الأخبارمقالات

نيفين أبو حمدة تكتب: “ترامب ونتنياهو”، هدف واحد رغم اختلاف الاستراتيجية

اعتقد “نتنياهو” أن نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو حماية لإسرائيل وربما خلاصها، وأنه مانح حكومته اليمينية المتطرفة- القوة التي تحتاجها حتى تستكمل مشاريع “سموتريتش” و”بن جفير” و”أوريت ستروك” التهويدية، وظهر “ترامب” الظهور في أبهى صور القيصرية- العدوانية أحياناً؛ حيث لا تُلزمه تفاهمات “”بايدن” ولا المنظومة التي وضعها مع “أوباما”، وقال: سترون نتائج حقيقية ودفعًا بالمصالح الأمريكية قُدمًا”، ووعد “نتنياهو” “ترامب” بإنهاء الحرب على قطاع “غزة”، وتمكينه من تحقيق رؤيته وتحويلها إلى “ريفييرا ” الشرق برعاية أمريكية، ورأى “ترامب” في اليمين الإسرائيلي أداة لتهجير الفلسطينيين وتهديد الإيرانيين وشوكة في ظهر السوريين.
ويبدو أن “نتنياهو” وحكومته ومؤيدوه نسوا أو تناسوا أن “ترامب” لا يعبأ “بالأيديولوجية” ومتطلباتها (الصهيونية)، ولا يعترف بالقوة الاقتصادية والسياسية إلا إذا تُرجمت لأفعال سريعة وحاسمة وواضحة تتسق والمصالح الأمريكية، ولم يفكروا بالعمق المطلوب في موقفه من “زيلينسكي” ثم توقيعه اتفاقية معادن مع أوكرانيا وتسويته الأمور مع رئيس حكومة كندا الليبرالي وتوقيعه اتفاق ضرائب مع بريطاني وتنازلاته أمام الصين؛ لذلك فاجأهم المُخلص بمفاوضات مع الإيرانيين، واتفاق مع “الحوثيين”، وإطلاق سراح أحد الرهائن الأمريكي -الإسرائيلي بعد مفاوضات سرية مع “حماس”، ثم رفع العقوبات عن سوريا؛ واعتباره الانتصار في تحقيق أكبر المكاسب وتقليل الخسائر، وان أعداء الأمس هم الشركاء اليوم وحلفاء الغد الاقتصاديون.
وبينما يرتدي “نتنياهو” عباءة “النصر المطلق” ويخفي مصالحه الشخصية في جيوبها، ولا يروق له ثوب رجال الأعمال والتنازلات التي يقدمونها في سبيل “نصر مطلق”، خاصة وأنهم لا يرون فيه أي أرباح من وراء “إسرائيل”، قرر “ترامب” ترميم صورته ليبدو كرجل سلام يريد إعادة بناء أمريكا؛ فاستخدم أسلوبه الجديد وجمع بين روسيا وأوكرانيا ودفع السلام ما بين الهند وباكستان، وتحوّل بثقله إلى السعودية وقطر والإمارات والعالم العربي- وكل شئ على ما يُرام – إلا في “غزة”…
ورغم ذلك، لقد مُنحت “حماس” فرصة أخرى في زاوية أخرى لتكون طرفاً في حوار مباشر مع الولايات المتحدة الامريكية من دون وساطة- عندما أجرى مسؤولو الإدارة الأمريكية مفاوضات إطلاق سراح الجندي “عيدان ألكسندر” من دون عِلم “إسرائيل”، واستمع “ترامب” لصوت غضب الرأي العام الإسرائيلي ممثلًا في أهالي الرهائن، وأقدم على خطوة قد أحرجت “نتنياهو”، ولكنها بالنسبة له خطوة صحيحة “من خارج الصندوق”، ستكسر الجليد وتُحيي مفاوضات إطلاق سراح الرهائن المتعثرة “مخطط ويتكوف”، وربما إنهاء الحرب والتوصل إلى صورة متّفق عليها بشأن “اليوم التالي” في القطاع غزة .
وإذا تم هذا؛ فقد أحسنت امريكا صُنعًا بالنسبة لمن يريدون إنهاء هذه الحرب، رغم مخالفتها البروتوكولات والدبلوماسية في علاقاتها مع إسرائيل، وقد تتسبب في تراجع مكانة “نتنياهو” وحكومته وقد تغني عن العملية العسكرية “مركبات جدعون”، التي كان من المتوقع أن تبدأ بعد انتهاء جولة ترامب في المنطقة وما قد ينتج عنها من خسائر مادية وبشرية لإسرائيل، ولذلك ابتلع “نتنياهو” وحكومته الخطوة الأمريكية المباركة وقبلوا إعادة تفعيل المفاوضات بمشاركة إسرائيل. ورغم الشعور بالمرارة لدى اليهود- الإسرائيليين، النابع من التفكير في أن الإسرائيلي أقلّ أهميةً من الأمريكي، وقال البعض بأن الأميركيين قد أحسنوا التصرُف عندما عجزت الحكومة الإسرائيلية لأسباب داخلية – سياسية وبسبب تركيبتها الائتلافية عن فعل أي شئ سوى في الإطار العسكري، ولم تستطع تنظيم المساعدات الإنسانية وتولّت الولايات المتحدة الأمريكية أمرها. كما قدمت من ناحية أخرى الحجة المعقولة لنتنياهو أمام “سموتريتش” و”بن جفير”، للبقاء على وجودهما في الائتلاف الحكومي؛ حيث لم يُقدّم تنازلات من أجل إطلاق سراح الرهائن؛ ولكن الأميركيين قد فرضوها عليه..
وأخيرًا؛ يُمكننا القول أن هناك تفاهم بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل بقدر كبير على الأهداف يظهر في وحدة النتائج، ذلك رغم اختلاف الاستراتيجيات وأدوات التنفيذ. ولاشك أن هذه الأحداث ستُلقي بظلالها على “نتنياهو” وستصوره بطريقة سلبية عن المعارضة وداعميها في إسرائيل وخارجها ونرى عناوينًا إخبارية غربية في هذا الإطار مثل: ” لسنا من محبي بيبي”، “ترامب محبط من نتنياهو”؛ ولكن سلوك “ترامب” و”تجاهُله نتنياهو” ما هو إلا استكمالًا للسلوك الأمريكي (الظاهر) تجاه “إسرائيل” في الفترة الأخيرة، ثم إطلاق يدها العدوانية التوسعية (دون إعلان) كما حدث في القطاع وجنوب لبنان.. ولذا؛ فإن عمل الإدارة الأمريكية (من وراء ظهر إسرائيل) أو حتى تقزيم “نتنياهو”؛ لا يعني خروجه من المشهد، كما لا يعني رفضها لسلوك “إسرائيل” العدواني التوسعي، ويُمكن وصف ما يحدث بأنه اختلاف في استراتيجيات العمل بين إدارتين في سبيل الوصول إلى هدف واحد، وإسرائيل لا تحتاج إلا أن تتماهى مع التصور الأمريكي الجديد في معالجة الأمور على كافة الأصعدة وخاصة فيما يتعلق بالمنطقة العربية التي شهدت تحولًا نوعيًا في علاقتها الاقتصادية العسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية، قد تفقد بسببها تفردها النوعي الإقليمي في هذا الإطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى