
إعداد: رحمه حمدى
منشأة فوردو النووية هي واحدة من أهم المنشآت النووية الإيرانية وأكثرها تحصينًا، وتلعب دورًا محوريًا في البرنامج النووي الإيراني.
تُعد فوردو موقعًا بديلًا محصنًا في حالة تدمير المنشآت النووية الأخرى مثل نطنز، مما يجعلها عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية الردع الإيرانية. توصف بأنها “الخزنة الجبلية” للبرنامج النووي الإيراني، حيث يمكنها إنتاج كميات صغيرة من اليورانيوم عالي التخصيب بسرية .
الموقع والتصميم
تقع منشأة فوردو على بعد 95 كيلومترًا جنوب غرب طهران، داخل جبل بالقرب من مدينة قم، على عمق يُقدّر بنحو 80-90 مترًا تحت سطح الأرض، وبعض التقارير تشير إلى أن العمق يصل إلى حوالي 800 متر .
تم بناء المنشأة داخل مجمع أنفاق محفور في الجبل، ويضم 5 أنفاق رئيسية تؤدي إلى قاعات محصنة تحت الأرض
صُممت لتحمل الهجمات الجوية التقليدية، وهي محمية بطبقات من الصخور الصلبة والخرسانة المسلحة، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة .
وبحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تضم فوردو أكثر من ألف جهاز طرد مركزي متطور، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم بمستويات قريبة من تلك المطلوبة لصناعة سلاح نووي.
نقلت شبكة “سي بي إس الإخبارية” عن الخبير في مجال منع انتشار الأسلحة في اواخر 2023 في: “لطالما كانت فوردو مصدر قلق كبير نظرًا لموقعها وحجمها. كنا نعلم جميعًا منذ البداية أن فوردو موقع يهدف إلى تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، نظرًا لموقعه وحجمه وقدرته التقنية. و… أن الإيرانيين يعملون على توسيع هذا الموقع، وكذلك على زيادة مخزون اليورانيوم المخصب فيه، ينبغي أن يكون مصدر قلق لنا، لأننا في الواقع لا نملك الكثير من الشفافية بشأن ما يجري هناك”.
وأشارت أنه على النقيض من نطنز، التي تقع فوق الأرض، فإن فوردو تقع تحت الأرض، وهي منشأة تحتوي في الواقع على بنية نفق
الوظيفة والقدرات النووية
تُستخدم المنشأة بشكل أساسي لتخصيب اليورانيوم، وتستطيع إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، وهي نسبة قريبة من المستوى المطلوب لصنع أسلحة نووية (90%) .
تحتوي على حوالي 3000 جهاز طرد مركزي من طراز IR-1، موزعة على قاعتين رئيسيتين .
في بداية 2023، اكتُشفت جزيئات يورانيوم مخصب بنسبة 83.7%، مما أثار مخاوف دولية من استخدامها لأغراض عسكرية.
التاريخ والتطور
بدأ بناء المنشأة سرًا بين 2002 و2004، وكُشف عنها في 2009 بعد ضغوط دولية. كانت جزءًا من “خطة عماد”، وهو برنامج إيراني سري يُشتبه في أنه مخصص لتطوير أسلحة نووية. بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، أوقفت إيران التخصيب في فوردو لمدة 15 عامًا، لكنها استأنفت الأنشطة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018.
التحصينات والتحديات العسكرية
تُعتبر فوردو أصعب موقع نووي إيراني يمكن استهدافه بسبب عمقها وتحصيناتها. القنبلة الوحيدة التي يُعتقد أنها قادرة على اختراقها هي GBU-57 الأمريكية، التي يمكنها اختراق 60 مترًا فقط (أقل من عمق المنشأة) . تشير التقارير أن إسرائيل لا تمتلك طائرات أو قنابل قادرة على تدمير فوردو بشكل كامل، مما يجعلها تعتمد على الدعم الأمريكي لضربها
وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” موقع فوردو بأنه الموقع النووي الأكثر حماية في إيران، حيث يقع في أعماق الأرض.
وأكدت الصحيفة أن الجيش الأمريكي وحده هو من يمتلك القنبلة التي يبلغ وزنها 30 ألف رطل، وهي القادرة على الوصول إلى المنشأة، كما أن لديه القاذفة المناسبة التي تستطيع حمل هذه القنبلة.
وتُعرف هذه القنبلة باسم “القنبلة الخارقة للتحصينات” لأنها مصممة خصيصًا لتدمير المخابئ العميقة تحت الأرض، أو الأسلحة المخزنة في منشآت محصنة بشدة.
وتتميز هذه القنبلة بغلاف فولاذي أكثر سمكًا بكثير من القنابل العادية، كما تحتوي على كمية أقل من المتفجرات مقارنةً بالقنابل متعددة الأغراض التي تكون بنفس الحجم تقريبًا. ويسمح هذا الغلاف الثقيل للقنبلة بالبقاء سليمة أثناء اختراقها للطبقات الأرضية مثل التربة أو الصخور أو الخرسانة، قبل أن تنفجر في العمق.
ويبلغ طول القنبلة 20 قدمًا، بينما يصل وزنها إلى 30 ألف رطل، مما يجعلها ثقيلة جدًا بحيث لا يمكن حملها إلا بواسطة القاذفة الشبحية الأمريكية من طراز B-2.
وكان الاعتقاد السابق أن إسرائيل لا تستطيع تدمير موقع فوردو بمفردها، حيث منعت الولايات المتحدة إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للتحصينات. ورغم أن إسرائيل تمتلك طائرات مقاتلة متطورة، إلا أنها لم تُطور قاذفات ثقيلة قادرة على حمل مثل هذا السلاح الضخم.
في يونيو 2025، تعرضت فوردو لهجوم إسرائيلي محدود، لكن الأضرار كانت طفيفة بسبب نقل إيران جزءًا من المعدات مسبقًا
تطورات الاوضاع الحالية
قالت “بي بي سي” من الممكن أن إسرائيل حققت الهيمنة على سماء إيران، لكن منشأة فوردو النووية ــ التي يعتقد أنها تقع على عمق أعمق تحت الأرض من نفق القناة الذي يربط بين المملكة المتحدة وفرنسا ــ تظل بعيدة عن متناول الأسلحة الإسرائيلية.
وقال نائب الأدميرال مارك ميليت، الرئيس السابق لقوات الدفاع الأيرلندية، لبي بي سي فيريفاي إن احتمالية قدرة هذه “القنابل الخارقة للتحصينات” على تدمير موقع مثل فوردو تعتمد على مدى قوة التعزيزات التي يتم إجراؤها للأنفاق تحت الأرض.
ومن بين المؤشرات على أن أمريكا ربما تستعد لاستخدام القنبلة الخارقة للدروع على أهداف في إيران نشر قاذفاتها الشبح من طراز بي-2 في قاعدة دييجو جارسيا الجوية التي تقع على بعد 2300 ميل (3700 كيلومتر) من إيران ولكنها تقع ضمن مدى قاذفات بي-2.
وفي شهر مارس الماضي، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد إن وكالات الاستخبارات الأميركية لا تعتقد أن إيران تصنع سلاحاً نووياً، لكن الجيش الإسرائيلي أكد بعد ساعات من بدء هجومه على إيران الأسبوع الماضي أن المعلومات الأميركية عفا عليها الزمن، مدعياً أن إيران “تتجه نحو صنع قنبلة نووية”.
في حديثه للصحفيين، سُئل ترامب عن تقييم جابارد في مارس، قال: “لا يهمني ما قالته. أعتقد أنهم كانوا قريبين جدًا من الحصول عليها”.
فوردو تمثل ورقة رابحة لإيران في الصراع الإقليمي، فهي ليست فقط منشأة نووية، بل أداة ضغط سياسي وعسكري. إسرائيل تدرك أن ضربها يعني تصعيدًا خطيرًا قد يُجر واشنطن إلى حرب لا تريدها، بينما إيران تستفيد من “الردع النفسي” الذي توفره هذه المنشأة. فوردو ليست مجرد جبل من الصخور، بل جبل من الاستراتيجيات المعقدة التي تجعلها عصية على الاختراق.. للآن
هل يمكن أن يتغير هذا الواقع إذا ظهرت أسلحة أكثر تطورًا؟ أم أن إيران ستظل دائمًا خطوة أمام؟ الجواب ربما يكمن في الصراع الخفي بين التكنولوجيا العسكرية والتحصينات الاستراتيجية.