
متابعة: رحمه حمدى
أجرت وكالة رويترز حوارات مع لاجئين سودانيين يشتكون أنهم فروا من الحرب في بلادهم إلى مصر، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام واقع مرير من القمع والصعوبات المعيشية، ما دفعهم إلى المغامرة برحلات أكثر خطورة إلى ليبيا رغم ما تشكله من تهديد لحياتهم. وكشف التقرير عن اتهامات موجهة إلى السلطات المصرية بتضييق الخناق على اللاجئين السودانيين، عبر تعقيد إجراءات الإقامة وزيادة الترحيلات، مما جعل ليبيا — رغم فظاعة أوضاعها — خيارًا يُنظر إليه كـ”أقل سوءًا” مقارنةً بالوضع في مصر. كما أشار إلى دور أوروبا في دعم نظام مراقبة الحدود الليبية الذي يتهم بارتكاب انتهاكات ضد المهاجرين، بينما تستخدم مصر — وفقًا لاتهامات دبلوماسيين — أزمة اللاجئين كـ”ورقة ضغط” للحصول على تمويل أوروبي.
أوضحت “رويترز” على الرغم من توثيق حالات هروب عشرات الآلاف من السودانيين إلى ليبيا عبر الحدود المشتركة بين البلدين، فإن توجه المواطنين السودانيين الذين يشعرون بأنه ليس أمامهم خيار سوى السير في الطريق الشمالي لمغادرة مصر لم يتم الإبلاغ عنه سابقًا.
وأفادت وكالة رويترز بأن عددًا متزايدًا من السودانيين يتجهون إلى ليبيا بدلًا من مصر، حيث قد يكون الوضع أكثر خطورة بالنسبة للاجئين، إذ يلجأ الكثيرون منهم إلى ركوب قوارب متجهة إلى أوروبا.
وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، ارتفع عدد السودانيين الذين وصلوا إلى أوروبا بنسبة 134% مقارنة بالعام السابق، وذلك على الرغم من انخفاض العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعبرون من شمال أفريقيا، وفقًا للأرقام الأولية الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
شكوى اللاجئين رغم توفير مصر كل سبل الراحة
في هذا التقرير، أجرت رويترز مقابلات مع 32 لاجئًا سودانيًا. وبينما لا يزال عدد قليل منهم موجودًا في مصر، وفقًا لوصف الوكالة، شرح معظمهم كيف انتقلوا بسبب الظروف الصعبة هناك، ووصلوا إلى ليبيا واليونان وفرنسا.
يعقوب، لاجئ سوداني يبلغ من العمر 25 عامًا، هو واحد من عدد صغير لكنه متزايد من اللاجئين السودانيين الذين يتركون مصر ويخاطرون بحياتهم في ليبيا، بدلًا من العودة إلى وطنهم الذي يشهد حربًا أهلية مستمرة منذ أبريل 2023، وفقًا لشهادات مهاجرين وسماسرة تهريب وعاملين في مجال الإغاثة وناشطين.
قال يعقوب: “كان البحر مضطربًا، وكانت الرحلة شاقة للغاية، لكننا كنا منهكين من كل ما عانيناه في ليبيا. لم يكن أمامنا خيار آخر، إما العبور أو الموت”، مضيفًا أنه تعرض للاحتجاز والاعتقال وسوء المعاملة على يد السلطات الليبية والميليشيات.
اللاجئين السودانيين يغيرون وجهتهم من مصر إلى ليبيا للهروب إلى أوروبا
ووفقًا لرويترز، قدمت أوروبا دعمًا لقوات خفر السواحل الليبية، التي تعيد المهاجرين الذين يتم إيقافهم في البحر إلى مراكز الاحتجاز، كما مولت برامج إدارة الحدود الليبية. وفي عام 2023، خلصت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المهاجرين في بعض مراكز الاحتجاز الليبية.
من جانبه، قال اللواء إبراهيم العربد، رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في منطقة البطنان شرقي ليبيا، إن ما بين 20 إلى 25 ألف سوداني عبروا إلى ليبيا عبر مصر منذ بدء الحرب في السودان وحتى يناير الماضي.
وأوضح أن العديد منهم يحملون صفة لاجئ في مصر، لكنهم واجهوا صعوبات في الاستقرار هناك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وفي مايو، صرح بأن ما بين 200 و250 سودانيًا يعبرون الحدود أسبوعيًا، وتوقع أن يرتفع هذا العدد مع اقتراب فصل الصيف.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نزح أكثر من 4 ملايين سوداني إلى الدول المجاورة، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد فر أكبر عدد منهم، حوالي 1.5 مليون شخص، شمالًا إلى مصر.
ورغم أن مصر سمحت في البداية بدخول جميع السودانيين دون تأشيرة باستثناء الرجال في سن العمل، فقد فرضت قيودًا على الدخول بعد زيادة كبيرة في أعداد الوافدين، مما دفع المزيد من اللاجئين إلى اللجوء لطرق التهريب للوصول إلى البلاد، وفقًا لشهادات مهاجرين ومحاميي هجرة وعاملين في المجال الإنساني.
وأكدوا أن تأمين الإقامة في مصر، وهي خطوة ضرورية للحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، أصبح أمرًا أكثر صعوبة، مع تأخيرات طويلة وعقبات مالية. ولم ترد وزارة الخارجية المصرية وهيئة الاستعلامات الحكومية على طلبات التعليق.
من جهته، نفى محمود فوزي، وزير الشؤون البرلمانية والقانونية والاتصال السياسي المصري، وجود أي قيود على منح تصاريح الإقامة للمهاجرين السودانيين.
بالنسبة للكثيرين، كانت هذه العملية، التي تتطلب إيداع مبلغ يقارب ألف دولار أمريكي بموجب مرسوم صدر في أغسطس 2023، مكلفة للغاية، مما تركهم يعيشون على هامش المجتمع. وبدلًا من ذلك، بدأ بعضهم رحلة الحصول على وضع لاجئ من الأمم المتحدة، وهي رحلة طويلة.
لكن حملة القمع الحكومية (كما وصفتها رويترز) في العام الماضي عرضت أولئك الذين لم يتمكنوا من دفع الرسوم لخطر الاعتقال أو الترحيل، بغض النظر عن وضعهم كلاجئين، وفقًا لثلاثة محامين متخصصين في قضايا الهجرة في مصر تعاملوا مع مئات من هذه الحالات.
وأشارت منظمات حقوق الإنسان ومحامو الهجرة إلى زيادة في عمليات الترحيل من مصر منذ اعتماد قانون اللجوء الجديد في نهاية عام 2024، والذي نقل صلاحية الموافقة على طلبات اللجوء وتسجيل اللاجئين إلى الحكومة بدلًا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقال محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مصر: “إن الشعور بانعدام الأمن الناتج عن هذا الوضع الجديد بين اللاجئين وطالبي اللجوء، إلى جانب عدم قدرتهم على العودة إلى بلادهم، دفعهم إلى البحث عن الأمان خارج مصر، والمخاطرة بمزيد من الهجرة”.
أكد فوزي عدم وجود أي تمييز ضد المواطنين السودانيين، مشيرًا إلى أنهم يتمتعون بجميع حقوقهم. وأكد أن عمليات الترحيل لا تتم إلا في حال انتهاك القانون أو إذا اختار الشخص العودة طوعًا.
“لا أستطيع البقاء بأي حال من الأحوال”
أخبر يعقوب، اللاجئ السوداني، رويترز أنه بعد وصوله إلى القاهرة في يناير 2024، نام في الشوارع الباردة لأيام بانتظار تسجيله لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في النهاية، استسلم بسبب طول فترة الانتظار.
انتقل للعيش في شقة صغيرة مع ثمانية سودانيين آخرين، وعمل بشكل متقطع كعامل يومي. ومع ذلك، وبسبب عدم امتلاكه وثائق رسمية، كان عرضة للاعتقال، خاصة بعد أن بدأت السلطات في اعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم.
وقال لرويترز من مخيم للمهاجرين خارج أثينا: “الظروف هناك لم تكن مناسبة للاجئ… لم تكن لدي الوثائق اللازمة، وكنت أهرب من السلطات طوال الوقت. لم يكن هناك أي سبيل للبقاء”.
وأضاف: “كنت خائفًا من أن يتم اعتقالي وإعادتي إلى السودان، لذا ذهبت إلى ليبيا، لكنني وجدت الوضع هناك أسوأ بكثير”.
ويقول منتقدون لقانون اللجوء إن معاييره لتحديد وضع اللاجئ غامضة، وتضع الحماية القانونية لأولئك الذين تم الاعتراف بهم بالفعل كلاجئين في خطر، بما في ذلك من يحملون وثائق صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقال لطفي، الذي تقدم منظمته الدعم القانوني للمهاجرين، إن القانون الجديد يبدو أنه شجع قوات الأمن على التصرف بجرأة أكبر، مع زيادة في البلاغات والقضايا ضد السودانيين والأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى. وأضاف أن منظمته وثقت عشرات الحالات التي صادرت فيها الشرطة وثائق المفوضية قبل ترحيل اللاجئين.
من جانبه، نفى فوزي ترحيل أي لاجئ أو طالب لجوء مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورغم عدم الإعلان عن أعداد عمليات الترحيل، أفاد مصدران أمنيان مصريان، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، بأن الأجهزة الأمنية رحلت حوالي 21 ألف سوداني حتى نهاية مارس 2025 بسبب وجودهم غير القانوني أو انتهاكهم للقوانين المصرية.
كما وثقت منظمة العفو الدولية احتجاز المهاجرين في مصر في ظروف وصفتها بأنها قاسية وغير إنسانية قبل عمليات الترحيل، والتي قالت إنها تنتهك القانون الدولي.
تضارب بين تصريحات اللاجئين وتصريحان المسؤولين في مصر
تستعرض رويترز التناقض بين تصريحات اللاجئين وتصريحات المسؤولين المصريين، حيث أكد المسؤولون المصريون أن الحكومة أظهرت كرمًا باستقبال هذا العدد الكبير من السودانيين رغم الضغوط الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم وأزمة الدولار. وأكد فوزي أن الجميع يستفيدون من برامج الدعم الحكومي.
لكن المهاجرين في مصر الذين تحدثوا إلى رويترز نفوا ذلك، وهو ما أكده أيضًا تقرير داخلي صادر عن مفوضية الاتحاد الأوروبي في عام 2024 اطلعت عليه الوكالة.
وأفاد التقرير بأن حوالي 1.5 مليون مهاجر من أصل 9 ملايين مهاجر أعلنت مصر استقبالهم كانوا في أوضاع هشة. ومن بينهم، سُجل ما يقرب من مليون شخص كلاجئين وطالبي لجوء حتى مايو 2025، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وذكر التقرير: “المهاجرون واللاجئون غير مؤهلين للحصول على برامج الدعم المحلية أو برامج الحماية الاجتماعية، وأصبح عدد كبير منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي”، مضيفًا أن هذا دفع الكثيرين إلى المضي قدمًا في رحلتهم.
برامج أوروبا لمنع تدفق اللاجئين
وقال خمسة دبلوماسيين غربيين ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي إن القاهرة حاولت الضغط على بروكسل لزيادة المساعدات المالية مقابل الحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وخلال زيارتها في ديسمبر، قالت تينيكي ستريك، عضو البرلمان الأوروبي والمقررة المكلفة بشؤون مصر، إنها التقت بفوزي وسألته: “تخيل لو أن حرس حدودنا أخذوا إجازة لمدة أربعة أسابيع، ماذا سيحدث حينها؟”
وأضافت ستريك: “إنهم يستخدمون في الواقع بطاقة الهجرة للحصول على أموال من الاتحاد الأوروبي”. بينما رفض فوزي التعليق على هذه التصريحات.
وفي مارس، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو لمصر كجزء من الجهود الرامية إلى وقف تدفقات المهاجرين.
وقد ازدادت الخطابات المعادية للهجرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي منذ وصول أكثر من مليون شخص، معظمهم من سوريا، عبر البحر المتوسط في عام 2015. واستغل الأحزاب اليمينية والقومية هذا العداء، مما دفع الحكومات إلى تبني سياسات هجرة أكثر تقييدًا تركز على عمليات العودة.
وفي الأشهر الأخيرة، اقترح الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء سياسات تعرضت لانتقادات من منظمات حقوق الإنسان لتسريع عمليات الترحيل وإرسال المهاجرين إلى مراكز في دول ثالثة لا تربطهم بها أي صلة.
ووفقًا لوكالة فرونتكس للحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، كان طريق شرق البحر المتوسط الذي سلكه يعقوب ثاني أكثر الطرق نشاطًا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي بين يناير وأبريل، حيث عبره 12,228 شخصًا. بينما كان طريق وسط البحر المتوسط المؤدي إلى إيطاليا ومالطا الأكثر نشاطًا.
ورغم انخفاض الحركة على طريق الشرق مقارنة بالعام السابق، ارتفع عدد السودانيين ليصبحوا من بين أكبر ثلاث جنسيات بين يناير ومايو، حيث وصل إجمالي عددهم إلى حوالي 1469 شخصًا، وفقًا لفرونتكس. وهذا يمثل زيادة كبيرة مقارنة بـ 361 شخصًا خلال الفترة نفسها من العام الماضي و237 شخصًا في العام الذي سبقه.
وقال يعقوب إنه يشعر بالارتياح لأنه وصل أخيرًا إلى بر الأمان في اليونان، وبدأ يفكر في المستقبل.
وأضاف: “إذا قدمت لي اليونان الأمان والاستقرار، فسأبقى”.