
إعداد: حمه حمدى
شنت إسرائيل عملية عسكرية معقدة في محيط دمشق، الأربعاء الماضي، مستهدفة مواقع استخباراتية وأجهزة تنصت متطورة. وشملت العملية إنزالاً جوياً في منطقة الكسوة، وتفكيك شبكات تجسس تركية، وتدمير منصات اتصالات متطورة. وقد وثقّت صور الأقمار الصناعية تحركات عسكرية إسرائيلية مكثفة على الحدود السورية.
صرّح موقع جيرالزوم بوست العبري أن مسؤول إسرائيلي أكد أن الجيش قام خلال العمليات الأخيرة في سوريا بتفكيك أجهزة تستخدمها تركيا للتجسس على إسرائيل. وأشار التقرير أيضاً إلى استعادة معدات سرية وخطيرة، حيث أرسل المسؤول رسالة إلى الحكومة السورية: “حذرنا إدارة الشرع من اللعب بالنار والاستماع إلى الأوامر التركية”.
وقال إن “تركيا تحاول التقرب من إسرائيل أكثر مما ينبغي”، واختتم حديثه بالإشارة إلى أن إسرائيل أبلغت الإدارة السورية الجديدة “بعدم اختبار صبرها وحدود عملياتها”.
أعلنت تركيا في 29 أغسطس 2025 قطع علاقاتها الدبلوماسية كلياً مع إسرائيل، وإغلاق مجالها الجوي والموانئ البحرية أمام أي حركة إسرائيلية، مُعلنة أن هذا القرار جاء رداً على ما وصفته بالإبادة الجماعية المستمرة في غزة. لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن هذه الخطوة كانت ذروة لصراع خفي دام سنوات، مركزه سوريا.
التواجد التركي المثير للجدل.. الردود الإسرائيلية المتصاعدة
بسقوط نظام بشار الأسد دخلت سوريا مرحلة فراغ سياسي وأمني أصبحت فيها ساحة لصراع إقليمي دولي. وثائق مسربة من بعثة الأمم المتحدة في سوريا تشير إلى وجود خطة تركية لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، مع إقامة قواعد عسكرية دائمة في حمص وحلب.
تقارير استخباراتية غربية تؤكد أن تركيا قامت بتحويل قاعدة التياس الجوية إلى مركز للعمليات المتقدمة، حيث نشرت أنظمة رادار متطورة وطائرات مسيرة قتالية. صور الأقمار الصناعية تظهر توسعاً ملحوظاً في المنشآت العسكرية التركية في محافظتي إدلب وحلب.
منذ يناير 2025، سجّلت المنظمات المعنية برصد العمليات في سوريا 14 غارة جوية إسرائيلية استهدفت مواقع ذات صلة بتركيا. تقرير لمركز جيس للدراسات الاستراتيجية يوثق كيف أن إسرائيل وسّعت نطاق ضرباتها ليشمل قوافل أسلحة تابعة لفصائل مدعومة تركياً.
كما كشفت وثائق ويكيليكس مسربّة أن تركيا قامت بنشر أجهزة تنصت متطورة في جنوب سوريا لمراقبة التحركات الإسرائيلية، بينما استخدمت إسرائيل طائرات مسيرة متطورة لاختراق المجال الجوي التركي ورصد تحركات القوات التركية.
في فبراير 2025، أجرت تركيا مناورات عسكرية مشتركة مع قطر على الحدود السورية، شملت محاكاة اجتياح بري لمناطق حدودية. بالمقابل، نشرت إسرائيل بطاريات صواريخ حديد لقبة في مرتفعات الجولان.
بيانات غرفة تجارة إسطنبول تُظهر أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل انخفض من 8 مليارات دولار عام 2023 إلى أقل من مليار دولار في النصف الأول من 2025، مع توقف كامل لاستيراد النفط الإسرائيلي.
مايثبت أن سبب غضب تركيا هو بداية فقدانها السيطرة في سوريا هو الجلسة الطارئة لمجلس الأمن في 31 أغسطس 2025، حيث شهدت اتهامات متبادلة بين البلدين، حيث قدّمت تركيا وثائق تثبت -حسب زعمها- تورط إسرائيل في دعم جماعات مسلحة في شمال سوريا، بينما عرضت إسرائيل تسجيلات صوتية لمسؤولين أتراك يتحدثون عن خطط للتوسع في الأراضي السورية. بدلاً من أن تشهد اتهامات لإسرائيل بالإبادة في غزة حسبما أعلن وزير الخارجية التركي أمس
لماذا الغموض وعدم المواجهة المباشرة؟
الخوف من التصعيد غير المحسوب، فلو أعلنت إسرائيل “ضربنا قاعدة تركية في سوريا”، سيكون رد تركيا واجب وعسكري مباشر. هذا قد يفتح حرباً شاملة لا تريدها أي من الدولتين (كلتاهما من أقوى الجيوش في المنطقة). الحفاظ على مساحة للتراجع فالغموض يسمح للطرفين بـ “إنقاذ ماء الوجه”. تركيا يمكن أن تتظاهر بأن ما ضرب ليس لها، وإسرائيل يمكن أن تنكر استهدافها لتركيا. هذا يمنحهما وقتاً للتهدئة عبر قنوات سرية. التركيز على “العدو المشترك” فالعداء لـ إيران وحزب الله هو قاسم مشترك خفي بين إسرائيل وتركيا (رغم عدائهما العلني). كلاهما لا يريد أن يدمر هذا “التوازن” ويجعل إيران المستفيد الأكبر من مواجهة بينهما.
تبرع تركيا باللعب بمشاعر العرب والمسلمين فالسبب المعلن للاستهلاك المحلي والعالمي هو دائماً غزة والقضية الفلسطينية هذا سبب “مشروع” أخلاقياً وسياسياً، يمنح تركيا مكانة قيادية في العالم الإسلامي والعربي، ويوحد الشارع التركي داخلياً. لكن السبب الجيوسياسي الحقيقي الذي لا يُقال بصوت عالٍ هو الصراع على النفوذ في سوريا والحد من القوة الإيرانية (والتي تعتبر إسرائيل جزءاً من معادلتها). تركيا لا تريد إيران وحلفائها يسيطرون على سوريا بالكامل على حدودها الجنوبية. لذلك، وجودها في سوريا هو لأجل مصلحتها القومية أولاً.