
أعلنت الهند،يوم الأربعاء الماضي عن تعليق مشاركتها في معاهدة تقاسم المياه مع باكستان، وهو إجراء عقابي قد يُلحق ضرراً بالغاً بالزراعة والاقتصاد في باكستان، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”.
جاءت هذه الخطوة بعد يومٍ من مقتل 26 مدني هندي كانوا يزورون موقعاً في الجزء الذي تُسيطر عليه الهند من كشمير، على يد مسلحين.
ورغم أن الهند لم تُحمّل باكستان مسؤولية الهجوم بشكلٍ رسمي، الإ إنها أشارت إلى وجود “روابط حدودية” مع المهاجمين.
لكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها أي من الجانبين عن تعليق تدفق المياه، ومن الجدير بالذكر أن الهند كونها الدولة الواقعة أعلى النهر، تتمتع بميزة جغرافية تمنحها الأفضلية.
ما الذي يعنيه تعليق المشروع؟
هل بإمكان الهند منع مياه حوض نهر السند أو تحويل مسارها، مما يحرم باكستان من شريان الحياة الرئيسي؟ وهل الهند قادرة على القيام بذلك في الواقع؟
يشير الخبراء إلى أنه من المستبعد أن تتمكن الهند من حجز عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه من الأنهار الغربية خلال فترات ارتفاع منسوب المياه، نظراً لافتقارها للبنية التحتية الكبيرة اللازمة لتخزين المياه والقنوات الواسعة الضرورية لتحويل هذه الكميات.
قال هيمناشو ثاكار، خبير الموارد المائية الإقليمي في شبكة جنوب آسيا للسدود والأنهار والشعوب، إن “البنية التحتية التي تمتلكها الهند تتكون في الغالب من محطات الطاقة الكهرومائية التي تولد الكهرباء من النهر ولا تتطلب تخزيناً ضخماً للمياه”.
تستخدم محطات الطاقة الكهرومائية قوة المياه الجارية لتدوير التوربينات وتوليد الكهرباء، دون الحاجة إلى احتجاز كميات كبيرة من المياه.
ويقول الخبراء الهنود إن البنية التحتية حالت دون تمكن الهند من استغلال حصتها بالكامل، التي تبلغ 20% من مياه جيلوم وتشيناب وإندوس وفقاً للمعاهدة.
واعتبر الخبراء هذا هو السبب الرئيسي لدعوتهم لإنشاء بنى تحتية لتخزين المياه، وهو ما تعارضه باكستان مستشهدةً بالمعاهدة.
قال ثاكار: “على عكس الماضي، لن تكون الهند الآن ملزمة بمشاركة وثائق مشاريعها مع باكستان”.
لكن التحديات مثل التضاريس الوعرة والاعتراضات الداخلية في الهند على بعض مشاريعها تعني أن تطوير البنية التحتية للمياه في حوض نهر السند لم يتقدم بالسرعة الكافية.
بعد الهجوم الذي شنه مسلحون في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير في عام 2016، صرح مسؤولون في وزارة الموارد المائية الهندية أنهم سيسرعون في بناء العديد من السدود ومشاريع تخزين المياه في حوض نهر السند.
ورغم غياب المعلومات الرسمية حول حالة هذه المشاريع، تشير المصادر إلى أن التقدم كان محدوداً.
نص المعاهدة
تنص المعاهدة على أن تقوم الهند بمشاركة البيانات الهيدرولوجية مع باكستان، وهي بيانات أساسية للتنبؤ بالفيضانات والتخطيط للري والطاقة الكهرومائية ومياه الشرب.
صرح براديب كومار ساكسينا، المفوض السابق لهيئة المياه في الهند لمدة تزيد عن ست سنوات، لوكالة أنباء “برس ترست أوف إنديا” أن الهند بإمكانها الآن التوقف عن مشاركة بيانات الفيضانات مع باكستان.
وتشهد المنطقة فيضانات مدمرة خلال موسم الرياح الموسمية، الذي يمتد من يونيو، إلى سبتمبر. ومع ذلك، أفادت السلطات الباكستانية بأن الهند تشارك فقط بيانات هيدرولوجية محدودة للغاية.
وقال شيراز ميمون، المفوض الإضافي الباكستاني السابق لمعاهدة مياه نهر السند، لبي بي سي: “كانت الهند تشارك حوالي 40% فقط من البيانات حتى قبل إعلانها الأخير”.
هناك قضية أخرى تُثار في كل مرة تنشأ توترات متعلقة بالمياه في المنطقة، وهي ما إذا كانت الدولة الواقعة في أعلى النهر قادرة على استخدام المياه كسلاح ضد الدولة الواقعة أسفل النهر.
ويُعرف هذا المفهوم بـ “القنبلة المائية”، حيث يمكن للدولة الواقعة أعلى النهر حجز المياه مؤقتاً ثم إطلاقها فجأة دون تحذير، مما يسبب أضراراً كبيرة في مجرى النهر.
هل تستطيع الهند قطع المياه؟
يقول الخبراء إن الهند ستخاطر أولاً بإغراق أراضيها نظراً لبُعد سدودها عن الحدود الباكستانية. ومع ذلك، قد تتمكن الآن من تصريف المياه من خزاناتها فجأة، مما قد يسبب أضراراً في باكستان.
نقص المياه يشعل فتيل الحروب
تحمل أنهار الهيمالايا، مثل نهر السند، كميات كبيرة من الطمي، الذي يتراكم بسرعة في السدود والحواجز المائية. ويمكن أن يؤدي التسرب المفاجئ لهذا الطمي إلى حدوث أضرار كبيرة في مجرى النهر.
في حين تظهر الصورة الأوسع أن الهند تقع في أسفل مجرى نهر براهمابوترا الذي ينبع من الصين، بينما ينبع نهر السند من التبت.
في عام 2016، بعد تحذير الهند بأن “الدم والماء لا يمكن أن يتدفقا معاً” عقب هجوم مسلح في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير، قامت الصين بحظر أحد روافد نهر يارلونغ تسانجبو، الذي يصبح نهر براهمابوترا في شمال شرق الهند، كجزء من مشروع للطاقة الكهرومائية.
صرحت الصين، حليفة باكستان، بأنها اتخذت هذا القرار لضرورته لمشروع طاقة كهرومائية كانت تبنيه قرب الحدود. لكن توقيت هذه الخطوة اعتُبر بمثابة تدخّل من بكين لمساعدة باكستان حليفتها.
وبعد بناء عدة محطات للطاقة الكهرومائية في التبت، أعطت الصين الضوء الأخضر لبناء أكبر سد في العالم على الروافد السفلى لنهر يارلونغ تسانجبو.
وتدّعي بكين أن التأثير البيئي سيكون محدوداً، لكن الهند تخشى أن يمنح ذلك الصين سيطرة كبيرة على تدفق النهر.
وسبق للهند أن هدَّدت، في أوقات سابقة شهدت توترات متصاعدة، بالانسحاب من معاهدة مياه نهر السند، التي وقّعتها الدولتان عام 1960.
وردت الحكومة الباكستانية، الخميس، إنها ستعدّ أي عرقلة للمياه “عملاً حربياً”.
وقلت الصحف الهندية، إن الهند، الأكبر والأكثر تطوراً، ولن تخسر كثيراً بالانسحاب من المعاهدة، على الرغم من أنها قد تواجه انتقادات من المجتمع الدولي وتُثير تساؤلات حول ما إذا كانت تُخالف القانون الدولي.
ما هي معاهدة مياه نهر السند؟
معاهدة موقعة بين الهند وباكستان تُحدّد كيفية استخدام مياه ستة أنهار وروافدها، المعروفة باسم مياه نهر السند.
أصبحت المعاهدة ضرورية بعد عام 1947، عندما أصبحت الهند وباكستان دولتين مستقلتين، على الرغم من أن التفاوض على المعاهدة استغرق عقداً من الزمن، ووُقّعت عام 1960، بوساطة البنك الدولي.
وحددت المعاهدة حقوق كلا البلدين والتزاماته فيما يتعلق بالاستخدام العادل للمياه المتدفقة في نظام نهر السند.
وللهند استخدام غير مقيد لمياه الأنهار الشرقية الثلاثة:
رافي، وسوتليج، وبياس، والتي يتدفق اثنان منها إلى باكستان.
وتسيطر باكستان على أنهار السند، وتشيناب، وجيلوم، المعروفة بالأنهار الغربية، والتي تمرّ عبر الأراضي الخاضعة للسيطرة الهندية، لكنها تقع بشكل رئيسي في باكستان.
