
إعداد: بسنت عماد
شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا، أمس السبت 16 أغسطس، مظاهرات حاشدة غير مسبوقة عكست تحولًا لافتًا في خطاب أبناء الطائفة الدرزية تجاه السلطة المركزية.
فقد احتشد المئات في ساحة الكرامة وسط المدينة، حاملين الأعلام الدرزية والإسرائيلية في مشهد أثار جدلًا واسعًا، وردّدوا شعارات تطالب بالانفصال التام عن دمشق، وذلك عقب أسابيع دامية خلفت أكثر من 1600 قتيل وفق إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يُذكر أن الدروز طائفة دينية عربية تعود نشأتها إلى القرن الحادي عشر في ظل الدولة الفاطمية، وتتميّز بخصوصية عقائدية وهوية اجتماعية مغلقة.
ويتمركز وجودهم بشكل رئيسي في جبل العرب بمحافظة السويداء جنوب سوريا، إلى جانب حضور مؤثر في لبنان وفلسطين.
وقد لعبوا أدوارًا محورية في تاريخ المنطقة، كان أبرزها قيادة سلطان باشا الأطرش للثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي، ما منحهم مكانة سياسية ورمزية وسك المجتمع السوري .

مشهد الاحتجاجات
المتظاهرون رفعوا صور شيخ العقل حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية للطائفة، وردّدوا هتافات من بينها: “السويداء حرة حرة.. الجولاني يطلع برا”.
كما حملوا لافتات كُتب عليها: “حق تقرير المصير حق مقدس للسويداء” و “نطالب بفتح معبر إنساني” في إشارة إلى الحصار المفروض على المحافظة.
وفي خطاب لافت من على منصة التظاهرة، أعلنت إحدى السيدات أمام الحشود: “لا نريد إدارة ذاتية ولا حكمًا فدراليًا، نريد استقلالًا تامًا”، وسط تصفيق واسع عكس حجم الغضب الشعبي وتصاعد النزعة الانفصالية.
حصار خانق ونزوح جماعي
تعيش السويداء منذ اندلاع المواجهات في 13 يوليو أوضاعًا إنسانية صعبة، مع انقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة وندرة في المواد الغذائية والدوائية، بينما يحمّل الأهالي الحكومة مسؤولية فرض حصار خانق.
هذا الوضع دفع عشرات الآلاف للنزوح نحو مناطق أكثر أمانًا، في وقت تنفي فيه دمشق هذه الاتهامات مؤكدة أن قوافل الهلال الأحمر السوري تدخل المحافظة بشكل دوري.
ضحايا بالعشرات.. وتدخل إسرائيلي
وفق توثيقات المرصد السوري، أسفرت المواجهات بين مسلحين دروز وعشائر بدوية مدعومة من القوات الحكومية عن مقتل أكثر من 1600 شخص، بينهم مدنيون، وسط اتهامات بارتكاب إعدامات ميدانية وانتهاكات واسعة.
وقد رافقت هذه الأحداث غارات إسرائيلية قرب القصر الرئاسي ومقر هيئة الأركان في دمشق، حيث أكدت تل أبيب أنها ستتدخل لحماية الأقلية الدرزية داخل سوريا، وهو ما دفع متظاهرين لرفع الأعلام الإسرائيلية كتعبير عن الامتنان.

بين الفيدرالية والاستقلال
أمام هذا المشهد المتأزم، يتصاعد النقاش داخل المجتمع الدرزي حول شكل العلاقة المستقبلية مع دمشق.
فبينما يطالب قسم من الناشطين بالاستقلال الكامل، يرى آخرون أن الفيدرالية قد تكون حلاً وسطًا يتيح إدارة محلية موسّعة ويضمن بقاء السويداء ضمن دولة سورية موحدة.
مصادر محلية تحدثت عن إمكانية طرح استفتاء لتحديد مصير المحافظة، معتبرة أن تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة السويداء، خصوصًا خلال اجتماعات عمّان الأخيرة، ساهم في دفع الناس إلى خيارات أكثر جذرية.
معبر جديد وقوة محلية
التقارير الصحفية أشارت أيضًا إلى وجود مشروع لفتح معبر يربط السويداء بالقنيطرة تحت إشراف دولي، بعد تعثر الاتفاقات السابقة، مع تشكيل قوة محلية قوامها نحو خمسة آلاف مقاتل لتأمين الطرق والإمدادات.
هذا الطرح يعكس رغبة المجتمع المحلي في بناء هياكل مستقلة قادرة على حماية المحافظة وإدارة شؤونها بعيدًا عن سلطة دمشق.

السويداء أمام مفترق طرق
تبدو السويداء اليوم أمام مفترق طرق مصيري: فإما أن تُدرج ضمن نظام فيدرالي جديد يضمن حقوق الأقليات وصلاحيات واسعة للإدارة المحلية، أو أن تمضي في طريق الاستقلال الذي بدأ يتردّد علنًا في شوارعها.
وبين الحصار الخانق والنزوح الجماعي من جهة، والتجاهل الدولي من جهة أخرى، يسعى أبناء الطائفة الدرزية إلى تأمين مستقبلهم بوسائل أكثر حدة قد تعيد رسم الخريطة السورية.