الأخبار

أحمد النادي يكتب: هل أخطأ السادات في اتفاقية السلام مع إسرائيل؟

عندما بدأ الرئيس السادات التفكير في تغيير اتجاهه نحو مسار تسوية ساسية مع اسرائيل، لم يكن الأمر سهلا أبداً و لم يتضح في حينه أنه كان مضطرا على قراره بل أزعم أن الدائرة المحيطة به و القريبة منه لم تستوعب ما يفعله و لعل المثال الأبرز هو موقف الاستاذ محمد حسنين هيكل الذي انشق عن دائرة الرئيس و أصبح في عداد المعارضين (راجع كتاب خريف الغضب) شأنه شأن كثيرا من مثقفي تلك الفترة.. اتفقوا جميعا في إخلاصهم لهذا البلد و لكن اختلفوا في كيفية تحقيق مصالحه العليا.

من هنا أحاول أن أوضح وجهة نظري بأن الرئيس السادات كانت خياراته محدودة و لم يكن السلام ترفا لا داعي له أو خيانة لقضية فلسطين أو تخليا عن دور مصر القومي في محيطها الاقليمي.

كانت معركة أكتوبر العظيمة نصراً كبيراً بكل المقاييس العسكرية
زلزل النصر كيان اسرائيل و جعلها تشعر لأول مرة بخطر وجودي علي كيان الدولة لم تشعر به منذ حرب تأسيس الكيان في العام ١٩٤٨.

نعم كان النصر حاسما لا شك في ذلك و لكنه لم يكن كاملاً.. فالقوات الباسلة التي عبرت كانت مكلفة بشكل واضح بعبور القناة و تحطيم خط بارليف و الاستيلاء علي تحصيناته المنيعة و التقدم داخل سيناء لمسافة عشرة كيلومترات فقط و ذلك كي تظل في حماية صواريخ الدفاع الجوي المصري ضد طيران العدو فلا يستطيع الطيران الإسرائيلي ضرب القوات المتقدمة داخل سيناء إلا اذا تجاوزت قواتنا تلك المسافة في عمق سيناء.

اذن فالمعركة مخططة منذ البداية أن تكون قاصرة علي مساحة محدودة داخل سيناء و ليس تحرير كامل سيناء بالقوة العسكرية (رجاء مراجعة مذكرات الفريق سعد الشاذلي).
ما طلبه الرئيس السادات من قادة قواتنا المسلحة هو الاستيلاء على مساحة من الأرض يستطيع أن يتفاوض بها فيما بعد و تحت ضغط عربي و سوري أمر السادات قواته بالتقدم أكثر داخل سيناء لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية و كانت النتيجة خسارة ٢٥٠ دبابة في يوم واحد ثم حدثت الثغرة و حصار الجيش الثالث الميداني و رغم الحصار فشلت القوات الإسرائيلية في دخول مدينة السويس ثم تجمد الوضع بفعل قرار وقف إطلاق النار الصادر من مجلس الأمن الدولي.
إذن كان إكمال تحرير الأرض بالقوة العسكرية أمر غير ممكن بما هو متاح من أسلحة و قدرات لدى الجيش المصري.

كان الوضع العسكري كالاتي :
حققت مصر نصراً كبيراً لا شك فيه و لكنه بحاجة للاستكمال و هو ما ليس في إمكان القوات المصرية القيام به لأسباب كثيرة منها الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل لامدادها بكل ما تحتاجه و تطلبه من أسلحة و تعويض خسائرها بينما كان الاتحاد السوفيتى له حسابات كثيرة في امدادنا بالأسلحة.
اذن تجمد الوضع العسكري و كان في نية الرئيس السادات اكمال الطريق بالمفاوضات و هو ما عرضه كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى علي السادات و بدأت عجلة المفاوضات تدور ثم تبعتها زيارة السادات للقدس و التي شكلت صدمة للجميع ثم بعد أعوام من التفاوض تم الجلاء عن سيناء تدريجيا حتى اكتمل الجلاء التام في إبريل من العام ١٩٨٢.

و هنا يطرح السؤال نفسه.. هل خرجت مصر بصلح منفرد و تخلت عن القضايا العربية المركزية (فلسطين و الجولان و بقية الاراضي المحتلة) ؟
و الإجابة الواضحة أن السادات عرض على بقية الأطراف الانضمام له في مفاوضات جماعية و لكن كان الرد بالرفض التام.
و عندما أخذ خطواته منفرداً حدث ماهو معروف من المقاطعة و العداء التام لمصر و دليل أن السادات لم يكن يسعى لصلح منفرد هو خطابه في الكنيست الإسرائيلي و هو يؤكد أنه لم يأتى لصلح منفرد و أكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية أكثر من مرة في الخطاب ( رجاء مراجعة الخطاب على اليوتيوب).

لم يترك الرجل فرصة لأحد أن يظن أن مصر خرجت من الصف العربي، في أثناء مفاوضات مينا هاوس في القاهرة تم رفع أعلام فلسطين و الأردن و سوريا و مقاعدهم ظلت شاغرة ليؤكد السادات للجميع أن مكانهم موجود اذا لحقوا بركب الحل السياسي.
و لكن لم يسمع له أحد.. كان الجميع قد سيطرت عليهم كراهية إسرائيل لأقصي درجة و لهم الحق في ذلك بلا شك فميراث عشرات السنين من العداء و الكراهية ليس بالشيئ الهين علي النفس و مما لاشك فيه أن السادات كان يكره إسرائيل مثلهم و لكنه كان يتمتع ببعد نظر سياسي جعله يرى أن المفاوضات هي الحل المناسب فالكيان الصهيونى في أضعف أوقاته سياسياً و الوضع الداخلي في إسرائيل مضطرب و خائف علي وجوده و يريد إنهاء النزاع بعد أن اكتشف حقيقة هامة كان قد تعامى عنها بعد نكسة ١٩٦٧ و هي ان العرب قادرون على القتال و التنسيق بين جبهاتهم.
كانت إسرائيل تشعر بالخطر بشكل كبير و هو ما أدركه السادات و لم يدركه غيره من الزعماء.
و هناك رواية لكنها ليست مؤكده أن السادات عرض علي الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات أن يحضر المفاوضات بجانبه و يحصل علي الضفة الغربية و القدس الشرقية ليقيم عليهم دولة فلسطينية تتمتع بالحماية الدولية، و لكن كان رد عرفات النهائي هو الرفض التام و من هنا انحصرت المفاوضات بين مصر و إسرائيل فقط.

و بعد ذلك فاوض العرب و عرضوا السلام علي إسرائيل في سبيل حل الدولتين و لكن الوضع الداخلي لإسرائيل قد اختلف و خرجت من دائرة الرعب الوجودي الذي عانت منه بعد حرب أكتوبر 73، إضافة أيضا إلى عوامل دولية أخرى كثيرة.

والخلاصة
جلس السادات للمفاوضات و امتنعت فلسطين و سوريا و حصل السادات علي الأرض بينما الجولان مازالت محتلة و الدولة الفلسطينية مفتته علي أرض غزة و بعض مناطق الضفة، و ما كان ذلك نتيجة تخلي مصر عن القضية كما يقول البعض و لكن لأن الوضع تغير بمرور الزمن تغيرات كثيرة لعل أبرزها انهيار الاتحاد السوفيتي و لكنه ليس عنصر التغير الوحيد.
كانت كل الأطراف تريد مصلحة أوطانها بلا شك و لكن الاختلاف أن السادات قرأ المشهد جيداً بينما غابت عن الآخرين حقائق كثيرة و عندما ادرك الرافضون هذه الحقائق كان الوقت قد فات و الفرص المتاحة ضاعت.

رحم الله الرئيس السادات و الزعيم عرفات و الرئيس حافظ الاسد فجميعهم بين يدي الرحمن الآن و ما نقوم به هو مجرد محاولة لفهم متأخر لحقائق كثيرة منها ما كان واضحاً جلياً و منها ماكان يحتاج إلى الكثير من التفكير و التمتع ببعد النظر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى