
لا يزال كثيرون ممن يخوضون معركة الوعي يحصرونها في الميدان السياسي وحده، وكأن الوعي لا يتشكّل إلا من خلال الأحداث الإقليمية والاشتباكات السياسية. هذا الاختزال يغفل اتساع رقعة الوعي وتشابك ميادينه، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة التي نعيشها اليوم.
“من وعي الفرد تُولد قوة الأسرة، ومن قوة الأسرة يُولد تحضر المجتمع”
فالوعي ليس قضية سياسية فحسب، بل هو منظومة متعددة الأوجه، تمتد آثارها إلى كل ما يلامس حياة الإنسان وسلوكه وخياراته اليومية. ومعركة الوعي، بهذا المعنى، ليست حدثًا عابرًا ولا صراعًا محدودًا، وإنما حراك متجدد يشمل ميادين الهوية، والثقافة، والأخلاق، والدين، وعلوم النفس، والتنمية البشرية التي ينبغي للجميع أن يشارك فيها.
ميادين معركة الوعي
تمتد ميادين معركة الوعي لتشمل الثقافة والاجتماعيات، حيث يتجلى الوعي في إدراك الهوية الثقافية وفهم التحولات الاجتماعية بعيدًا عن الاستقطاب والتنميط، وبناء جيل يقدّر قيمة الاختلاف ويجيد التعاون.
ويتعزز هذا المسار بالوعي الأخلاقي والديني الذي يمنح الفرد القدرة على التمييز بين الجوهر والقشور، ومواجهة التشدد، وإحياء مقاصد الدين وروحه بدل الاكتفاء بالمظاهر.
وفي جانب آخر، يبرز الوعي بعلم النفس باعتباره ضرورة في زمن تتزايد فيه الضغوط وتتضاعف مصادر التشويش، مما يتطلب فهمًا أعمق للنفس وإدارة واعية للمشاعر والتفكير النقدي.
أما الوعي بالتنمية البشرية، فيأتي ليواجه أوهام “الوصفات السريعة” للنجاح التي تروّج لها منصات التواصل، ويعيد مفهوم التطوير الذاتي إلى مساره الحقيقي القائم على المعرفة والتدرج والانضباط.
ويبقى الفن والقوة الناعمة أحد أخطر ميادين معركة الوعي، لما له من تأثير سريع في تشكيل الذوق وصناعة الرموز وإعادة صياغة الوعي الجمعي للمجتمعات.
المقصود مما سبق أن معركة الوعي لا تنتمي إلى ميدان واحد، بل إلى كل مصدر معرفة يؤثر في العقل الجمعي. فكل تصحيح لمعلومة مغلوطة، وكل إضافة لمعلومة صحيحة – مهما بدت صغيرة – هو لبنة حقيقية في بناء مجتمع أكثر إدراكًا وتحضرا.
“من وعي الفرد تُولد قوة الأسرة، ومن قوة الأسرة يُولد تحضر المجتمع”
الوعي مسؤولية مشتركة لا تحتاج منصبًا ولا شهرة
الوعي ليس مهمة القادة أو المشاهير وحدهم، بل هو مسؤولية مجتمعية يحملها كل فرد قادر على التأثير في دائرته الصغيرة، مهما كانت حدودها. فالتأثير لا يشترط منصبًا رسميًا ولا حضورًا إعلاميًا؛ يكفي أن يمتلك الإنسان بصيرة، وقدرة على نقل فكرة صحيحة أو تصحيح معلومة خاطئة. كل فرد مسؤول عن الإسهام في معركة الوعي بما هو متاح له.
أخيرا: الطريق طويل
معركة الوعي طريق شاق وطويل، قد لا تظهر نتائجه إلا بعد سنوات من العمل الجاد. إنها تتطلب وقتًا، وصبرًا، وأحيانًا نكرانًا للذات في سبيل الهدف الأكبر وهو بناء مجتمع واعٍ يمتلك القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، وتمييز الحقائق من الزيف، وبناء مناعة فكرية وأخلاقية في ميادين الثقافة والاجتماع والدين والتنمية البشرية والفن والرياضة والسياسة.
“من وعي الفرد تُولد قوة الأسرة، ومن قوة الأسرة يُولد تحضر المجتمع”



