الحكم على تشكيل عصابي جزائري بتهمة الاتجار بالبشر في لندن

حُكم على سبعة أعضاء من عصابة إجرامية مقرها لندن، متخصصة في تهريب المهاجرين من المملكة المتحدة إلى فرنسا، بالسجن لمدة إجمالية بلغت 70 عامًا، بعد إدانتهم بتنفيذ ما يصل إلى 20 عملية تهريب ناجحة عبر القناة الإنجليزية بين فبراير وأكتوبر من عام 2023. وتُعد هذه القضية مثالًا نادرًا على عمليات التهريب العكسي عبر الحدود، حيث يتم نقل المهاجرين من بريطانيا إلى فرنسا بدلًا من العكس.
وخلال هذه العمليات، تعرض المهاجرون، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، لظروف قاسية وغير إنسانية، حيث تم حشرهم داخل شاحنات غير مبردة وضعيفة التهوية، مما عرضهم لخطر الاختناق أو الوفاة بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وأظهرت لقطات فيديو صادمة بعض الضحايا وهم يصرخون وسط ظنهم أنهم يُتركون ليلقوا حتفهم.
وتزعم العصابة، خلال المحاكمة، أنها كانت تقوم بما وصفته بـ”تنفيذ عمل الحكومة البريطانية” من خلال إبعاد المهاجرين عن أراضي المملكة المتحدة، إلا أن السلطات كشفت أن الهدف الحقيقي كان تحقيق أرباح مالية ضخمة من خلال إنشاء صناعة غير قانونية تسمح للمهاجرين بالعودة إلى بريطانيا عبر القناة الإنجليزية بشكل غير شرعي.
زعيم العصابة يحصل على أطول عقوبة
قاد هذه الشبكة الإجرامية المواطن الجزائري عزيز بن عنيبة، البالغ من العمر 41 عامًا، والذي كان مسؤولًا عن تنظيم عمليات التهريب وتحصيل مبالغ مالية تقدر بـ1200 جنيه إسترليني عن كل مهاجر. وقد صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 12 عامًا و11 شهرًا.
إلى جانب بن عنيبة، أدين ستة آخرون من أعضاء العصابة، وهم: محمد بشكيت (36 عامًا)، محمود حيدوس (53 عامًا)، عبد القزروز (40 عامًا)، عمر غباري (32 عامًا)، محمد عبد الهادي (50 عامًا)، ومحمد بوريش (43 عامًا). وقد لعب هؤلاء أدوارًا رئيسية في تجنيد السائقين وتنظيم عمليات النقل وتوفير أماكن الاختباء للمهاجرين بالقرب من الحدود البريطانية. وقد تراوحت أحكام السجن الصادرة بحقهم بين سبع سنوات و13 عامًا ونصف.
وجاءت الاعتقالات بعد مداهمات منسقة نفذتها الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في ساعات الفجر يوم 20 مارس من العام الماضي، وذلك في إطار تحقيق شامل كشف عن تفاصيل العمليات التي كانت تنفذها العصابة.
ظروف خطيرة وكادت تؤدي إلى كوارث إنسانية
أشار القاضي جايلز كيرتس-رالي، خلال النطق بالحكم، إلى أن هذه المؤامرة كانت بالغة الخطورة، حيث استمرت ثمانية أشهر وشملت عشرين عملية تهريب. وأضاف أن التحقيقات كشفت عن وجود 157 مهاجرًا على الأقل تم إنقاذهم، لكن العدد الفعلي للمهاجرين الذين تم تهريبهم قد يكون أكبر بكثير.
كما أشار إلى أن العصابة لم تتحرج من نقل الأطفال في ظروف بالغة الخطورة، مما كان يمكن أن يؤدي إلى كوارث إنسانية.
كيف كانت تعمل الشبكة
كان المهاجرون، الذين ينحدر معظمهم من دول شمال إفريقيا الناطقة بالفرنسية، يدخلون إلى المملكة المتحدة بتأشيرات سياحية تسمح لهم بالبقاء لمدة تصل إلى ستة أشهر. وبمجرد وصولهم، كانت العصابة تنقلهم إلى شاحنات متجهة من ميناء دوفر إلى كاليه الفرنسية، حيث كانوا يأملون في الاستقرار هناك.
لكن هذه العمليات بدأت تتعثر في فبراير 2023، عندما عثرت الشرطة الفرنسية على 58 مهاجرًا مختبئين داخل شاحنة في كاليه، مما دفع الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة إلى فتح تحقيق موسع.
وفي واقعة أخرى مروعة، تم حشر 39 مهاجرًا، بينهم أطفال ونساء، داخل مقطورة شاحنة مبردة في موقف سيارات بمدينة ساندويتش بمقاطعة كينت. وقد تدخلت قوات الأمن لإنقاذهم، لكن بعضهم تعرضوا لأضرار صحية بسبب الظروف السيئة، واضطر طفل بينهم إلى تلقي رعاية طبية عاجلة.
تصريحات مسؤولي إنفاذ القانون
وصف جون تيرنر، أحد كبار محققي الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، أعضاء العصابة بأنهم لا يهتمون إلا بالربح المادي، دون أي اعتبار لسلامة الضحايا. وأكد أن مثل هذه الشبكات تعامل البشر كسلع، وغالبًا ما تكون متورطة في جرائم تهريب أخرى داخل المملكة المتحدة.
من جانبها، قالت جانين باوغ، المدعية المتخصصة في هيئة الادعاء الملكي، إن العصابة كانت منظمة للغاية، وقدمت الأدلة التي تثبت تعرض المهاجرين لمعاملة غير إنسانية، بما في ذلك تسجيلات فيديو تظهرهم وهم يصرخون طلبًا للمساعدة.
تهريب غير معتاد من بريطانيا إلى فرنسا
يُعد تهريب المهاجرين من المملكة المتحدة إلى فرنسا ظاهرة غير شائعة، لكنها تظهر مدى استعداد العصابات الإجرامية لاستغلال الثغرات القانونية وتحقيق الأرباح على حساب حياة البشر.
ووفقًا لإحصاءات محافظة أوت دو فرانس الفرنسية، تم اعتقال 93 مهاجرًا خلال العام الماضي بتهمة عبور الحدود من بريطانيا إلى فرنسا بشكل غير قانوني.
وتواصل السلطات البريطانية تعاونها مع نظرائها الدوليين لتفكيك شبكات تهريب البشر، التي لا تزال تشكل تهديدًا لأمن الحدود وحياة المهاجرين.