Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

أحمد صبري شلبي يكتب: افرحوا

أحمد صبري شلبي يكتب: افرحوا

منذ اللحظات الأولى لبثّ حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، انقسمت ردود أفعال المصريين ما بين مؤيد يرى أن الحفل جاء في إطارٍ مناسب ومتوازن يعكس قيمة الحدث، وبين من رأى أنه لم يكن على مستوى الطموح المنتظر، سواء من حيث الفقرات الفنية أو التنظيم أو حتى طريقة البثّ التلفزيوني.

وفي كل الأحوال، كان الجدل دليلاً على حجم اهتمام المصريين بالحدث، وإحساسهم العميق بأن هذا المتحف ليس مجرد مبنى، بل رمز لهويتهم وتاريخهم الممتد منذ آلاف السنين.

بين الطموح والواقع

لنكن صرحاء: السبب الأبرز وراء هذا التباين في التقييم لا يعود بالضرورة إلى تفاصيل الحفل ذاته، بل إلى سقف الطموح الذي ارتفع بشدة بعد حفل نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارات في إبريل عام 2021.

ذلك الحدث الاستثنائي الذي تجاوز كل التوقعات حينئذ، حيث امتزجت فيه الدقة التاريخية بالإبداع الفني، وخلّد في ذاكرة المصريين مشاهد لا تُنسى، من بينها الأنشودة التي ما زالت تتردد في وجداننا حتى اليوم، وتناسق المشاهد الذي جعل من الحفل تحفة بصرية وروحية.

ومن الطبيعي إذًا أن يُقارن أي حدث لاحق بهذا النموذج المثالي، وأن يُنظر إلى افتتاح المتحف المصري الكبير من زاوية التوقعات العالية لا من زاوية الإنجاز الفعلي.

ومع ذلك، فإن لكل فردٍ الحق الكامل في التعبير عن رأيه، سواء أكان مؤيدًا أو ناقدًا. فحرية الرأي هي جوهر أي مجتمع متحضر، ولا ينبغي أن تُختزل الوطنية في موقفٍ من حفل أو فعالية.

دعونا نفرح

لكن وسط هذا الجدل، دعونا نبتعد قليلًا عن التقييم الفني وننظر إلى الصورة الأشمل:

• دعونا نفرح ببلدنا التي استطاعت أن تُنجز مشروعًا ثقافيًا بهذا الحجم، يعكس عراقة حضارتها وامتدادها.

• نفرح بمستوى التنظيم الذي لم يكن مجرد نجاح تنظيمي أو بروتوكولي، بل رسالة ثقة من العالم في قدرة الدولة المصرية ومنظومتها الأمنية على تنظيم وإدارة ذلك المشهد التاريخي، سواء أثناء الحفل أو حتى في جولات الزعماء بين شوارع وأحياء القاهرة المختلفة.

• نفرح بردود أفعال الضيوف الذين أبدوا انبهارًا حقيقيًا بالحضارة المصرية، وبما شاهدوه من آثار ومقتنيات تروي تاريخ الإنسان الأول الذي علّم البشرية معنى البناء مما دفع البعض منهم للتصريح بأنه يود البقاء في مصر.

• نفرح بجيلٍ جديد بدأ يرى حضارة بلده في إطار متحضر، بعيدًا عن الصور النمطية، جيل يتعلم أن الوعي بالحضارة هو أول طريق التقدم.• نفرح لأن الهوية المصرية عادت لتتصدر المشهد، لا كمجرد ماضٍ مجيد، بل كحاضرٍ حيّ يُبنى عليه المستقبل.

القادم أهم

مشاهد اصطفاف الضيوف والجمهور بعد الافتتاح – من مختلف دول العالم، ومن كل الأعمار والمستويات – تؤكد أن القادم أهم، فالمتحف المصري الكبير لم يُقم ليحفظ الآثار فقط، بل ليُعيد تعريف المصري بنفسه أمام العالم، ويُعيد تقديم القوة الناعمة المصرية في أبهى صورها؛ قوة تمتزج فيها الثقافة بالفن، والتاريخ بالحداثة، لتؤكد أن مصر لا تزال تمتلك القدرة على التأثير والإلهام.

فهذا الصرح العظيم ليس مجرد متحف، بل مشروع وطني يُجسّد رؤية الدولة للاستثمار في الهوية، وتحويل التاريخ إلى طاقة جذبٍ حضارية واقتصادية.

ومع افتتاحه، بدأت ملامح انتعاش السياحة تلوح في الأفق بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني وفرص العمل، ويدعم صورة مصر كوجهة آمنة ومستقرة ومضيئة في المنطقة.

إنها ليست فقط لحظة احتفال بالماضي، بل بداية مرحلة جديدة تُعيد لمصر دورها كمركز إشعاع حضاري وثقافي، وكقوة ناعمة قادرة على أن تروّج لرسالتها بالوعي والجمال قبل السياسة والاقتصاد.

ما بين النقد والوطنية

في الختام، من المهم أن نُذكّر أنفسنا بأن الوطنية لا تُقاس بموقفٍ من حفل.

من انتقد الحفل لا يُنزع عنه الانتماء، ومن أبدى إعجابه لا يُمنح صكّ الوطنية.

فالرؤية الناقدة جزء من حبّ الوطن، والتعبير الصادق عن الرأي هو ما يجعلنا مجتمعًا حيًا، لا جمهورًا صامتًا.

إن أعظم ما في مصر ليس حجارتها ولا معابدها، بل روحها التي لا تعرف الانكسار.

الحضارة لا تموت.. ومصر لا تُهزم.

فتحيا مصر.. وتحيا حضارتها الخالدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى