fbpx
معرفة

كيف ترى إسرائيل أحداث السودان

كتبت: د.نيفين أبو حمده
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت
زمن القراءة: ٣ دقائق ونصف

“حِراك” مفاجئ على الساحة السودانية لم تتضح ملامحه الحقيقية بعد، أطلق الإعلام العالمي يده في تسميته، أدى إلى إعلان حالة طوارئ عامة، وإعفاء مسؤولين، وإقامات جبرية وحراسات مشددة على مجلسَي السيادة والوزراء، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، ومواطنون يجوبون الشوارع حاملين لافتات ملؤها المعاناة، دعوات لعصيان مدني، وإدانات من المجتمع الدولي، وترقُّب من الجميع لما يحمله الغد.
كيف تناولت إسرائيل الإعلام العبري تلك الأحداث لها، تحمله لنا السطور القادمة.

مفاجأة وارتباك..
بينما كان يتهيأ الإعلام العبري للإعلان عن ميعاد الحفل الرسمي لتوقيع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسودان برعاية أمريكية، بدا الأمر مفاجئًا للغاية، وسارع الجميع للمصدر الأقرب؛ صفحة وزارة الإعلام السودانية على موقع “فيس بوك” ونقلت عنها وقوع “انقلاب عسكري” بهدف الاستيلاء على السلطة، مشيرة إلى الانقسامات التي تهدد أمن السودان، ومعلنة عن بدأ مرحلة انتقالية دون تفاصيل (عدا تشكيل حكومة جديدة) استعانت وسائل الإعلام العبرية على الأخبار الموجزة، وعدم وضوح الرؤية، بخلفية مطولة عن التعاون الوثيق بين السودان والتنظيمات الإرهابية، والعلاقات التقليدية مع الحركات المتطرفة، التي مهدت طريق السودان إلى القائمة السوداء للدول المؤيدة للإرهاب.

ارتباك التحليل السياسي
خرج التحليل السياسي للأحداث عن صمته، وأمسك طرف الخيط عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستفعل كل ما في وسعها لتحقيق التطلعات “الديمقراطية” للشعب السوداني، واتجهت التحليلات لعهد “عمر البشير”، حيث أصبح السودان أهم مركز “لوجستي” للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، إضافة إلى كونه جسر رئيس لتهريب الأسلحة والذخيرة في الشرق الأوسط، خاصة المناطق القلِقة مثل سوريا واليمن والعراق، والتنظيمات الجهادية في شبه جزيرة سيناء وغزة ، وسماح حكومة الخرطوم (آنذاك) إقامة قواعد ومعسكرات تدريب على حساب تفكك الجيش والمجتمع المدني السوداني؛ الذي انحنى تحت وطأة العقوبات الاقتصادية على الدولة التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ٤٤ مليون نسمة، إلى أن بشّرت الإطاحة بالبشير بحلول رياح التغيير، ورغم تشكك الغرب تم تشكيل مجلس السيادة، وفَرَضَ عبد الله حمدوك- الاقتصادى الليبرالى ذائع الصيت- استقرار النظام السياسي.

وذهب البعض إلى أن علاقة “البرهان” المميزة بمِصرَ ورئيسها، هى السبب الرئيس لتطبيقه النموذج المصري، والعمل على سيطرة الجيش على جميع السلطات الحكومية في السودان، وإنشاء مجلس عسكري انتقالي لتعيين حكومة تكنوقراط لتكون بمثابة حكومة انتقالية إلى أن يستقر النظام السياسي في البلاد وتُجرى انتخابات ديمقراطية، وأن الشجب والاستنكار لما يحدث في السودان يُثبت أن “المغامرة” التي قام بها “البرهان” لم تكن صحيحة لمستقبل الدولة فقط ولكنها كانت مطلوبة أيضًا.

إسرائيل في جملة مفيدة..
“على الجانب الآخر كان هناك اللواء “البرهان” وأنصاره في المجلس العسكري الذين سعوا للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل تحت رعاية إدارة “ترامب”، على الرغم من إحجام “حمدوك” وغيره من كبار أعضاء النظام السياسي المدني السوداني عن الاتفاق مع إسرائيل، والانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، حتى وإن كانت بغرض إعادة بناء اقتصاد السودان الممزق، لكن في الأشهر الأخيرة خاصة منذ بداية إداراة “بايدن” كانت هناك دعوات متزايدة في السودان لعزل “البرهان” وحل المجلس العسكري”.
هذا ما يردده الإعلام العبري، ويروج به المحلل السياسي على موقف إسرائيل تجاه الأحداث، ما أكدته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” بإعلانها تصريحات نسبتها لدبلوماسي سوداني كبير (فضل عدم ذكر اسمه): “إن حمدوك أراد التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل وكان يجهز للسفر إلى واشنطن، وهو ما لم يحدث بسبب (الانقلاب) الذي نفذه الفريق أول عبد الفتاح البرهان”، كما توقع الدبلوماسي عدم تأثر التطبيع مع إسرائيل بما يحدث في السودان لأن: “رجال الجيش مؤيدون للتطبيع وفي مقدمتهم الجنرال البرهان ونائبه دكلو”، لكنه حذر من أنه “على المدى البعيد قد تؤدي حقيقة أن الجيش وحده هو المؤيد لهذا الاتفاق بدون قوات مدنية إلى المساس بالتأييد الجماهيري للتطبيع” .
وأضافت مصادر مطلعة “للهيئة” (لم توضحها) إن مشاورات أجريت في إسرائيل بشأن الانقلاب في السودان، رجحت تأجيل انضمام السودان للاتفاقات الإبراهيمية، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، حين رجح أن سبب الأحداث الحقيقى هو الخلاف بشأن حفل التطبيع مع إسرائيل!

هل ستؤثر هذه الأحداث على إسرائيل؟
كان توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل من القضايا الخلافية في السودان، واعتمد الترويج للتطبيع على الوعود الأمريكية بإلغاء العقوبات القاسية التي فرضتها على السودان منذ عهد “البشير”، ما من شأنه تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، رغم ذلك فإن خُطى الترويج للتطبيع بين إسرائيل والسودان بطيئة للغاية، ما تعتبره إسرائيل أحد أسباب عدم الاستقرار الذي أصبح “مزمنًا” في السودان، رغم زيارة الوفد المخابراتي الإسرائيلي إلى السودان في يناير من هذا العام، وزيارة استغرقت يومين لوفد أمني وعسكري سوداني إلى إسرائيل، والحديث الدائر دائمًا عن أهمية انضمام السودان للاتفاقيات الإبراهيمية.

قبل ساعات من الاضطرابات التقى “البرهان” و”حمدوك” بمبعوث حكومة “بايدن” إلى السودان ولم تتضح تفاصيل الاجتماع، لكن الإعلام العبري توقع أن يواجه “البرهان” نتائج اعتماده على الإدارة الجديدة في واشنطن بحجة العمل على مصالح السودان ومستقبله، والتي يمكن أن تؤدي به وببلاده إلى مصير مشابه لمصير أفغانستان وسقوطها في أيدي طالبان.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن:” الخرطوم سلكت الطريق نحو قلب الولايات المتحدة الأمريكية ورفع العقوبات بتغيير توجهات تبنتها لسنوات، ووافقت على التطبيع مع إسرائيل، قد يكون للاضطراب (غير العنيف) الذي حل بها تأثيرًا على سرعة مسيرتها في إقامة علاقة كاملة بينها وبين إسرائيل”.

أخيرًا
تَعتبر إسرائيل أن السودان كان أرضًا خصبة للنشاط الإرهابى ضدها، نتيجة علاقتها بإيران (الحرس الثوري) وحركة حماس خلال عقدٍ مضى، شنت خلالها إسرائيل عدة هجمات سرية وعلنية ضد أهداف عسكرية في السودان، لكن موقف الخرطوم الحالي تغير تمامًا خاصة بعد إلغائها قانون مقاطعة قانون إسرائيل الذي يحظر جميع الاتصالات معها منذ عام ١٩٥٨.

من السابق لأوانه تقييم نتائج أحداث السودان على علاقتها بإسرائيل أو على عملية التطبيع بشكل عام، لكن ربما يمكن القول أنها ستتسبب في مزيد من بُطء الخُطى نحوه؛ لأن محور الاهتمامات سيتجه نحو الداخل السوداني وأزماته، وقد يؤدي لفرض العقوبات مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى