تقاريرسلايدر

إعادة هيكلة وزارية كبرى في حكومة ستارمر لاحتواء أزمة المهاجرين وتصحيح المسار

إعداد: رحمه حمدى

شهدت الحكومة البريطانية تحولاً وزارياً كبيراً وتغييرات واسعة النطاق في عدد من الوزارات الرئيسية، وذلك في ظل استمرار تراجع شعبية حزب العمال في استطلاعات الرأي نتيجة موجات الغضب المتصاعدة بشمل قضايا الهجرة وأداء الشرطة.

وقاد رئيس الوزراء كير ستارمر عملية إعادة تشكيل وزارية طالت وزارتي الداخلية والعدل بشكل أساسي، وذلك بعد تزايد الانتقادات الموجهة للحكومة بسبب فشلها في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية بشكل فعال، وإدارتها للخلافات المستمرة حول قضايا عصابات الإعداد والشرطة، وهي القضايا التي تسببت في إلحاق أضرار بالغة بسمعة حزب العمال وموقعه في استطلاعات الرأي.

وتشير تقارير صحفية إلى أن تصاعد حالة الذعر داخل أروقة الحزب الحاكم إزاء التقدم الملحوظ الذي يحققه حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج، والذي وصل إلى تقديرات تصل إلى عشر نقاط في بعض الاستطلاعات، واستمرار استفادة فاراج من الفشل الحكومي في وقف تدفق قوارب المهاجرين الصغيرة عبر المانش، وسط احتجاجات شعبية متواصلة خارج فنادق إيواء المهاجرين، كل هذه العوامل دفعت كير ستارمر إلى فقدان صبره مع فريقه الوزاري الذي كان قد عينه في يوليو من العام الماضي وكان يحظى بتقدير كبير.

وبحسب الجارديان ، فإن البعض يعتقد أن هذه التغييرات تنذر بمعركة سياسية وشيكة حول مستقبل الإصلاحات الشاملة التي وعد بها الحزب، خاصة بعد قرار إقالة وزير حقوق العمل جاستن ماديرز، وتهميش حلفائه من النقابات العمالية، حيث يثير هذا التعديل الوزاري مخاوف حقيقية بشأن مصير مشروع قانون حقوق العمال الذي كان حزب العمال قد طرحه وأعلن عنه سابقاً.

وشملت التغييرات نقل وزيرة الداخلية السابقة إيفون كوبر، التي كانت قد طرحت قبل أسابيع قليلة فقط رؤيتها الطموحة لمستقبل وزارة الداخلية، إلى منصب وزيرة الخارجية، في حين تم نقل العديد من أبرز وزرائها إلى مواقع وأجزاء مختلفة داخل هيكل الحكومة.

كما تم إرسال وزيرة الشرطة، ديانا جونسون، إلى العمل ثم تقاعدت بعد ذلك، بينما انتقلت أنجيلا إيجل لتتولى منصب وزيرة الزراعة. أما وزير الأمن، دان جارفيس، فقد تم نقله إلى مكتب مجلس الوزراء، مع الاستمرار في مهمة التنسيق مع وزارة الداخلية.

وجاء تعيين النائب عن دائرة نوتنجهام الشمالية أليكس نوريس والنائبة عن دائرة كرويدون الغربية سارة جونز، وهما سياسيان اكتسبا سمعة سيئة واتهاما بالفساد، في منصبين وزارين.

والأهم من ذلك، هو تعيين النائب عن دوفر، مايك تاب، وهو جندي سابق كان يطالب علناً بإجراء تغييرات جذرية في طريقة تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في وزارة الداخلية بمنصب وزير مساعد.

وعلى الرغم من أن مكتب رئيس الوزراء في داونينج ستريت لم يعلق رسمياً على هذه التغييرات، فإن مصادر مطلعة تشير إلى أن المخاوف المتعلقة بطريقة عمل الأقسام والإدارات داخل تلك الوزارات لعبت دوراً محورياً في عملية التطهير هذه.

ولم يكن تأثير الأعداد القياسية من قوارب المهاجرين الصغيرة، التي تجاوزت خمسين ألف وافد خلال فصل الصيف فقط، وكذلك أزمة فنادق المهاجرين، والخلافات المستمرة حول أداء الشرطة، والتعامل مع فضيحة عصابات التجهيز الجنسي، إيجابياً على الإطلاق، حيث كان لها تأثير سيئ للغاية على شعبية حزب العمال في استطلاعات الرأي.

أما جاستن مادرز، وزير حقوق العمل، فقد كان من أوائل الوزراء الجدد الذين تمت إقالتهم يوم السبت الماضي. وعلى الرغم من كونه أحد المهندسين الرئيسيين لسياسة الصفقة الجديدة للعمال التي وضعها حزب العمال، إلا أن رحيل مادرز لم يتم الإعلان عنه رسمياً في قائمة التعيينات الصادرة عن مقر رئاسة الوزراء. بل إن مادرز نفسه هو الذي كشف النبأ بنفسه للصحفيين.

وجاءت إقالة مادرز إلى جانب إجبار نائبة زعيم الحزب، سو راينر، على مغادرة منصبيها الحكوميين ومنصبها كنائبة زعيم حزب العمال، لتعني إقصاء الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في صياغة مشروع قانون حقوق العمل الخاص بحزب العمال، وهي السياسة التي أشادت بها النقابات العمالية واعتبرتها أكثر التزام حكومي طموح بحقوق العمال منذ عدة عقود. ومع ذلك، حاول بعض أعضاء الحكومة التراجع عن هذه الفكرة، مصرين على أن ستارمر لا يزال ملتزماً بشكل كامل بمشروع القانون، ووصفوه بأنه مفيد للأعمال والعمال والاقتصاد على حد سواء، وأنه يشكل خطة محورية لتحسين أحوال الناس المعيشية.

وجاءت هذه التحركات الوزارية في اليوم نفسه الذي وضعت فيه حركة الإصلاح المرشحة لوسي كونولي على منصة المؤتمر، ورحبت بها علناً باعتبارها سجينة سياسية، وذلك على الرغم من التغريدة المثيرة للجدل التي نشرتها خلال أعمال الشغب التي أثارتها جرائم القتل في مدينة ساوثبورت، حيث اقترحت فيها حرق فنادق المهاجرين.

وتم استغلال مربية الأطفال السابقة وزوجة أحد أعضاء المجلس المحافظين من قبل التيارات اليمينية لمهاجمة أنظمة الشرطة والقضاء في المملكة المتحدة، في وقت يكافح فيه حزب العمال للرد بشكل فعال على اتهامات ما يسمى بـ كير ذات المستويين.

ونقلت وكالة الأنباء البريطانية عن مصادرها تأكيدها نقل إيفيت كوبر من وزارة الداخلية إلى وزارة الخارجية. ويأمل السير كير ستارمر الآن أن يتبنى الفريق الجديد، برئاسة وزيرة العدل السابقة التي تحظى باحترام كبير، شبانة محمود، موقفاً أكثر قوة وحزماً في التعامل مع القضايا العاجلة التي تواجه حكومته.

وتم استغلال التعديل الوزاري من قبل داونينج ستريت للإشارة إلى توجه أكثر صرامة بشأن سياسة الهجرة، في محاولة واضحة لمواجهة صعود حركة الإصلاح في المملكة المتحدة، حيث أصبحت شبانة محمود، التي تصف نفسها بأنها نجمة صاعدة محافظة اجتماعياً، مسؤولة الآن عن وزارة الداخلية، بدعم من سارة جونز التي عادت إلى منصبها السابق في ملف الشرطة.

ويبدو أن ستارمر كان يبحث أيضاً عن إجراء تغييرات في فريقه الانتخابي، حيث تم تعيين آنا تيرلي رئيسة جديدة للحزب، بينما تم تخفيض رتبة إيلي ريفز، شقيقة المستشارة راشيل ريفز، إلى منصب المحامي العام.

