مقالات

نيفين أبوحمده تكتب: عوامل الضغط الداخلية في إسرائيل وانعكاساتها على مستقبل إسرائيل

تعيش إسرائيل منذ عام 1948م ما يُمكن وصفه بحالة طوارئ مستمرة، كان عنصر الأمن مفتقدًا فيها بشكل دائم وبنفس القدر الذي كان به مطلوبًا على المستوى الجماهيري، ولم يتم رصد أي اضطرابات أو احتجاجات جماهيرية كبرى على الأوضاع الأمنية أو ضد الحرب إلا خلال وبعد حرب 1973م، عندما احتجت الجماهير على أسلوب إدارة الأزمة السياسية الحادة الناجمة عن خطأ التقييم وغياب الإعداد والقصور في الجاهزية بشكل عام. وقد أدت هذه الاحتجاجات إلى تشكيل لجنة “أجرانات” الرسمية للتحقيق في أحداث ونتائج الحرب واستقالة وعزل العديد من كبار قادة إسرائيل آنذاك. وتجري مراكز الأبحاث الإسرائيلية منذ بداية حرب طوفان الأقصى استطلاعات رأي دورية، لرصد التحولات في موقف الإسرائيليين نحو القضايا المرتبطة بالحرب، والتي تُعد عوامل ضاغطة على الأداء الحكومي وعلى مستقبل إسرائيل.
انخفاض نسبة المتفائلين بشأن المستقبل
تُشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى تزايد الشعور السلبي لدى المواطنين نحو المجتمع والدولة ومؤسساتها بشكل عام؛ ويعكس هذا الشعور القلق بشأن الصورة المستقبلية للحياة داخل إسرائيل.
وقد سجل استطلاع “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أدنى نسب التفاؤل فيما يتعلق بالتماسك الاجتماعي، وبلغت نسبة المتفائلين حوالي 22% فقط من اليهود وفلسطيني الداخل على حدٍ سواء، وتراجع التضامن الاجتماعي بين أبناء القطاع الواحد.
كما كان التشاؤم هو سيد الموقف بشأن الأداء الاقتصادي للحكومة الإسرائيلية؛ وقد بلغت نسبة المتفائلين بما يتعلق بالوضع الاقتصادي حوالي 26% من اليهود و23% من الفلسطينيين فقط من المستطلعة أراؤهم، أما بالنسبة لمستقبل الديمقراطية في (دولة يهودية)، فقد أبدى 38% تفاؤلهم، ورغم أنها أعلى نسبة مما سبقها، إلا أنها تعكس المخاوف الواضحة لدى أغلبية المواطنين الإسرائيليين من مسار النظام السياسي الحالي ، فلسطينييون كانوا أم يهودًا على حد سواء.
وكان المجال الوحيد الذي اقتربت فيه نسبة المتفائلين من اليهود من نصف المستطلعى أراؤهم هو الوضع الأمني، حيث بلغت حوالي 39.5% (43.5% من اليهود مقابل 20% فقط منفلسطيني الداخل) وتعكس هذه النسبة زيادة الفجوة بين القطاعين فيما يتعلق بتقييم الوضع الأمني الحالي والمستقبلي. كما ارتفعت نسبة التفاؤل بوضوح في صفوف اليمين السياسي وأتباعه بشأن مستقبل التوجهات السياسية في إسرائيل بشكل عام مقارنةً بمن ينتمي إلى تيار الوسط أو اليسار.
الحكومة اليمينية وقرارات المحكمة عليا
ترى نسبة (54%) من القطاع اليهودي أن الحكومة يجب عليها الالتزام بقرار المحكمة العليا في ما يتعلق بإقالة رئيس جهاز “الشاباك” “رونين بار”، مقابل 36% يرون العكس، وكانت النسبة أعلى بين فلسطينيي الداخل حيث عبّر 71% منهم عن ضرورة التزام الحكومة بقررات المحكمة العليا، ووفقًا للانتماء السياسي كانت نسبة اليسار والوسط حوالي 96.5% و73% على التوالي ممن أيد ضرورة التزام الحكومة بقررات المحكمة العليا، بينما لم تتجاوز النسبة بين صفوف اليمين 32%. كما تُظهر نتائج التقسيم حسب التصويت في انتخابات الكنيست للعام 2022 أن معظم ناخبي أحزاب الائتلاف الحاكم يعارضون التزام الحكومة، في حين أن غالبية واضحة من ناخبي المعارضة يدعمون ذلك.
احتجاجات مستمرة وعصيان مدني محتمل
في تطوّر لافت وغير مألوف في السياق الإسرائيلي، خلال الأسابيع الماضية، نشرمئات الطيارين العسكريين، وما يزيد عن 1500 جندي وضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي، عرائض علنية عبّروا فيها عن احتجاجهم العميق على استمرار العمليات العسكرية، دون تحقيق التقدّم الكافي في قضية إعادة الأسرى والمحتجزين من خلال صفقة تبادل مع حركة حماس؛ ما يعني انتقال المجتمع الإسرائيلي من مرحلة إبداء المواقف إلى مرحلة اتخاذ خطوات علنية في مواجهة الحكومة اليمينية، وتعتبر هذه الخطوة النادرة في التقاليد العسكرية بشكل عام، انعكاسًا لتصاعد التوتر في المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وفقدان الأمل وانعدام الثقة بالقيادة السياسية وقراراتها، وأحد عوامل الضغط الداخلية التي قد تدفع في اتجاه إنهاء الحرب .
وفي الإجابة عن سؤال حول إمكانية تصاعد الإحتجاجات إلى عصيان مدني قد يبدأ بإغلاق الشوارع أو امتناع الإسرائيليين عن دفع الضرائب أو زيادة أعمال العنف، إذا لم تستجب الحكومة إلى قرارات المحكمة بشكل عام؛ فقد أيد 41% من اليهود و 52% من فلسطيني الداخل إمكانية وقوع هذا السيناريو، وأبدى مؤيدو أحزاب المعارضة دعمًا ملحوظًا (كالعادة) القيام بعصيان مدني وأعلن مؤيدو الائتلاف الحكومي رفضهم القاطع له؛ ودعمه 86% من كتلة اليسار و57% من تيار الوسط وقوع العصيان المدني وانخفضت النسبة جدًا في تيار اليمين (21%) القومي والمتدين؛ لذا يمكن القول بأن هناك انقساماً حاداً حول التعاطي مع الأحداث الجارية وتفسيرها يتعلق بتأثير التوجهات السياسية.
الجمهور وأهداف الحرب على غزة
تراوحت أولويات الجمهور الإسرائيلي بشأن أهداف الحرب، بين “القضاء على حركة “حماس” واستعادة جميع الرهائن الإسرائيليين”. وتم رصد تحولات في الرأي العام الإسرائيلي بمرور الوقت، حيث تُشير النتائج إلى تغير واضح ومتسارع في هذه الأوليات، فبينما كانت نسبة الذين رأوا أن الأولوية لاستعادة الرهائن لا تتجاوز نصف عدد المستطلعة أراؤهم في يناير 2024م، إلا أنها قد تجاوزت ثلث هذا العدد في مارس 2025م. مقابل تراجع في نسبة المهتمين بالقضاء على حركة حماس بشكل نهائي، كما ارتفعت نسبة المُشككين في إمكانية تحقيق هذا الهدف. وشهدت التيارات السياسية اليسارية والوسط أغلبية مؤيدة لأولوية استعادة الرهائن تصل إلى (91% و80.5% على التوالي) بينما يرون في أوساط اليمين أولوية استعادة جميع الرهائن (52%) وانقسم الرأي العام الإسرائيلي على نفسه بالتساوي، بشأن إمكانية تحقيق الهدفين معًا.
وتعكس هذه المعطيات حالة سائدة من التشاؤم والإحباط في المجتمع الإسرائيلي، والتي ستمتدّ مستقبلًا لتشمل مختلف المجالات الأساسية للحياة العامة، وسلبيًا على المزاج العام للمواطن الذي لايثق في الحكومة وأدائها بشكل عام؛ وبالتالي سيترك أثره على مستقبل الاستقرار والتماسك الاجتماعي في إسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى