
إعداد: رحمه حمدى
أفادت الشرطة الأسترالية يوم الاثنين بأن أربعة رجال من مدينة سيدني قد وجهت إليهم اتهامات جنائية بسبب اشتراكهم المزعوم في توزيع مواد تتضمن اعتداءات جنسية على أطفال، وذلك في إطار شبكة دولية للاستغلال الجنسي للأطفال.
وتمكنت فرقة عمل تابعة لشرطة ولاية نيو ساوث ويلز من تحديد هوية تلك الشبكة التي تتخذ من سيدني مقرا لها، وذلك خلال تحقيقها في توزيع مواد مشفرة عبر الإنترنت تصور اعتداءات جنسية على أطفال، وتتضمن مواضيع ذات طابع طقسي وشيطاني، وفق تصريحات المفتشة جاين دوهيرتي.
وأوضحت دوهيرتي للصحفيين أن طبيعة الاعتداءات المذكورة ليست إساءة عادية للأطفال، بل هي إساءة معاندة وبغيضة بشكل خاص.
وأشارت المفتشة إلى أن تفاصيل القضية مدمرة بصورة استثنائية بسبب استخدام المتورطين رموزا وطقوسا معينة في مناقشاتهم حول إساءة معاملة الأطفال، مؤكدة أن الأمر اتسم بطابع طقسي بحت.
وقامت قوات الشرطة بتنفيذ سلسلة من عمليات التفتيش ومذكرات التوقيف في مختلف أنحاء سيدني يوم الخميس الماضي، مما أدى إلى القبض على الأربعة المشتبه بهم.
كما ضبطت الشرطة عددا من الأجهزة الإلكترونية التي يزعم أنها تحتوي على آلاف ملفات الفيديو التي توثق حالات إساءة معاملة أطفال تتراوح أعمارهم من مرحلة الرضاعة حتى سن الثانية عشرة.
وأضافت دوهيرتي أن الشرطة ستقدم للمحكمة ادعاءات تفيد بأن هذه المجموعة الدولية كانت تنخرط في محادثات وتشارك مواد تصور أعمال إساءة معاملة وتعذيب للأطفال، وتتضمن تلك المواد رموزا وطقوسا مرتبطة بعقائد شيطانية وممارسات سحرية.
ولفتت دوهيرتي إلى أن التحقيقات الأولية لا تشير إلى قيام المتهمين بتسجيل مواد الاعتداء التي تم تداولها بأنفسهم. كما أكدت أن الشرطة تعمل بشكل وثيق مع شركائها الدوليين في سبيل تحديد هويات الضحايا الأطفال، والمواقع الجغرافية التي وقعت فيها الانتهاكات، وكذلك هويات الجناة الآخرين المتورطين في تلك الأفعال.
الجريمة المنظمة.. الاقتصاد المظلم
شهدت الفترة الماضية تصاعداً ملحوظاً في كشف شبكات منظمة ومتطورة تقنياً لاستغلال الأطفال. هذه ليست جرائم منعزلة، بل هي مظاهر مختلفة لنظام إجرامي عالمي (“اقتصاد الجريمة”) يستفيد من العولمة الرقمية.
في كندا تم تفكيك شبكة إنتاج وتوزيع ضخمة (عملية “أوبالينك”) واعتقال 13 شخصاً. وتم ضبط أكثر من 100 ضحية حول العالم من خلال مقاطع فيديو. استخدم الجناة برامج مراسلة مشفرة (Telegram) و العملات المشفرة للدفع. كانوا ينتجون مواداً بناءً على طلب “مشتركين” دوليين.
أما في انجلترا تم اعتقال 13 شخصاً من جماعات مختلفة. أدارت انجلترا تحقيق مشترك مع وكالة الجريمة الوطنية البريطانية (NCA) وشرطة أستراليا وأمريكا. وتم ضبط مواد اعتداء على آلاف الأطفال باستخدام منصات التواصل الاجتماعي للتواصل والتجنيد.
أما في الاتحاد الأوروبي (يوروبول) عملية “ليون” أدت لاعتقال 44 شخصاً عبر 12 دولة. وتم فحص 3 ملايين ملف وفيديو.
في أستراليا (نيو ساوث ويلز) عملية “بارينجا”، اعتقال 17 شخصاً. تمت الاعتقالات داخل أستراليا نتيجة تبادل معلومات دولي. وكشف النقاب عن هوية ضحايا جدد.
الأنماط المشتركة والاستنتاجات
من تتبع هذه الحالات، تتضح عدة أنماط تؤكد فرضية الشبكات المنظمة عالمياً:
· الطبيعة الرقمية والعابرة للحدود: جميع الحالات تعتمد بشكل أساسي على الإنترنت والاتصالات المشفرة، مما يجعلها تلقائياً ذات بعد دولي.
· اقتصاد الجريمة المنظم: وجود نموذج مالي (كالاشتراكات المدفوعة في قضية كندا) يدل على تنظيم هادف للربح، وليس مجرد سلوك فردي.
· التخصص والتقسيم: تظهر الحالات تقسيم أدوار واضحاً بين “منتجين” (مثل كندا)، “موزعين/مُخزنين” (مثل سيدني)، و”مستهلكين” في كل مكان.
· صعوبة الملاحقة: نجاح هذه العمليات يعتمد دائماً على تبادل المعلومات بين وكالات عدة دول، مما يثبت أن الجناة يستغلون الثغرات بين الأنظمة القانونية الوطنية
مقارنة مع “قضية مدرسة سيدز” في مصر
القضية تتشابه إلى حد بعيد مع قضية مدرسة سيدز في مصر، هاتان الحادثتان، الواقعتان على طرفي الكرة الأرضية، ليستا منفصلتين. إنهما عقدتان في شبكة واحدة معقدة، تُظهر وجهي عملة واحدة: اقتصاد خفي عالمي لاستغلال الأطفال، يربط بين المعتدي المباشر في مكان ما، والمستهلك الذي يدفع مقابل المشاهدة في مكان آخر عبر أدوات رقمية لا تعترف بالحدود.
فطبيعة الجريمة في قضية سيدني هي توزيع مواد إباحية لأطفال عبر شبكة دولية، مع طقوس شيطانية مزعومة. واعتداءات جنسية مباشرة على أطفال داخل مدرسة. أداة/وسيلة الجريمة الإنترنت، التشفير، مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً.
قضية كندا (2024) الإنتاج حسب الطلب: خلية محلية تنتج مواد مسيئة لـ”مشتركين” دوليين. استخدام تطبيق “التليجرام” والعملات المشفرة للتواصل والتمويل عبر الحدود.
مدرسة سيدز (مصر) الاعتداء المؤسسي المباشر: استغلال الثقة داخل بيئة مغلقة. تسريب مقاطع أو تفاصيل للشبكات الدولية عبر الإنترنت المظلم. الإنتاج المباشر للمواد المسيئة داخل بيئة يُفترض أنها آمنة، باستغلال السلطة والثقة. تحقيقات النيابة المصرية تشير إلى احتمالية تسريب مقاطع أو تفاصيل للشبكات الرقمية الدولية.
هنا تبرز الفرضية المشتركة:
1.لغة ورموز مشتركة: تصريحات الشرطة الأسترالية عن “رموز وطقوس” مرتبطة بالسحر والشيطانية لا تشير إلى دوافع جنسية فحسب، بل قد تكون علامة على انتماء أيديولوجي أو “علامة تجارية” لهذه الشبكات، تسهل التعارف والثقة بين أعضائها المتناثرين عالمياً.
2. البنية التحتية التكنولوجية: الإنترنت المظلم، التطبيقات المشفرة (Telegram, Signal)، العملات المشفرة (البيتكوين) كأداء تواصل وتمويل موحدة.
3. الاقتصاد الخفي: كيف يخلق “الطلب” الدولي عبر هذه المنصات حافزاً لخلايا مثل الكندية للإنتاج، ولموزعين مثل شبكة سيدني للتجارة؟
4. نظام الدفع العالمي الخفي: العملات المشفرة مثل البيتكوين تسمح بتحويل الأموال عبر الحدود بشكل فوري وشبه مجهول، مما يحفز الجريمة بغرض الربح المادي ويسهل التعاملات بين الجناة والمشترين في مختلف الدول.
إذا كانت التقنية هي الخيط الذي ينسج نسيج هذه الشبكة العالمية، والسوق المفتوح هو الدافع، فإن السؤال المصيري هو: هل تملك الإرادة الدولية السياسية والتقنية والمالية الموحدة لقطع هذا الخيط وتفكيك هذا السوق؟ الجواب يكمن في قدرتنا على تحويل هذه الفجوات إلى جسور للتعاون، قبل أن يدفع المزيد من الأطفال ثمناً لفشلنا في اللحاق بتطور الجريمة.



