Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريرسلايدرمعرفة

إعجاز المصريين القدماء في الحساب والهندسة كما سجلته برديات “ريند وموسكو”

إعداد: بسنت عماد

لم يكن إبداع المصري القديم حجارةً صامتة تعانق السماء فحسب، بل كان فكرًا متقدًا سبق عصره بآلاف السنين.

فكما أبهر العالم ببناء الأهرامات والمعابد، أدهش البشرية أيضًا بقدرته على تحويل الرياضيات والهندسة إلى لغة حضارية خالدة.

وعلى أوراق البردي، ترك لنا تراثًا علميًا فريدًا يكشف كيف كان العقل المصري أصل كل فكرة، وأسبق من جعل العلم أداة للبناء والتنظيم.

ومن أبرز ما وصلنا من هذا الإرث الخالد بردية ريند وبردية موسكو الرياضية؛ وثيقتان نادرتان تشهدان بعبقرية المصري في التعامل مع الأعداد والمساحات، وتؤكدان أن العلم لديه كان بناءً موازيًا للحجر، وركيزةً سبقت كل حضارة لاحقة.

ويأتي هذا التقرير ضمن سلسلة “الأهرامات لم تكن الاستثناء الوحيد”، التي نسلط فيها الضوء على وجوه الإبداع المصري القديم الذي سبق العالم أجمع.

بردية ريند “أحمس”.. موسوعة رياضية متكاملة

تعود بردية ريند إلى نحو عام 1650 قبل الميلاد، كتبها أحمس الكاتب في عهد الملك أبوفيس من ملوك الهكسوس (الأسرة الخامسة عشرة).

لكنها في الأصل نسخة عن نص أقدم يعود إلى عصر الملك أمنمحات الثالث من الأسرة الثانية عشرة.

وقد كُتبت بالخط الهيراطيقي على ورق بردي يفوق طوله خمسة أمتار، ويبلغ عرضه حوالي 32 سنتيمترًا.

واكتسبت اسمها ” ريند” من عالم الآثار الإسكتلندي ألكسندر هنري ريند، الذي اشتراها من الأقصر عام 1858، وهي معروضة اليوم في المتحف البريطاني بلندن.

ما يميز بردية ريند أنها أشبه بكتاب مدرسي متكامل؛ إذ تضم 84 مسألة تغطي موضوعات متعددة، مثل:

ـ حساب مساحات الحقول وسعة مخازن الغلال.

ـ طرق التعامل مع الكسور، وخاصة جداول “2 على n”.

ـ معادلات جبرية من الدرجة الأولى وحلولها.

ـ حسابات دقيقة لميول الأهرامات وأبعادها، بما يكشف إبتكار وعيًا مبكرًا بعلم المثلثات والهندسة.

كما تعد هذه البردية هي نقطة الانطلاق لعلماء الرياضيات بعد ذلك.

ـ وأول من أخذها فيثاغورس وذلك بعد 2600 سنة ليضع بها نظرية حساب المثلثات.

ـ ثم بعد ذلك أخذها أرشيميدس بعد 2700 سنة ليفهم معنى الثابت (π).

ـ إلى أن وصلت إلى الخوارزمي الذي أخذها بعد 3800 سنة ليؤسس علم الجبر، ويحل بها معادلات تربيعية قد حلّها المصريون قبله من آلاف السنين.

إقرأ أيضاً: هل نظرية فيثاغورس الرياضية مسروقة!؟

بردية موسكو الرياضية.. الأقدم والأعمق

أما بردية موسكو الرياضية، فهي أقدم من بردية ريند، إذ تعود إلى عصر الأسرة الحادية عشرة (ما بين 2000 و1800 قبل الميلاد).

ورغم صغر حجمها، فإن قيمتها العلمية بالغة الأهمية؛ إذ تحتوي على نحو 25 مسألة رياضية.

ومن أبرز ما ورد فيها طريقة حساب حجم الهرم الناقص، وهو دليل قاطع على أن المصريين القدماء امتلكوا معرفة دقيقة بالهندسة الصلبة قبل آلاف السنين من الإغريق.

كما تضمنت مسائل عن المساحات والحجوم المرتبطة بالزراعة والمخازن.

واليوم تُعرض هذه البردية في متحف بوشكين للفنون الجميلة بالعاصمة الروسية موسكو.

ريند وموسكو.. وجهان لعبقرية المصري القديم

بردية ريند، الأكبر حجمًا والأشمل في موضوعاتها، وبردية موسكو، الأقدم زمنًا والأعمق في بعض مسائلها، تمثلان معًا وجهين متكاملين لعبقرية المصري القديم.

فالأولى تكشف كيف طبق المصريون الرياضيات في الحياة اليومية والإدارة والهندسة، بينما الثانية تثبت أن جذور هذا العلم ضاربة في عصور مبكرة جدًا، قبل البابليين والإغريق بآلاف السنين.

وبين الوثيقتين يكتمل المشهد: المصري الذي شيد الأهرامات لم يعتمد فقط على براعة معمارية، بل على علمٍ راسخ بالأعداد والهندسة.

هكذا يظل تراث مصر القديمة شاهدًا خالدًا على حضارة لم تترك للعالم صروحًا مهيبة فحسب، بل وضعت أيضًا اللبنات الأولى للرياضيات التي تقوم عليها علومنا الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى