أحمد صبري شلبي يكتب: لماذا نصوم رمضان؟

مع حلول شهر رمضان المبارك، يتجدد التساؤل: لماذا نصوم؟ وما الحكمة من الصيام؟
في الواقع، قبل الإجابة على هذا التساؤل المتكرر سنويًا، لا بد من التأكيد على أن الصيام عبادة مفروضة علينا، نمتثل لها إيمانًا وتسليمًا، بغض النظر عن فهم الحكمة الكاملة منها أو عدم فهمها. فالتكليف الإلهي لا يتطلب تبريرًا بشريًا، بل يقوم على طاعة الله أولًا وأخيرًا.
ورغم ذلك، نجد البعض يسعى جاهدًا إلى البحث عن تفسيرات علمية أو اجتماعية للصيام، وكأن العبادات بحاجة إلى مبررات لإثبات جدواها. وهذا الطرح، وإن كان مفيدًا في تعزيز فهمنا لبعض جوانب الصيام، إلا أنه لا يعبر عن جوهره الحقيقي، الذي يتمثل في امتثال أوامر الله دون الحاجة إلى تبرير.
بين الحكمة الاجتماعية والصحية
من التفسيرات الشائعة أن الصيام يهدف إلى إشعار الغني بجوع الفقير، غير أن هذا التفسير يطرح تساؤلات مشروعة: لماذا يصوم الفقير إذن؟ وهل الصيام هو السبيل الوحيد لإدراك معاناة المحتاجين؟ أليس الأجدر أن نبذل جهدًا مستدامًا في القضاء على الفقر بدلًا من اختزال هذه القضية في شهر واحد؟
ومن ناحية أخرى، يبرز بعض الباحثين الفوائد الصحية للصيام، وهي بالفعل فوائد لا خلاف عليها، لكن هل الصيام عبادة مشروطة بهذه الفوائد؟ لو كان الأمر كذلك، لما أباح الشرع الإفطار للمرضى والمعذورون. وهذا يؤكد أن الصيام، رغم ما فيه من منافع صحية، ليس الغاية منه تحقيق تلك الفوائد بقدر ما هو تهذيب للروح وتزكية للنفس.
جوهر الصيام: تهذيب النفس ومجاهدة الهوى
إن الصيام، كغيره من العبادات، يهدف في المقام الأول إلى تهذيب النفس، وتعويدها على الانضباط والتحكم في الرغبات. شهر رمضان هو هدية ربانية، وفرصة سنوية لتجديد اليقين وشحن بطاريات الإيمان. ففي هذا الشهر، نهدأ قليلًا من سباق الحياة اليومي، لنعود إلى ذواتنا، ونتأمل في علاقتنا بالله، ونتعلم أن الحياة ليست مجرد تلبية للرغبات، بل هي رحلة تهذيب ومجاهدة.
والصيام، في جوهره، يعلمنا الانضباط ومراقبة الذات، ويغرس فينا الخوف من مقام الله.
ولعل أبلغ إجابة عن السؤال المطروح هي ما ورد في قول الله تعالى:
“وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” (النازعات: 40-41).
هذه الآية (من وجهة نظري الشخصية) تلخص الحكمة العميقة للصيام، فهو تدريب للنفس على الانضباط، وتعزيز القدرة على مقاومة الهوى، وإعداد القلب لاستشعار مقام الله ومراقبته في كل تصرفاتنا.
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
رمضان كريم.