وفي الوقت نفسه، شهدت وزارة الأعمال والتجارة عملية تطهير هي الأخرى بعد خفض رتبة جوناثان رينولدز إلى منصب رئيس الحزب، وتعيين وزير التجارة السابق دوجلاس ألكسندر وزيراً جديداً لشؤون اسكتلندا.

وحل محل ألكسندر في منصبه السابق جيسون ستوكوود، الرئيس السابق لتطبيق المواعدة match.com والرئيس السابق لنادي غريمسبي تاون لكرة القدم.

لكن المخاوف لا تزال قائمة بشأن طبيعة التغييرات في قمة الهرم الحكومي، التي لم تشهد تقريباً أي وجوه جديدة، في حين تم نقل العديد من المسؤولين عن البداية السيئة التي شهدتها حكومة حزب العمال الجديدة إلى وظائف أخرى.

وفي غضون ذلك، حذّر النائب العمالي إيان لافري من أن الحزب بحاجة ماسة إلى تغيير في توجهه العام وإلا فإنه سيواجه عواقب وخيمة، مضيفاً أن من الواضح جداً أن هذا التغيير معد جيداً وجاهز للتنفيذ، كما يمكن للمرء أن يقول. وإنه بلا شك تحرك نحو يمين الحزب دون أي مفاجآت حقيقية.

وجاء تعيين إيان موراي وزيراً لشؤون اسكتلندا لإفساح المجال أمام السيد ألكسندر. وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات واستفسارات من جانب شخصيات بارزة داخل الحزب، خاصة قبل الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية الحاسمة المقررة في العام المقبل، والتي قد يشهد فيها تراجعاً كبيراً لحزب العمال إلى المركز الثالث خلف الحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الإصلاح.

وصرح روس تومسون، النائب المحافظ السابق الذي انشقّ وانضمّ إلى حزب الإصلاح، للإندبندنت بأنه مندهش من رحيل إيان موراي، معتبراً أن ذلك سيسهل مهمة حزبه الجديد.

ومن المفهوم أيضاً أن مجموعة من كبار الشخصيات في حزب العمال الاسكتلندي قد أثاروا مخاوفهم بشأن هذه التغييرات، في حين قال أحد كبار الشخصيات في الحزب الوطني الاسكتلندي إنهم يؤدون عملاً شاقاً ويتقدمون بثبات.

وتناولت الصحف البريطانية المحلية أن الفشل المتوقع في اسكتلندا وويلز في الانتخابات المقبلة قد يؤدي إلى محاولة جادة لإزالة كير ستارمر من منصبه كرئيس للوزراء من قبل نوابه وأعضاء حزبه.

وقيل إن داونينج ستريت فوجئت بردود الفعل العنيفة والغاضبة ضد قرار إقالة موراي، وتم منحه لاحقاً منصب وزير دولة في الإدارات المعنية بالثقافة والعلوم، والتي تشمل مسؤوليات الفضاء والمتاحف والصناعات الإبداعية والاتصالات.

وهناك غضب واضح داخل الأوساط السياسية بشأن الطريقة التي تعامل بها ستارمر مع عمليات الإقالة، بما في ذلك إقالة وزير الزراعة دانييل زيشنر، الذي اضطر سابقاً إلى التعامل مع موجة الغضب الشعبي الناجمة عن التغييرات التي طرأت على ضريبة الميراث.

يعتقد الكثير من المراقبين أن هذا التوجه يُمهد الطريق لتحرك أكثر تطرفاً نحو اليمين في قضايا حساسة مثل الهجرة والرعاية الاجتماعية، وسيُظهر الزمن حقيقة ذلك. 

وأن الحزب بالفعل يحتاج إلى تغيير جذري في توجهه وإلا فإنه سيواجه العواقب الوخيمة. وعليه أن يغتنم هذه الفرصة السانحة قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى