أحمد صبري شلبي يكتب: الصقور المحلقة في الفضاء الالكتروني

هناك فارق جوهري بين المواطن الذي يدعم دولته وجيشها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدافع وطني وحبٍ خالص للوطن، دون الخوض في التفاصيل التكتيكية أو الاستراتيجية للقوات المسلحة، وبين ذلك الذي يرى في نفسه “صقر السوشيال ميديا”، حيث يتجاوز طموحه حدود الدعم إلى التخطيط العسكري والتكتيك الاستراتيجي وكأنه جزء من المنظومة الأمنية.
هذا المواطن، الذي يرى في نفسه خبيرًا استراتيجيًا، ينشغل بقضايا عسكرية لا تمت له بصلة، فيرسم الخطط العسكرية في مخيلته، متجاهلًا حساسية الخوض في تلك التفاصيل التي تمس الأمن القومي. شغله الشاغل ليس المصلحة العامة، بل تحسين صورته وتلميع سيرته بين متابعيه والمريدين لصفحته التي يعتبرونها منبرًا مقدسًا بغرض استعراض معلومات يروج لها على أنها حصرية وموثوقة.
وفي ظل سحر التفاعل عبر منصات التواصل فهذه النقاشات يجلب تفاعلًا كبيرًا، يجنح البعض إلى لعب أدوار ليست لهم، فينصبون أنفسهم خبراء استراتيجيين، ويزجون بأجهزة الدولة الأمنية والقوات المسلحة في منشورات تزعم امتلاكهم لمعلومات سرية، وكأنها حكرٌ على قلة مختارة من “الصقور المحلقة في الفضاء الالكتروني “.
المفارقة أن الدولة المصرية تمتلك بالفعل منصات رسمية لنشر ما تراه مناسبًا من أخبار عسكرية وأمنية، عبر الجهات المنوط بها ذلك الأمر، وعلى رأسها المتحدث العسكري. ومع ذلك، نجد هؤلاء متجاهلين لهذه القنوات، مصرّين على التغريد خارج السرب الرسمي.
والأمر لا يقتصر على هؤلاء، بل يمتد إلى متابعيهم، الذين يتداولون صورًا وأخبارًا حساسة تتعلق بتسليح الجيش المصري وتحركاته ومناوراته، دون أدنى اعتبار للجهات الرسمية المختصة، مما يشكل خطرًا لا يستهان به.
إنني أدرك تمامًا الدافع وراء هذا السلوك، لكن في ظل الظروف الدقيقة التي نمر بها، لا يجوز أن تطغى شهوة التفاعل على مصلحة الوطن وأمنه القومي من قبيل الصئرنة الالكترونية. فالمسؤولية الوطنية تقتضي منا التروي والتأكد قبل الخوض في الشأن العسكري، خاصة وأن هناك جهات مختصة مسؤولة عن نشر هذه المعلومات بما يخدم أمن البلاد واستقرارها.
ومن الضروري أن يدرك الجميع أن تداول المعلومات العسكرية دون ضوابط قد يمنح عدونا فرصة لاستغلالها، خاصة في ظل الحروب الحديثة التي تعتمد بشكل كبير على المعلومات وجمع البيانات. فالدول الكبرى تدير حروبها بفضل المعلومات التي يتم تسريبها من دون قصد أو بدافع التباهي، وهذا ما يجب الحذر منه.
وأيضا يتوجب على المواطن أن يكون واعيًا بحجم المسؤولية التي تقع على عاتقه عند التفاعل مع الأخبار العسكرية، فالوطنية لا تقتصر على رفع الشعارات، بل تشمل الالتزام بالضوابط التي تحافظ على أمن الوطن.
حفظ الله مصر وجيشها.