
كتبت: بسنت عماد
في ظل تصاعد التوتر الإقليمي بين إيران وإسرائيل، عادت منشأة “نطنز” النووية إلى الواجهة مجدداً، بعد أن استُهدفت في ضربات جوية، نفذتها إسرائيل ضمن سلسلة من العمليات التي شملت مواقع عسكرية وأمنية حساسة داخل الأراضي الإيرانية.
هذا التصعيد العسكري، الذي يأتي في توقيت بالغ الحساسية، أعاد المخاوف الدولية من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة أو تسرب نووي كارثي، ويثير تساؤلات حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني وإلى أين تتجه الاستراتيجية الإسرائيلية تجاهه.
ما هي منشأة “نطنز” الإيرانية؟
تقع منشأة نطنز على بُعد نحو 250 كيلومتراً جنوب طهران بمحافظة أصفهان، وتغطي أكثر من 100 ألف متر مربع. وتُعد واحدة من أهم منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران، لما تحتويه من بنية تحتية معقّدة وأجهزة طرد مركزي متقدمة.
المنشأة محصّنة تحت الأرض بعمق يصل إلى 50 مترًا، وهو ما جعلها محورًا استراتيجيًا في البرنامج النووي الإيراني، وهدفًا دائمًا للهجمات السيبرانية والعسكرية.
بدأ العمل في “نطنز” مطلع الألفية، وكُشفت للعالم لأول مرة عام 2002 من خلال معارضين إيرانيين. وقد شهدت عدة حوادث بارزة:
ـ 2010: تعرّضت لهجوم إلكتروني بفيروس “Stuxnet”، الذي عطل آلاف أجهزة الطرد المركزي.
ـ 2020 و2021: وقعت انفجارات داخل المنشأة، أشارت تقارير إلى تورّط إسرائيل فيها.
اليوم، تحتوي نطنز على أجهزة من الجيل الأول (IR-1) وأخرى متطورة من طراز IR-6، ما يمكّن إيران من تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من حدود الاستخدام العسكري (90%).
هل تتجه إسرائيل لتوسيع ضرباتها؟
تشير مؤشرات عديدة إلى أن الضربة الأخيرة التي استهدفت نطنز ليست إلا البداية، وقد تكون ضمن خطة أوسع تنفذها إسرائيل لتعطيل البنية النووية الإيرانية.
دوافع الضربات الإسرائيلية:
تعتبر تل أبيب البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً .
تسعى إسرائيل لمنع إيران من الوصول إلى “العتبة النووية”، وهي مرحلة امتلاك القدرة الكاملة على إنتاج سلاح نووي دون إعلانه.
اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين
لم تكتفِ إسرائيل عند حدود استهداف المنشآت، بل مضت في تنفيذ عمليات تصفية استهدفت تسعة من أبرز علماء وخبراء البرنامج النووي الإيراني، وهم:
- فريدون عباسي – خبير في الهندسة الذرية
- محمد مهدي طهرانجي – خبير في الفيزياء
- أكبر مطلب زاده – خبير في الهندسة الكيميائية
- سعيد برجي – خبير في هندسة المواد
- أمير حسن فكهي – خبير فيزياء
- عبد الحميد منوشهر – مختص في فيزياء المفاعلات النووية
- منصور عسكري – خبير في الفيزياء
- أحمد رضا ذو الفقاري دارياني – خبير في الهندسة الذرية
- علي باكوايي كتريمي – عالم متخصص في الميكانيكا
المواقع المحتمل استهدافها مستقبلاً:
ـ فوردو: منشأة عالية التحصين تقع تحت الجبال.
ـ أراك: مفاعل للماء الثقيل يُحتمل استخدامه في إنتاج البلوتونيوم.
ـ أصفهان ومراكز أخرى: تضم معامل أبحاث ودوائر دعم تقني.
وقد صدرت عن القيادة الإسرائيلية تصريحات متكررة تؤكد أن تل أبيب “لن تسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية”، وأنها “ستستخدم كل الوسائل لوقف هذا التهديد”، ما يشير إلى أن الضربات قد تستمر خلال الفترة المقبلة.
ما الذي قد يحدث إذا وقع صراع نووي؟
في حال تطوّرت الهجمات لتشمل منشآت أكثر خطورة، أو أدت إلى تسرب إشعاعي، فإن التداعيات ستكون واسعة، لا على إيران فقط، بل على الشرق الأوسط والعالم.
1. خطر التسرب الإشعاعي:
المنشآت تحتوي على مواد مشعّة حساسة، وأي قصف مباشر قد يؤدي إلى تسرّب إشعاعي يهدد السكان والبيئة، وقد يمتد تأثيره إلى دول الجوار مثل دول الخليج العربي.
2. خطر التسرب الإشعاعي:
قد تؤدي الأحداث إلى انهيار اتفاقات منع الانتشار النووي، وتدفع دولاً إلى التفكير في تطوير برامجها النووية.
3. ردود إيرانية انتقامية:
طهران قد ترد بهجمات على إسرائيل وقواعد أمريكية بالمنطقة، إضافة إلى تهديد الملاحة في مضيق هرمز، مما قد يؤدي الى فتح الباب لأزمة طاقة عالمية.
4.تداعيات اقتصادية وإنسانية:
اضطراب في أسواق النفط والغاز
موجات نزوح محتملة من مناطق الصراع
اندلاع صراعات بالوكالة في عدة دول بالشرق الأوسط
ختاماً..
منشأة “نطنز” ليست مجرد منشأة نووية، بل تمثّل رمزًا لطموح إيران في امتلاك قوة ردع نووية، وضربها هو رسالة سياسية وعسكرية إسرائيلية واضحة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل أنها لن تتهاون مع هذا التهديد، تبدو المنطقة مفتوحة على جميع السيناريوهات، من الحرب الباردة إلى احتمال اندلاع حرب نووية شاملة قد تعيد تشكيل معادلات القوى في الشرق الأوسط.