تقارير

“التاريخ السري” للعلاقات الإسرائيلية السعودية

تُعدّ العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل من الموضوعات الحساسة والمعقدة في السياسة الإقليمية، حيث لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948.

المملكة العربية السعودية لا تعترف بإسرائيل كدولة ذات سيادة، ولا تقبل جوازات السفر الإسرائيلية، وتظل القضية الفلسطينية محورية في موقفها الرسمي.

ومع ذلك، تشير تقارير وتسريبات إعلامية إلى وجود تعاون سري بين الطرفين في مجالات الأمن والاستخبارات والمصالح الإقليمية، مدفوعًا بتفاهمات حول تهديدات مشتركة، خاصة من إيران.

يستعرض هذا التقرير التاريخ السري لهذه العلاقات استنادًا إلى مصادر موثوقة وحديثة قدر الإمكان.

السياق التاريخي للعداء الرسمي (1948-1980)

منذ إعلان قيام إسرائيل، تبنت السعودية موقفًا معاديًا ضمن إطار الجامعة العربية، حيث صوتت ضد قرار تقسيم فلسطين عام 1947.

ثم شاركت السعودية في دعم الجبهات العربية خلال حروب 1967 و1973، بما في ذلك تقديم مساعدات مالية كبيرة لمصر والأردن بعد حرب 1967 (41 مليون جنيه إسترليني لمصر و17 مليون للأردن).

كانت السعودية من أشد المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع مصر حتى عام 1987، معتبرة أن الاتفاقية تخون القضية العربية.

بدايات التقارب السري (الستينيات-الثمانينيات)
تشير بعض المصادر إلى أن بدايات التعاون السري بين السعودية وإسرائيل تعود إلى أوائل الستينيات، مدفوعة بالقلق المشترك من صعود الرئيس جمال عبد الناصر في مصر وتأثيره القومي العربي.

وفقًا لتقرير في صحيفة “إسرائيل هيوم”، كانت هناك قنوات اتصال غير رسمية بين الطرفين لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة.
خلال أزمة النفط عام 1973، استخدمت السعودية النفط كسلاح اقتصادي ضد الدول الداعمة لإسرائيل، لكن هناك وثائق مسربة وفقًا لـ”ويكيليكس” تشير إلى أن الملك فيصل كان مترددًا في هذا القرار خوفًا من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، مما يعكس نهجًا براجماتيًا.

التعاون السري في العقود الأخيرة تعاون أمني واستخباراتي

في التسعينيات وبداية الألفية، ظهرت تقارير عن تعاون سري بين السعودية وإسرائيل، خاصة في مواجهة التهديد الإيراني. كلا الدولتين تعارضان توسع النفوذ الإيراني وبرنامجها النووي.

على سبيل المثال، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في وقت سابق أن السعودية قد تسمح للطائرات الإسرائيلية بعبور مجالها الجوي لقصف منشآت إيران، وهو ما نفته الدولتان لاحقًا.

في نوفمبر 2018، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد مقتل جمال خاشقجي، مشيرًا إلى أهمية استقرار السعودية للمنطقة، مما أثار تكهنات حول تعاون وثيق بينهما.

ووفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، في نوفمبر 2020، زار نتنياهو السعودية سرًا والتقى بمحمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مدينة نيوم، برفقة رئيس الموساد يوسي كوهين، لبحث قضايا إقليمية، بما في ذلك التطبيع المحتمل.

المشروعات التكنولوجية المشترك


في عام 2020، أفادت “وول ستريت جورنال” أن شركة “جوجل” تخطط لمد كابل إنترنت (Blue-Raman) يربط بين إسرائيل والسعودية لأول مرة، دون المرور بمصر، بتكلفة تقدر بـ400 مليون دولار. هذا المشروع، الذي يشمل شركاء مثل “عمانتل” و”تيليكوم إيطاليا”، يعكس مستوى من التنسيق الاقتصادي غير المعلن.

التطبيع غير الرسمي

في أغسطس 2020، سمحت السعودية لطائرة إسرائيلية بالعبور عبر أجوائها إلى الإمارات بعد اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وهي خطوة اعتبرت رمزية للتقارب. برر مسؤول سعودي وقتها هذا السماح بأنه يتماشى مع اتفاقيات الطيران الدولي (“إيكاو” و”إياتا”).

في عام 2018، صرح محمد بن سلمان لمجلة “أتلانتك” الأمريكية أن “للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم”، وهي تصريحات اعتبرت إشارة إلى تحول في الخطاب السعودي تجاه إسرائيل.

موقف السعودية الرسمي والقضية الفلسطينية
على الرغم من التقارب السري، تؤكد السعودية رسميًا أن أي تطبيع مع إسرائيل مشروط بحل القضية الفلسطينية.

في فبراير 2024، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا تؤكد فيه “لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع وقف العدوان الإسرائيلي على غزة”.

وفي يناير 2025، كرر السفير السعودي في بريطانيا، خالد بن بدر آل سعود، أن التطبيع مرهون بإقامة دولة فلسطينية.

مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك عبد الله عام 2002، والتي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع، لا تزال تمثل الإطار الرسمي للموقف السعودي، رغم رفض إسرائيل لها.

دوافع التقارب السري

يُعتبر الخوف من النفوذ الإيراني الدافع الأساسي للتعاون السري. كلا البلدين يريان في إيران تهديدًا للاستقرار الإقليمي، سواء من خلال برنامجها النووي أو دعمها لجماعات مثل حزب الله وحماس.

وفقًا لتقارير، تشارك السعودية وإسرائيل معلومات استخباراتية حول أنشطة إيران، خاصة في سوريا واليمن.

الدور الأمريكي

الولايات المتحدة لعبت دورًا محوريًا في الوساطة بين الطرفين.

تصريحات مسؤولين أمريكيين، مثل مايك بومبيو وجاريد كوشنر، أشارت إلى أن التطبيع السعودي-الإسرائيلي “حتمي” في إطار صفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب.

في عام 2023، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن اتفاق تطبيع بوساطة أمريكية قد يُبرم بحلول 2024، لكنه مشروط بالهدوء في غزة وتقدم في القضية الفلسطينية.

البراجماتية السياسية

تسعى السعودية إلى تحقيق أهداف استراتيجية، مثل تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة والحصول على دعم عسكري وسياسي، وفي المقابل، ترى إسرائيل في السعودية شريكًا قويًا لمواجهة التحديات الإقليمية.

التحديات والمعارضة الإقليمية

إيران تُعارض بشدة أي تطبيع بين السعودية وإسرائيل، ويصفه الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي بأنه “طعنة في ظهر الفلسطينيين”.

الرأي العام العربي

يظل التطبيع مع إسرائيل قضية حساسة في العالم العربي، وتخشى السعودية ردود فعل داخلية وإقليمية، كما أشار محمد بن سلمان في حديث مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

الخلافات الإسرائيلية الداخلية

هناك انقسام داخل إسرائيل حول شروط التطبيع، خاصة فيما يتعلق بمطالب السعودية بتخصيب اليورانيوم، حيث يعارض المستوى العسكري هذا المطلب بينما يبدي السياسيون مرونة.

في النهاية، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية وإسرائيل، فإن التاريخ السري لعلاقاتهما يكشف عن تعاون متزايد في المجالات الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية، مدفوعًا بالمصالح المشتركة ضد إيران وبدعم أمريكي.

ومع ذلك، يظل الموقف السعودي الرسمي مرتبطًا بحل القضية الفلسطينية، مما يجعل التطبيع العلني مرهونًا بتقدم سياسي في هذا الملف.


التقارير الإعلامية والتسريبات، من “وول ستريت جورنال” و”إسرائيل هيوم”، تشير إلى أن العلاقات السرية مستمرة في التطور، لكنها تواجه تحديات داخلية وإقليمية تحول دون الإعلان عنها بشكل كامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى