مقالات

سيناء.. الجوهرة التي لا تنطفئ

سعد إبراهيم يكتب: سيناء.. الجوهرة التي لا تنطفئ في الخامس والعشرين من أبريل، لا نمرّ على تاريخٍ عابر، بل ندخل محراب وطنٍ اغتسل بدماء الشهداء، وتطهّرت رماله بعرق الرجال، حتى أشرقت شمس الكرامة من خاصرة الصبر.ذلك اليوم لم يكن احتفالًا بنهاية معركة، بل إعلانًا عن ولادة أمةٍ لا تركع، وعن جدارٍ من الكبرياء شُيِّدَ بالدم، فَصَدَّ أطماعًا حاولت النفاذ إلى قدس الأقداس في قلب مصر.

هناك، في سيناء، كُتب العهد بالدم والنور… فارتفعت من أرضها الصلوات، وتكسّرت على حدودها أطماع الزمان والمكان.على ترابها نادى الله كليمَه، وارتقى الطورُ مقامًا، حتى خلع موسى نعليه خاشعًا، على أعتاب قدسها، ومنها بزغ الزيتون المبارك، يسري زيته في قناديل العارفين، ويضيء دروب الأنبياء والعاشقين.فكل شبر فيها مشى عليه نبي، وكل وادٍ منها شهد سرًّا لا يُروى، وتَجَلٍّ لا يُحتمل.

سيناء لم تكن ساحةَ حرب فقط، بل كانت دومًا حبلًا ممتدًا بين السماء والأرض… يشدُّ على قلب الوطن إذا وَهَن، ويذكّره أن الرسالات لا تولد إلا في مواطن الألم والمقاومة،في كل ذرة من ترابها حكاية لم تكتمل، وفي كل وادٍ نبضُ أمٍّ لم تعُد تسمع صوت ابنها، لكنها تؤمن أن صوته في الأفق، يحرس الوطن. سيناء هي الجوهرة التي تلمع في قلب مصر، كلما أوشكت العتمة أن تبتلع الحلم، وكلما تطلّع الطامعون إلى ما هو أكثر من حدود.وما الطامعون إلا تكرارًا للطمع القديم، ولكن اليوم يحملون أقنعة جديدة. يرفعون رايات زائفة، يتحدثون عن “الفرات إلى النيل” ولكن هيهات، هيهات… فالجوهرة هذه المرة محفوفة بالدم، لا بالتنازلات. وإن عدتم عدنا.وبينما يُهجّر أهلنا في غزة، وتُداس القضية الفلسطينية بأقدام الصفقات الملوثة، تقف مصر وحدها، تسند ما تبقى من كرامة، وتمنع نحر القضية على مذابح الطمع.بالأمس كنّا نحتفل بتحرير سيناء بالأغاني… بصوت شادية يشدو «مصر اليوم في عيد» فكانت القلوب تهتف قبل الحناجر.واليوم، لم تخفتِ الأغاني، لكنها وجدت امتدادها في صوت الجرافات، وصدى الآلات، وخطى العاملين في عمق الصحراء.لم يعد العيد لحظة غناء فقط، بل صار مشروعًا مفتوحًا على الخريطة، تُكتب سطوره بالتنمية، وتُغنّى أناشيده بالعمل: شقّت الأنفاق تحت قناة السويس، مدّت الصحارات كشرايين حياة، زرعت الأرض، ومهّدت الطرق، لتروي الرمال بقصص بقاء.لأن سيناء ليست مجرد مناسبة نحتفل بها، بل قضية لا تنام، وروح لا تموت، وبوابة إذا سقطت… سقط معها الشرف العربي كله.

فهل نعاملها كقضية حية، لا مجرد ذكرى؟هل نتركها نهبًا لخرائط تُرسم بعيدًا عن القاهرة، في عواصمَ تتمنى لو تبقى سَيْنَاءُ جرحًا مفتوحًا في الجسد المصري؟أم نحملها كما نحمل أعزّ ما نملك، نصونها بالوعي قبل السلاح، وبالعزم قبل الاحتفال؟إن أرادت الأجيال القادمة أن تروي قصة سيناء، فلتكن القصة قصة وطنٍ لا يسقط، وكرامةٍ لا تُباع، وأمةٍ لا تُهزم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى