Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سلايدرمقالات

احذر فخاخ الجاسوسية – الجزء الثاني(معركة الإدراك واللا وعي في زمن الحرب السيبرانية)

كتب: أحمد علي

في الجزء الأول من “احذر فخاخ الجاسوسية”، ضربنا مثالًا عمليًا: من مسرحية “الزيبق” الحصينة، إلى واقعة الجاسوس الإسرائيلي آلان تشايم جرابيل. فوجّهنا وعي القارئ إلى فخاخ ذكية تُصنع بوعي، تهاجم من الداخل، مستترة خلف رداء “العادي”، أما الآن، فهذا الجزء الثاني هو أعمق:

ندخل عالم” العملاء بدون هوية”، ونتحدث عن السيطرة الإدراكية، ونسعى لتجهيز كل قارئ ليصير حصنًا واعيًّا في معركة غير مرئية لكنها واقعية.

بداية يجب تعريف من هم العملاء، حيث ينقسم العملاء إلى 5 أنواع وهم: 

1- العميل الواعي، وهو شخص يُعبّر عن أفكار تخص أمن الدولة طواعية مقابل مكسب مادي أو معنوي، مثل إنخراطه في مشروع إعلامي مدعوم خارجيًا.

2- العميل المغرر به، وهو شخص يتفاعل مع رسالة إعلامية لكنه لا يدري أنه أداة يتم تطويعها بشكل ممنهج، مثل مشاركة خبر “الكارثة الاقتصادية” بشكل مهيّأ مسبقًا يبدو طبيعيًا.

3- العميل النشط إعلاميًا، وهو شخص يملك جمهور ضخم من المتابعين على السوشيال ميديا، ويُستخدم لتحويل رأيه إلى ضغط شعبي، أي أنه ممثل لعدد كبير، مثل صفحات تملك مئات آلاف المتابعين وتقوم بتوجيه المد والجذب في الأزمات، سواء أزمات حقيقة ناتجة عن قصور في إدارتها أو وهمية مفتعلة لصنع أزمة حقيقة، ومن ثم إقتياد القطيع إلى الحظيرة المراد توجيه إليها. 

4- العميل الذكي نفسيًا، وهو الذي يمتلك القدرة على ضبط “نقاش آمن” لإبعاد الشكوك حوله، مع تأثير كامن ليصل لمراده بكل هدوء، ومثال على ذلك المقاطع الصوتية التي تتناول موضوعات أمن قومي بنبرة “هادئة”، تدفع نحو خوف مختبئ، حيث إن التحدث في الأمور الحساسة والغامضة والتي تحمل في طياتها مخاوف حقيقة تهدد الأمن القومي لبلد ما، والتحدث بكل هدوء يشير إلى الثقة في المُتحدث ويزرع الرعب في المُستمع لغموض الحديث. 

5- العميل المتستر اجتماعيًا، هو شخص مقتنع بأنه مواطن مؤمن، لكنه يُوصل معلومات قيمة لوكالات استخباراتية معادية، سواء بعلمه او دون علمه، مثال على ذلك، حصوله على معلومات وتفاصيل عن مشروع خاص بالدولة عسكري/مدني من صديق له يعمل به، وإذاعته بغرض الشهرة، كسب المال، وأغراض أخرى خفية. 

وتلك هي أنواع العملاء الأكثر إنتشارًا وتواجدًا في كل المجتمعات، ولذلك تتبع أجهزة الإستخبارات المعادية عدة طرق لإختراق الصف، ومن ثم التجنيد، من خلال”التعمية”، أي تحويل العملاء إلى أدوات لا يُكتشفوا بسهولة، وأسلوب “التنظيم”، بمعنى توزيع خطة التواصل عبرهم بحيث يُحدث كل منهم تأثيرًا جزئيًا لكنه كبير عند التكامل، بإتباع نظرية أثر الفراشة، ثم الوصول لمرحلة التجنيد والتي تنقسم لعدة مراحل كالآتي:- 

• الرصد: يبدأ بتحديد الأهداف على الإنترنت/الواقع. 

• التقييم: يتم تقيم الهدف على أساس النفوذ والتفاعلية.

• الإغراء: تبدأ علاقة ودية، صداقة، علاقة غرامية، أو عرض تمويل لمشروع/ فكرة. 

• الاستغلال الفعّال: تلك هي المرحلة الأخير للتجنيد حيث يتم استغلال الشخص في القيام بالأعمال التي يتلقاها، ونعود للعميل آلان جرابيل الذي دخل بحجة “متطوّع” أو “باحث سلمي” لكن استخدم طاقته الدبلوماسية لجمع معلومات متفرقة استغرقت سنوات، ثم حاول بناء شبكة صغيرة، قبل أن تنكشف أمام رجال المخابرات المصرية.

أما الآن فإن الأمر أخذ بُعدًا أوسع وأخطر حيث يتم تحويل السوشيال ميديا إلى ساحة حرب خفية، وليس تواصل إجتماعي، فلم يعد الفضاء الرقمي مجرد مشاركة صور؛ بل أصبح خريطة تجسس نفسية، حيث أنهم يحللون إشارات الشاب عن الحزن، الأمل.. إلخ من المشاعر التي قد تصبح ثغرة للدخول منها، و أصبح أيضًا عبارة عن مصيدة تراكمية، سلسلة محتويات تقود العقيدة الجمعيّة تدريجيًا دون وعي الأفراد المنخرطين بها، مستغلين رصيد تأثيري واقعي يؤثر على سياسة المواطن وينعكس على الشارع، نماذج على ذلك:-

منشورات تحاول تحويل الغضب الجماهيري لمشروع مناهض للدولة، صفحات “خبيرة” تطلب رأيك ولاحظ أنها تترّكك تستجيب للسيناريو المطلوب من خلال نمط استقطاب الجمهور: Bandwagon Effect. 

التفسير الواقعي الذي نشاهده كل يوم، من خلال ذلك الأسلوب يتم استقطاب الوعي الفردي بالتالي يتم التحكم في الوعي الجمعي وتوجيه ذلك لخدمة غرض معين، تتلخص الفكرة ببساطة في البدء بتفاعل بسيط، صفحة صغيرة تنشر رأي يجذب 10 أشخاص، ويتبعه نمط التكرار المكثف فبعد 3 أيام نفس المنشور ينتشر من 100 صفحة، يستخدم تعبيرات وصيغ مختلفة لكن الهدف واحد، ومن ثم التسويق عبر الطرف الثالث والأهم وهي حسابات وشخصيات عامة تُعيد المشاركة لمزيد من الثقة، حيث أن الجمهور يثق بهم، وهنا نصل للإجماع، ثم الطقس الديموغرافي المطلوب، يبدأ التشكيك في الدولة نفسها وتلتف حوله عدّة آلاف من المواطنين، وبذلك ينجح تغيير الوعي الجمعي وصناعة واصطياد الرأي العام الحقيقي من الوهمي. 

مع ذلك هناك عدة طرق وأدوات لتفكيك التضليل يبدأ بالتحقق من المصادر، صحيح؟ متى؟لمَن؟ عائدات وربح؟. 

ولذلك يجب استخدام أدوات الكشف الكشف المتاحة عن التضليل المُتعمد مثل البحث عن الصورة/ التقارير/ المقالات وأي بيانات متعلقة بها ومتى تم نشرها ومن الكاتب / الناشر ولماذا تتصدر المشهد الآن ومن المستفيد، والتأكد من تاريخ النشر وتاريخ إعادة النشر، وتحليل بصمة النص هل يحمل نبرة عاطفية مبالغ فيها؟ هل هناك محاولات لتشويه رموز وطنية؟ هل الفقرة تطلب منك مشاركة وانفعالات محددة؟ مثل (قول رأيك بصراحة)، ووضع الإطار العام عند المشاركة او البحث ومعرفة وقراءة أعمق من حب وطنك أو تمجيده أو انتقادك، للوصول إلى حقيقة التضليل وغاياته المستترة. 

وذلك حتى يتم فك فخ من فخاخ الجاسوسية، ألا وهو السيطرة الإدراكية على الجمهور والتي لا تعتمد على فرض السيطرة بل على تحديد الإدراك الكامل وأدواتها كالآتي:-

* الخطاب المتناقض لزراعة الشك. 

* المعلومات شبه الحقيقية، لإحداث حالة من التصديق والتكذيب. 

* الرصد اللحظي للتغيير المفتعل للإدراك الجمعي. 

* التغيير التدريجي للهوية، حيث يكون قد تم السيطرة على الإدراك ومعه يبدأ التغيير التدريجي للهوية الوطنية، الدينية، السياسية، وحتى الإيدلوجية ذاتها، مثال على ذلك

بداية بفكرة “الناس بتكرّر الرحمة للشهداء والمصابين”

بعد 3 أيام والتعودذ: “الشعب مش فارق عنده القتلى، بل مش مهتم عشان بقا روتين يومي” هكذا تم تحريك الجمهور “للشعور باللامبالاة”، من خلال التعود، وصياغة الخبر المرئي والمسموع. 

مثال آخر وهو التكرار اللين: Repetition & Normalization

Repetition:

الدفع لإدخال فكرة جديدة أحيانًا، يكررونها بسلاسة مثل”الدولة الفاسدة” تُكرّر على شكل مقولات، كوميكس، وحتى منتديات  بعد وقت، تصبح عادية Normalization. يعني “الكل بيقول كده” و “أحنا خلاص محبطين”

خلاصة القول فإن الجاسوسية اليوم ليست فردية فقط، بل مفاهيمية، الفخاخ والهجوم أصبح على عقول الشعوب بالوعي الجمعي، حرب الإدراك أخطر من القتل بالرصاص، لأنها تُذوب الجماعات بصمت بالتغلغل بداخلها. 

الفرد منوط به الوعي بالمعلومة ونقد مصدرها والوقوف على حقيقتها من عدمه ، حسابات علاقية واعية دون الدخول في أيًا من تلك العلاقات الإفتراضية المفخخة بالجاسوسية، وآخرًا نشر الوعي وفك الفخاخ بدون دعم مادي رسمي، ذلك دور الفرد في الوطن، وتذكر، “إذا لم تشارك أنت بالفعل خاسر في المعركة” تلك ليست حرب ضد أنظمة بل حرب على عقلك أنت كفرد، ومن ثم الجمع، للتأثير على الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى