
إعداد: بسنت عماد
في ظل التصعيد المستمر بين طهران وتل أبيب، لم تعد التهديدات في المنطقة تقتصر على المواجهات العسكرية والصواريخ، بل برز خطر جديد أكثر صمتًا وأشد فتكًا: التسرب الإشعاعي من المنشآت النووية الإيرانية، خاصة تلك القريبة من سواحل الخليج العربي.
وبينما تُعد منشأة “بوشهر” النووية إحدى أبرز تلك المنشآت، يطرح الواقع الجغرافي والمخاوف البيئية سؤالًا بالغ الخطورة: ماذا لو تسربت مواد مشعة إلى مياه الخليج؟ وما التأثيرات المحتملة على البيئة، والصحة، والاقتصاد؟
منشآت نووية على بالقرب من الخليج
تتربع منشأة “بوشهر” على الساحل الجنوبي لإيران، في تماس مباشر مع مياه الخليج العربي، ما يجعلها في صدارة المخاوف عند الحديث عن أي طارئ فني أو عسكري.
وبالرغم من تمركز منشآت نووية أخرى، كـ”نطنز”، داخل الأراضي الإيرانية، فإن خبراء البيئة لا يستبعدون انتقال تأثيراتها عبر الرياح أو تسرب المياه الجوفية، لتطال الخليج ودوله المجاورة.
السيناريو الأخطر: تسرب إشعاعي إلى البحر
أي تسرّب إشعاعي إلى مياه الخليج سيشكل كارثة بيئية غير مسبوقة، وتتضمن التبعات:
تلوث واسع للمياه يؤثر سلبًا على النظام البيئي البحري ويهدد التنوع البيولوجي.
انتقال الإشعاع عبر التيارات البحرية إلى عدة دول خليجية من بينها الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين.
تراكم المواد المشعة في الكائنات البحرية، ما يرفع احتمالات الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان والتشوهات الخلقية.
مياه الشرب على المحك
قال نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا الدكتور علي عبد النبي لـ”إيكونومي بلس” إن إسرائيل تسعى لتدمير قدرات إيران النووية سواء من خلال استهداف العلماء أو منشآت تخصيب اليورانيوم مثل نطنز.
لافتا إلى أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي إلا أن هذا التسرب تظل خطورته مرهونة بحجم الضرر الذي ستخلفه اي ضربة عسكرية.
ويؤكد الدكتور عبدالنبي أن أي تسرب إشعاعي في الخليج العربي سيشكل ضربة مباشرة لدول المنطقة، التي تعتمد بشكل شبه كلي على تحلية مياه البحر كمصدر أساسي للشرب، في ظل شُحّ الموارد الطبيعية
وفي حال وقوع التلوث:
ستُغلق محطات التحلية فورًا كإجراء وقائي.
ستواجه الدول الخليجية أزمة مائية حادة تهدد الأمن المائي لملايين السكان.
سيتأثر القطاع الزراعي الذي يعتمد على المياه المُحلّاة في عمليات الري.
ويشير عبدالنبي إلى أن عودة المياه إلى وضعها الطبيعي قد تستغرق عدة أشهر وربما سنوات، وذلك وفقًا لحجم التلوث وعمق التأثير.
ارتدادات اقتصادية وأمنية شاملة
لن تقتصر الكارثة على البيئة فحسب، بل ستشمل الاقتصاد والأمن، وتشمل التداعيات المحتملة:
اضطراب في حركة الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز، ما قد يؤثر على صادرات النفط ويفجّر أزمة عالمية في أسعار الطاقة.
إغلاق موانئ استراتيجية وتعطل سلاسل الإمداد والتجارة.
خسائر مباشرة في قطاعي الصيد البحري والتجارة الساحلية.
تهديد للصحة العامة قد يستمر لعقود
التعرض المستمر لمستويات منخفضة من الإشعاع يؤدي إلى مخاطر صحية جسيمة، منها:
زيادة معدلات الإصابة بالأورام السرطانية.
العقم وتشوهات الأجنة، وخاصة في المناطق الساحلية القريبة من موقع التلوث.
احتمال ظهور حالات تسمم إشعاعي تستوجب استجابة طبية فورية وتجهيزات طارئة في المستشفيات.
التحرك العاجل ضرورة لا رفاهية
لتفادي السيناريو الأسوأ، يدعو الخبراء إلى خطوات إقليمية ودولية عاجلة، أبرزها:
فرض رقابة دائمة ومشددة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جميع المنشآت النووية الإيرانية.
إنشاء وحدة خليجية مشتركة للإنذار المبكر، متخصصة في رصد أي تغير إشعاعي في المياه.
تعزيز التنسيق البحري والبيئي بين الدول الخليجية لرصد ومنع انتشار التلوث في حال حدوثه.
في الختام.. الخطر لا يُرى لكنه واقع محتمل
الكوارث الإشعاعية لا تحدث بانفجار، بل بصمت، من تسرب صغير لا يُشاهد ولا يُشم، لكنه قادر على تهديد الملايين.
وإذا كانت الحروب التقليدية تندلع بصاروخ، فإن الكارثة البيئية قد تبدأ من قطرة مياه… وتمتد لعقود في أعماق الخليج.