الأخبارتقارير

هل تشهد أوبك+ حربًا باردة جديدة

إعداد رحمه حمدى

تُواجه منظمة أوبك+ أزمة غير مسبوقة بسبب تصاعد الصراعات بين أعضائها حول سياسات الإنتاج، في وقت تشهد فيه الأسعار تراجعًا حادًا وصل إلى أدنى مستوى في 4 سنوات. المملكة العربية السعودية، القائد الفعلي للمجموعة، تبدو “محبطة”– وفق وصف مصادر لـ “رويترز”– بعد تكرار خروج دول مثل العراق وكازاخستان عن الحصص المتفق عليها، مما يهدد استراتيجية المنظمة لتحقيق الاستقرار في الأسواق.

الانشقاقات تتفاقم: العراق وكازاخستان يتحديان الرياض.

في أبريل 2024، أظهرت بيانات أوبك+ أن العراق وكازاخستان تجاوزا حصتهما الإنتاجية بأكثر من 600 ألف برميل يوميًا، مما أثار غضب السعودية التي تضغط منذ سنوات لالتزام الأعضاء بالحصص. ورفضت كازاخستان التصحيح الفوري، بل صرح وزير طاقتها لـ “رويترز: “مصالحنا الوطنية أولًا”، قبل أن يتراجع تحت ضغط المجموعة. مصادر أوبك+ كشفت أن الرياض تعتبر هذه التجاوزات “خيانة للثقة”، خاصة بعد تضحيتها بخفض إنتاجها الخاص إلى 9 ملايين برميل يوميًا (أقل معدل منذ 2021).

تشير تسريبات لخمسة مصادر لـ “رويترز” إلى أن السعودية تغير استراتيجيتها ردا على هذه الصراعات: فقد أبلغت حلفائها أنها لن تخفض إنتاجها أكثر رغم انهيار الأسعار. قد تدفع المجموعة لرفع الإنتاج في يونيو، مما سيخفض السعر إلى أقل من 50 دولارًا وهو سعر مُدمر لدول مثل العراق التي تحتاج إلى 90 دولارًا لموازنة موازنتها. مصادر تؤكد أن السعودية تستهدف كازاخستان تحديدًا، التي تعتمد على عائدات النفط لسد عجز مالي يتجاوز 12% من الناتج المحلي.

وأكد أحد المصادر المطلعة لـ “رويترز”، أن السعوديون يقولون إنهم مستعدون لخوض معركة إنتاج طويلة ولديهم احتياطيات مالية، لكن غيرهم قد ينهار.

لم تستجب وزارة المالية السعودية لطلب التعليق، ولم يستجب صندوق الاستثمارات العامة، صندوق الثروة السيادية السعودي، المسؤول عن مشروع نيوم وخطة السياحة في البحر الأحمر، لرسالة بريد إلكتروني من “سي إن إن”، كما لم يرد مكتب الاتصال الحكومي السعودي على طلب “رويترز” للتعليق على الأمر.

وبينما تتجه السعودية لزيادة الإنتاج، تُظهر موسكو على الجانب الآخر مقاومة، كشفا مصدران لـ “رويترز” أن روسيا (ثاني أكبر منتج في أوبك+) تريد الحفاظ على الإنتاج الحالي خوفًا من انهيار الأسعار الذي يؤثر على اقتصادها المُنهك بسبب العقوبات.

ولم يرد مكتب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك على طلب التعليق أيضاً.

عواقب الصراع: من يدفع الثمن

العراق يحتاج إلى 90 دولارًا للبرميل لتمويل وارداته. بينما عُمان تعاني من ديون تتجاوز 60% من الناتج المحلي. أما نيجيريا أفقر عضو في أوبك، قد تتخلف عن سداد ديونها إذا انخفض السعر إلى 50 دولارًا. يقول “تيم كالين”، الذي شغل منصب رئيس صندوق النقد الدولي السابق للمملكة العربية السعودية، لـ “سي إن إن”، “إن انخفاض أسعار النفط “خبر سيء” لمُصدّري النفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضيف أن المملكة العربية السعودية وعُمان والبحرين ستتأثر أكثر من غيرها، بينما ستكون دول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت أقل تأثرًا”.

وقال “جيمس سوانستون”، كبير الاقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كابيتال إيكونوميكس، لـ “سي إن إن”، “إن من بين جميع الاقتصادات في الشرق الأوسط، تعد المملكة العربية السعودية “الأكثر عرضة” لانخفاض أسعار النفط”.

مشاريع السعودية العملاقة أيضاً في خطر نيوم والبحر الأحمر قد تواجه تأخيرات أو إلغاءات إذا انخفضت العائدات النفطية، والحكومة السعودية قد تلجأ إلى خفض الإنفاق أو الاقتراض، وفقًا لتحذيرات صندوق النقد الدولي. قّدر “كالين” أنه مع وصول سعر برميل النفط إلى 60 دولاراً، فإن العجز المالي للمملكة العربية السعودية سيصل إلى 62 مليار دولار، وهو أكثر من ضعف المبلغ المقدر في ميزانيتها السنوية وهو 27 مليار دولار.

صراع 2020 الذي كاد أن يدمر السوق

هذا الخلاف يعيد للأذهان حرب الأسعار 2020، عندما انهارت الاتفاقيات بين البلدين، مما تسبب في فائض نفطي عالمي أثناء جائحة كورونا ، وهو أشهر صراع مكشوف شهده التحالف في مارس 2020، والذي تحوّل إلى حرب نفطية علنية كادت تُطيح بالمنظمة، وكاد أن يدمر السوق النفطي عندما رفضت روسيا (الشريك الرئيسي في أوبك+) خطة السعودية لخفض إضافي للإنتاج بسبب أزمة كوفيد 19. وكرد من السعودية فتحت صنابير النفط بأقصى طاقة (12 مليون برميل يوميًا)، وأغرقت السوق بـإمدادات رخيصة كعقاب لموسكو. وانهارت الأسعار بشكل تاريخي، حيث وصل سعر برنت إلى تحت 20 دولارًا (أدنى مستوى منذ 2002). وسجل برميل النفط الأمريكي (WTI) سعرًا سالبًا (-40 دولارًا) للمرة الأولى في التاريخ! كما فقدت السعودية 73 مليار دولار من احتياطياتها في 3 أشهر، وخسرت روسيا 20% من إيراداتها السنوية، واقتصاديات ناشئة مثل العراق والجزائر دخلت في أزمات ديون. بعد شهر من الفوضى، تدخل ترامب بالضغط على السعودية وروسيا، وتم توقيع اتفاق أبريل 2020 لخفض قياسي للإنتاج (9.7 مليون برميل يوميًا)، لكن الثقة بين الطرفين اهتزت إلى الأبد.

قال محلل في مجلة “إيكونوميست”، “كانت حربًا بالوكالة.. السعودية أرادت إجبار روسيا على الركوع، لكن الجميع خَسِر”.

تأسست منظمة اوبك عام 1960 في بغداد من قبل 5 دول (السعودية، إيران، العراق، الكويت، فنزويلا) لمواجهة هيمنة الشركات النفطية الغربية. تضم الآن 13 دولة، أبرزها: السعودية (القائدة الفعلية)، والإمارات، والعراق، ونيجيريا. أوبك+ (OPEC+) تحالف أوسع تشكل عام 2016 بقيادة السعودية وروسيا ويضم 23 دولة (أعضاء أوبك + منتجين مستقلين مثل روسيا، كازاخستان، المكسيك). الهدف الرئيسي للمنظمة ، السيطرة على أسعار النفط عبر تحديد حصص إنتاج لكل عضو، وخفض أو زيادة الإنتاج جماعيًا لموازنة العرض والطلب. تمثل أوبك+ 40% من الإنتاج العالمي للنفط، وقراراتها تؤثر مباشرة في اقتصادات الدول المنتجة.

وهنا يأتي السؤال هل تمتلك أوبك+ بالفعل القدرة على تجاوز حربها الداخلية؟ أم أن المنظمة كما يُعرِّفها خبراء الطاقة في “معهد أكسفورد لدراسات الطاقة”، “هي تحالف هش.. يجمع بين أعداء تاريخيين (مثل السعودية وإيران) وشركاء غير متكافئين (روسيا والإمارات)”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى