
أول تصحيح المسار في كل شئ هو محادثة العقل حتى و إن كان جاهلا، فلو سألت رجل أُمي عن إمكانية الزراعة في أرض قاحلة مقطوعة الماء سيرد بلا تردد باستحالة نمو الزرع.. إلا أن يشاء الله بحدث إستثنائيّ بأن يعانق الغيث جسد الفلاه.
طلَّت ظاهرة الزيادة السكانية برأسها على أم الدنيا كالغيمة العتماء في منتصف القرن المنصرم لكن لم يلمسها أحد بسبب كثرة الموارد مقارنة بعدد السكان إضافة إلى قلة معدلات التكدس السكاني، فلم يكن الشعب يدري معنى المشكلة أو في أقصى تقدير كان يعلمها و يُسَفه منها، بل بدأت التيارات الدينية في مهاجمة الأطروحة من الأساس بدعوى موروث مبني على أساس فهم خاطئ للدين و هو ” العيل بييجي برزقه “.
إن الله قد كتب مقادير الأرزاق لجميع المخلوقات بداية من البشر حتى الجراثيم و الطفيليات لكن جعل كل شئ بحساب و ربط ذلك الرزق بالأسباب فإن أخذت بأسباب الرزق ظفرت به، و لعل أول أسباب الرزق هي التوكل على الله و ليس التواكل ربما الفرق في الإملاء حرف واحد ؛ لكن المعاني متضادة تماما فعند مرور الإمام عمر بن الخطاب بجماعة من أهل اليمن قد تركوا أرضهم فلم يغرسوا الحب أو يسقوا المزروع فحدثهم عن العلة ؛ فقالوا ” نحن المتوكلون” ، فرد فاروق الأمة ” بل أنتم المتَّكلون … إنما المتوكل من يلق حبه في الأرض و يتوكل على الله ” .
فكيف يكون المرء لا يستطيع أن يكتفي ماديا بأن يعيش مستورا عن الحاجة و ينجب بدلا من الطفل ثلاثة و أربعة و خمسة، فقبل الإنجاب من المفترض أن يسأل الإنسان نفسه عددا من الأسئلة هل أنا قادر على إعالة طفل؟ هل أنا قادر على أن أكفيه شر الجوع و المرض و المسكنة؟ وإن كان المرء غير آبه بكل ذلك بدافع التباهي و الكثرة فما سيكون الشعور عند سؤال الإبن أو الإبنة شئ يراه متوفر مع كل من في سنه و لا يتوفر معه؟.
عندما تضيق السبل يكون الرد بأن رسول الله قد قال ” تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ” ، هنا سؤال آخر يجب أن تسأله لنفسك بمَن يتباهى رسول الله؟ ، ماذا لو أنجبت عددا من الأبناء فلم تحسن تربيتهم أو تعليمهم أو الانفاق عليهم، منطقيا سينتج أما جاهل لا يضيف للمجتمع بل يكون عبأ أو مجرم كان سارقا أو قاطع طريق أو غيره، أو معقد نفسيا و يكون غالبا مصيره الإتجاه للإدمان أو الانتحار ، فهل هؤلاء من سيتباهى بهم رسول الله؟
دائما إدراك المقدرة و الواقعية تكون مربط الحل فهل من المعقول أن تكون ناقة قادرة أن تحمل بالكاد فرد براحلته تستطيع أن تتحمل ثلاثة و أربعة ؟ بالطبع لا أو هل تستطيع بذرة أن تنبت بدون ماء أو تربة خصبة ؛ أيضا لا تستطيع و كذلك النسل فإن لم يكن الفرد لا يستطيع أن ينفق على طفل أو يرعاه فلا يصح له أن ينجب و أن استطاع أن ينفق لكنه لا يستطيع أن يربي فرد صالح فكذلك لا يصح له أن ينجب إلا بعد التأكد من الاستطاعة في جميع الأوجه من مال و تعليم و تربية، فيتسنى له أن ينجب مفخرة لا معرة، فلربما طفل أو طفلين ـ كل حسب مقدرته ـ تربوا و تعلموا و نشأوا نشأة قويمة أفضل من أربعة لديهم أوجه قصور في مناحي ازدهار النشأ، فيكون احتمال طلاحهم أقرب من احتمال صلاحهم.
يكمن الحل بداية عقل المرء و دائما تصحيح الفكر المغلوط المتوارثة بمثابة عملية جراحية بالغة الخطورة لأنه محاولة لتغيير أحد الثوابت الخاطئة دون إخلال الثقة بالمجتمع و القيم القويمة الأخرى، و ضرب التغيير له أكثر من سبيل؛ أولها تصحيح المفهوم المغلوط لصحيح الدين في تلك المسألة غير القنوات الدينية الموثوقة كما الأزهر و مؤسساته، ثانيا أن تُتَخذ إجراءات أكثر تأثيرا على دفع عجلة تنظيم النسل بأسلوب الترغيب بوضع امتيازات في الدعم و غيره للملتزمين و الترهيب بسن قوانين تضيق على فكرة الإنجاب أكثر من المقدرة، وأخيرا ترسيخ الفكرة عبر النشأ و الصغار حتى تتحول إلى ثابت يحل محل الفكر المغلوط.