Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأخبار

أمجد الفقي يكتب: والله أعلى وأعلم

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ }

ضرب الله مثلا في آياته المحكمات ليعلمنا أن العلم
الذي بين أيدينا سيظل عاجزا امام علم الله اللامحدود
و أن درب الحق و الهدى هو ضآلة المؤمنين حيث تنعقد النوايا على الصدق مع الله و مع النفس أولا ثم سلوك مسالك الاجتهاد في فهم مراد الله من عباده و الايمان التام بأنه فوق كل ذي علم عليم

و لعل عبارة الامام مالك قد أصابت لب الايمان بالعصمة النبوية في أداء الرسالة النبوية و حسمت سعي المجتهدين في التبليغ بها

“كلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد عليه الا صاحب هذا القبر”

عبارة نعرفها جميعا ونؤمن بصحة معناها ولا نختلف عليها اذ هي مستنبطة من قول الله تعالى
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (٤) }

اذن فالوحيد الذي لاينطق عن الهوى هو صاحب ذاك القبر الذي أشار اليه الامام مالك ، نبينا محمد ﷺ،  و يُفهم من هذا أن كل شخص ماعدا رسولنا الكريم قد يخطئ ويُرد على كلامه حتى وإن كان صحابيا !!

فلم يرد من الشرع مايدل على عصمة الصحابة من الخطأ ولم يقل بذلك أحد من أهل السنة اطلاقا وهذا مافهمته تلك المرأة حينما أخطأ سيدنا عمر رضي الله عنه في أمر مهور النساء فردت عليه كلامه بكلام الله عز و جل في محكم تنزيله ،فما كان من الفاروق رضي الله عنه إلا ان يقر بخطئه على الملأ ويقول مقولته الخالدة ” أصابت امرأة وأخطأ عمر “.

فإن كان هذا ينطبق على الصحابة المبشرين بالجنة فهو ينطبق على غيرهم من باب أولى من التابعين والأئمة الأربعة والعلماء‘ كابن تيمية وابن القيم و جميع علماء هذا العصر وغيرهم إلى يوم القيامة.

و للأسف الشديد فالكثير يعلم هذا الكلام ويؤمنون به و لكنهم كمن استيقن ذلك بقلبه ولم يعمل به بعقله و لسانه و قلمه ، فما بال الكثير من العلماء و هم غير معصومين يتشبثون بدعوتهم في بيان فهمهم عن الدين للناس و يهدرون أحد اهم مبادئ هذا الدين الحنيف !!؟

بل إنهم باتوا يتبارون في ذلك لترجيح أرائهم مستقطبين بذلك اتباعهم حتى كاد الدين يتفلت
من الجميع بفعل صراعات اقحموا أنفسهم و من يتبعونهم فيها و باتت دعواهم تتمحور حول الانتصار للرأي و التيار الذي ينتمون إليه فضَّل طريقهم للهدى و العلم الذي لا يتأتى إلا بالتقوى و إنكار الذات و اليقين الحقيقي بما يختتمون به دروسهم و دعواهم جميعاً
” والله اعلى و اعلم “.
و بالتالي فلا يمكن لأي داعية يتبنى تيارا ما أن يجزم بصحة منهجه بالمطلق و لا يجب أن تكون لبنات بنائه الدعوية أسيرة في جوهرها لمنهج أو تيار معين يدعي من خلاله معرفته الحصرية بمراد الله من عباده.

و رغم أن الحديث عن هذا الموضوع أمر شائك إلا أنني اكتب فيه قاصدا وجه الله وحده داعيا إياه  بالتوفيق و السداد لأتناوله من زاوية رؤية المتلقي الذي يرى الساحة الدعوية باتت لا تكاد تخلو من المنازلات الاستقطابية بين الدعاة من هذه التيارات المتعددة في الحديث عن الأحكام في المسائل الفقهية و العقائدية حتى ساد الخلاف و انحرف مواكبا لحمى الترند و اعتمد على إقامة الحجة بحشد التابعين و الأنصار لتسوقهم إلى مصبات التشرذم و التفريق
بل بلغ الأمر تكفير المخالفين !!

إذن فإنني اكرر أين حقا هؤلاء الدعاة من التطبيق العملي لخاتمة قولهم في مجالس عملهم و خطبهم بأن الله أعلى و أعلم !!؟

و الحقيقة أننا أمام مصاب عظيم و ليس من مصاب أعظم من مصيبة الناس في دينهم و تفرق أمرهم و انحراف وعيهم  و تشتت جمعهم وهو أشد ما أخشاه على مصرنا الحبيبة  .

إذ لا يمكن التغافل عن أن الناس في وطننا أصبحوا اكثر تعطشا للالتفاف خلف من يؤتمن من الدعاة ليرشدهم إلى اقامة بنيان الدين الصحيح في انفسهم في ظل تردي السلوكيات و انهيار القيم و ضياع بوصلة التوجيه للوعي الجمعي للمجتمع على أيدي الجهال و مدعي العلم و الرويبضة

و مما زاد الأمر خطورة هو الخلاف الدعوي الذي  أخرج الاختلاف بين الدعاة من دائرة الرحمة إلى دائرة الهلاك و خلط عند العوام التمييز بين الاختلاف في المسائل الفقهية و الخلاف في المسائل العقائدية وهو اخطر ما يدور في الساحة الدعوية الدينية في بلدنا الحبيبة مصر.

هذا الأمر الذي تنامى بشدة بعدما قادت فوضى “الخريف العبري ” الدعاة إلى الانزلاق إلى معترك السياسة على أيدي جماعة الإخوان لتحقيق اطماع الجماعة في الحكم .

تلك الجماعة  التي ضلت و اضلت فأنزلت هؤلاء الدعاة من على منابر الهداية إلى ساحات القتال لجمع الغنائم و التفت خلفهم لتعتلي هي المنابر و تدعو إلى الضلال و هي تروج لنفسها بحيازة الدين كله للتشبث بالحكم فأزهقت بذلك
روح الدعوة السمحة و انتهكت هيبة الدين في رجاله.

و لأجل ذلك فإن الوقوف مع النفس ضرورة ملحة لعظم تلك الأمانة الدعوية و خطورة انحرافها و لذلك فإنني اسلط من خلال هذا المقال الضوء على ما تواجهه أمتنا المصرية و آمل أن تخطو الدولة سريعا من خلال مؤسساتها الدينية خطواتها للعلاج بالحد من فوضى الفتاوى المثيرة للجدل و إحكام الرقابة على الخطاب الديني و عدم السماح لغير العلماء المؤهلين لذلك بالخطابة  ، و الدعوة إلى حوار ديني موسع يجمع أئمة التيارات الدينية المتعددة لحسم المسائل الخلافية بالحجة و الدليل دون إقصاء أو تمييز و وضع برتوكول دعوي يكون متفقا عليه للتمييز بين ما يناقش امام عامة الناس و بين ما يناقش في مجالس العلم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله وحده و أن يتبنى هذا البروتوكول وضع أولوية التركيز في الدعوة على بيان فقه المعاملات اليومية و الإجماع على المسائل التي لا خلاف فيها و التعامل في ذلك بالحذر و و الاشفاق حفظا لأمانة الدعوة من إطلاق الأحكام الباتة في مواطن الاختلاف و أن يضع الدعاة نصب أعينهم  تتبع مواطن الخلل في المجتمع اولا بأول و علاجها برشد و حكمة و موعظة حسنة حتى يمن الله علينا بإصلاح خلل هذا البناء المجتمعي الذي بني على أنقاض الفوضى الخلاقة .

خلاصة القول

أن الاستقطاب الديني الحادث يبرز في مخرجاته مخالفا لرحم هذا الدين الحنيف و يعد عقوقا لأخوة هذا الدين و يعيد النظر من زاوية جديدة يلمسها الجميع الآن بضرورة تجديد الدعوة لتجديد
” الخطاب ” الديني و التي تم محاصرتها في مهدها بأنها دعوة لتبديل دين الله وهي من ذلك بريئة مما اتهمت به إذ أنها في حقيقتها قد تنبهت إلى خطورة الأمر و طالبت بتجديد الخطاب الدعوي فقط وليس تجديد الدين  .

فالرفق الرفق برعيتكم يا دعاة الإسلام و الاشفاق الاشفاق بأنفسكم و بأهل هذا البلد الطيب حفاظا على مصر قلب الأمة الإسلامية النابض و كنانة الله في أرضه و بخاصة في ظل ما يحاك بالأمة العربية و الإسلامية كلها بالتكالب عليها للانقضاض عليها
و الفتك بها .

و الله من وراء القصد
و الله اعلى و اعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى