام 1974 بمشروع قرار في الأمم المتحدة لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، ما يؤكد التزامها بمبدأ العدالة النووية.
إرث مدمر ومستقبل غامض
ثمانون عامًا على هيروشيما وناجازاكي، وما زال شبح النووي قائمًا: ترسانات متزايدة، معاهدات متعثرة، وتوترات دولية قد تعيد مشهد الكارثة.
وبينما يحاول العالم الاحتفاء بيوم ضد التجارب النووية، يظل السؤال الأكبر: هل يمكن للبشرية أن تتجاوز إرث الماضي، أم أن هيروشيما كانت مجرد بداية؟
 