وتُلزم المعاهدة الهند بالسماح لمياه هذه الأنهار بالتدفق بحرّيّة إلى باكستان لاستخدامها غير المقيد.
حظيت المعاهدة بإشادة واسعة لعدة عقود بصفتها علامة فارقة يمكن أن تُشكل نموذجاً يُحتذى به لحل النزاعات الدولية على المياه، لكن في العقد الماضي، هدَّدت الهند باستخدام المعاهدة سلاحاً خلال صراعاتها مع باكستان.
وفي عام 2016 هاجم إرهابيون باكستانيون قاعدة للجيش الهندي في بلدة أوري الكشميرية، وصرّح رئيس الوزراء، ناريندرا مودي وقتها بأن “الدم والماء لا يجتمعان”.
وفي عام 2019، هدَّد مسؤولون هنود بتحويل مجرى الأنهار الشرقية بعيداً عن باكستان بعد تفجير انتحاري أودى بحياة العشرات من قوات الأمن الهندية في كشمير.
ماذا يعني انسحاب الهند من المعاهدة؟
سيضع ذلك باكستان في موقف صعب؛ فالبلاد تعاني جفافاً حاداً ونقصاً حاداً في المياه، ويعود ذلك جزئياً إلى الظواهر الجوية المتطرفة.
في الشهر الماضي، حذّرت هيئة تنظيم المياه الباكستانية من أن البنجاب والسند، وهما المحافظتان الزراعيتان الرئيسيتان في البلاد، قد تواجهان بالفعل نقصاً في المياه يصل إلى 35 % خلال المرحلة الأخيرة من موسم المحاصيل الحالي.
وقال نصير ميمون، محلل سياسات متخصص في حوكمة المياه، إن الأمطار الموسمية القادمة تحمل مخاطر على باكستان؛ إذ قد تختار الهند تصريف فائض المياه من الأنهار الشرقية دون إشعار مسبق؛ ما قد يؤدي إلى فيضانات.
وأضاف ميمون أنه إذا قررت الهند حجب بيانات، مثل توقيت الأمطار الموسمية والفيضانات، فإن عدم القدرة على التنبؤ قد يضر بصغار المزارعين.
هل تتضرر الهند من قرار الانسحاب من معاهدة المياه مع باكستان؟
من المرجح أن تحقق حكومة مودي مكاسب محلية من خلال هذه الخطوة، بينما من المرجح أن ينظر إليها المجتمع الدولي على أنها مجرد جانب آخر من جوانب اشتعال الصراع بين عدوين.
وقال علق هابيمون جاكوب، الأستاذ بجامعة جواهر لال نهرو: “هذا إجراء ذكي وشعبي”.
وأضاف جاكوب أن المجتمع الدولي من المرجح أن يشعر بالقلق إذا تصاعدت التوترات الحدودية إلى صراع مسلح “لذا؛ ليس لدى الهند ما تخسره دولياً” بتعليق معاهدة المياه.
ورأى بعض المحللين أن هناك فرصة لباكستان للسعي إلى نتيجة أفضل من خلال التعامل الأمر على انه مسألة تتعلق بالقانون الدولي.
فيما قال أنور السادات، الأستاذ المساعد الأول في الجمعية الهندية للقانون الدولي: “إنّ هذا القرار يُمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق جميع الدول”.
وذكر حسن عباس، الخبير في علم المياه، أنّ باكستان انتهكت حقوق سكان المناطق الواقعة أسفل النهر بتوقيعها على معاهدة عام 1960، وقال: “تُمثّل الإجراءات الهندية الأخيرة فرصةً استراتيجيةً لباكستان لرفع القضية إلى لاهاي. ومن خلال التعبير عن موقفها بحزم أكبر، يُمكن لباكستان أن تسعى إلى مراجعة شاملة للمعاهدة؛ ما قد يُؤهّلها لاستعادة حصتها المشروعة من موارد المياه”.
وتصاعدت التصريحات المعادية للهند بسرعة في باكستان؛ ففي كلمته أمام المتظاهرين في لاهور، قال هاريس دار، زعيم حزب سياسي إسلامي في باكستان، إنّ الهند “أعلنت الحرب فعلياً” على باكستان، وأضاف: “هذا إرهاب مائي هندي”.