مقالات

أحمد صبري شلبي يكتب: محمد صلاح ترمومتر السعادة عند المصريين

نجمنا العالمي “محمد صلاح يجدد عقده مع نادي ليفربول الإنجليزي”.. خبر أعاد البهجة إلى القلوب، لم يكن هذا الخبر مجرد شأن رياضي عابر، بل لحظة فخر واعتزاز وطني. فقد جاءت هذه الخطوة كامتداد طبيعي لمسيرة نجاح مبهرة، رسمت ملامحها أقدام مصرية صنعت المجد على الملاعب الأوروبية، وتحديدًا على أرضية “أنفيلد” التي طالما تغنّت باسمه.

تجديد محمد صلاح لعقده مع ليفربول هو شهادة جديدة على المكانة الاستثنائية التي يحتلها داخل جدران النادي، وفي قلوب جماهيره العريضة التي باتت تعتبره أحد أساطيرها التاريخيين. هذه الثقة المتبادلة بين اللاعب والنادي ليست إلا تتويجًا لمسيرة مهنية مبهرة، بنيت على موهبة فذّة، وأخلاق عالية، واحترافية ألهمت الملايين حول العالم.

ليس سهلًا على أي لاعب أن يحافظ على مستواه في الدوري الإنجليزي الممتاز، المعروف بتنافسيته وشراسته، لكن محمد صلاح لم يكن فقط حاضرًا، بل كان في طليعة المتألقين، يصنع الفارق، ويحسم المباريات، ويكتب التاريخ بأهدافه وإنجازاته.

لقد أصبح محمد صلاح “ترمومتر السعادة” في الشارع المصري؛ أي خبر عن تألقه أو إنجاز جديد له، ينعكس مباشرة على الحالة النفسية العامة للمصريين والمزاج العام في الشارع المصري. في زمن تزداد فيه ضغوط الحياة وتحدياتها، تحوّلت إنجازات صلاح إلى لحظات جماعية من الفرح، تمنح المصريين دفعات متجددة من الأمل والطاقة، وكأنها رسالة تقول: “الحلم ممكن متى وُجد الإصرار.”

لكن ما يجعل من محمد صلاح حالة فريدة، لا تتكرر كثيرًا، هو عقليته الاستثنائية ونظرته بعيدة المدى. هو لا يتعامل مع مستقبله بعشوائية أو بدافع العاطفة، بل يزن كل قرار بميزان دقيق من الحكمة والتخطيط. تجديده مع ليفربول لم يكن فقط بسبب حب الجماهير أو الراحة النفسية، بل نتج عن قراءة ذكية للمشهد الكروي، وإدراك عميق لمكانته ضمن مشروع فني واضح المعالم داخل النادي.

هذه الاحترافية في التفكير واتخاذ القرار هي أحد أسرار استمراريته في القمة. صلاح يدرك جيدًا متى يتحرك ومتى يثبت، متى يغامر ومتى يتأنى. وفي زمن يسعى فيه كثيرون وراء اللمعان المؤقت، اختار هو الاستمرارية داخل منظومة ناجحة تؤمن به وتبني عليه، ليواصل صناعة المجد بأقدامه وعقله معًا.

وبعيدًا عن المستطيل الأخضر، يمثل محمد صلاح نموذجًا ملهمًا للشباب المصري. شاب بدأ من قرية صغيرة، حلم، واجتهد، فصار أيقونة عالمية تضرب بها الأمثال في الطموح والإصرار وتحقيق الذات. رسالته غير المباشرة واضحة: “لا مستحيل مع الإيمان بالهدف والعمل الجاد”، وهذه الرسالة وحدها كفيلة بأن تزرع الأمل في نفوس ملايين الشباب الباحثين عن فرص حقيقية.

ولعل الأهم من كل ذلك، أن وجود نماذج مضيئة مثل محمد صلاح لم يعد ترفًا ولا مجرد مصدر فخر، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من أمننا القومي. ففي زمن تتصارع فيه المؤثرات وتتراجع فيه أحيانًا القيم تحت ضغط الواقع أو السوشيال ميديا، يصبح صلاح ضرورة وطنية. فهو يقدم نموذجًا متكاملًا للشاب المصري الناجح، المتزن، الذي وصل للعالمية دون أن يتخلى عن هويته ولا أخلاقه.

الدول التي تسعى لتعزيز استقرارها ووعي شعوبها تستثمر في مثل هذه النماذج، لأنها تعيد تشكيل العلاقة بين المواطن ووطنه، وتمنحه سببًا إضافيًا للفخر والانتماء. صلاح هو تجسيد حي للنجاح والانتماء، ووجوده يمنح الشباب يقينًا بأن الطموح مشروع، والفرصة ممكنة.

ومن هنا، فإن دعم هذه الرموز لا يجب أن يكون احتفالًا مؤقتًا، توجهًا مستدامًا، يبدأ من المناهج التعليمية، ويمر عبر الإعلام، ويصل إلى كل منصات التأثير المجتمعي. لأن الحفاظ على هذه النماذج وتسليط الضوء عليها هو في حقيقته بناء لوطن قوي، مؤمن بذاته، وراسخ في قيمه بل هو استثمار في الأمن القومي.

اليوم، ومع كل خبر يحمل اسم محمد صلاح، تتجدد فينا مشاعر الفخر والانتماء. نرفع رؤوسنا عاليًا، ونزداد يقينًا أن مصر قادرة على إنجاب نماذج استثنائية ترفع رايتها في كل المحافل. محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل قصة نجاح وطنية تُروى للأجيال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى