الأخبارمقالات

شحاتة زكريا يكتب: 30 يونيو.. يوم أن أنقذت مصر نفسها من مصير لا يشبهها

في لحظات مفصلية من تاريخ الشعوب تُختبر اليقظة وتُقاس البصيرة ، ويُرسم الطريق لعقود قادمة. في مصر لم يكن يوم 30 يونيو 2013 مجرد احتجاج شعبي ضد سلطة حكمت عاما ففشلت بل كان صرخة وجودية أنقذت الدولة من الوقوع في هوّة العبث العقائدي ومشروع «التنظيم» الذي أراد أن يصوغ مصر على مقاس فكر ضيق يتجاوز حدود الوطن ليقيم جمهورية الولاء للمرشد.

لم يكن الصراع في جوهره صراعا على السلطة بل صراعا على هوية الدولة. جماعة الإخوان لم تكن تسعى إلى حكم مدني في دولة مؤسسات ، بل كانت تقود مصر نحو نموذج شمولي موازٍ ، يُقلّد تجارب الخارج ، حيث تُستبدل الدولة بالحركة والسيادة بالسمع والطاعة والقانون بفكرة التنظيم.

خططت الجماعة لإعادة صياغة الدولة المصرية من الداخل: تفكيك مؤسساتها زرع الولاء داخل أجهزتها ، وخلق جهاز موازٍ يمتد من التعليم إلى الإعلام ومن القضاء إلى الأمن. وتكشفت لاحقا معلومات مؤكدة كانت أجهزة الدولة ترصدها في صمت عن إنشاء ما يشبه حرسا ثوريا مصريا ، نسخة محلية تعتمد على مجموعات مدرّبة ، أُعدّت بسرية في سيناء وغيرها وكان الهدف تأسيس جيش داخل الجيش ودولة داخل الدولة.

لم تكن تلك الهواجس نظرية. بل كانت خطوات حقيقية جارية ، مدفوعة بوهم «التمكين» وبدعم خارجي وأجندة إقليمية، تؤمن بأن مصر يمكن احتواؤها في مشروع أكبر يتجاوز الجغرافيا ويعيد صياغة التاريخ وفق قراءة مؤدلجة لا تعترف بالأوطان ، بل بالجماعات العابرة.

لكن مصر ليست دولة حديثة الولادة حتى تنجرف في هذا المسار. الدولة المصرية التي عبرت قرونا من التحولات احتفظت في ذاكرتها الجماعية بمناعة تاريخية ضد الاختطاف ويقظة مؤسساتها السيادية كانت السد الأول. ومع ذلك فإن العامل الحاسم كان الشعب.

في 30 يونيو خرج ملايين المصريين لا يطلبون خبزا أو وقودا أو رواتب بل يطلبون استرداد الوطن. كانوا يدركون بحسّهم الفطري أن الخطر يتجاوز الحكومة ويتجاوز الرئيس ، ليصل إلى مصير الدولة نفسها. كانت مواجهة بين من يريد لمصر أن تكون جمهورية وطنية تقف على قدمين من التاريخ والمؤسسات ، وبين من يريدها كيانا تابعا لتنظيم فوق الدولة.

واليوم بعد أكثر من عشر سنوات يمكننا أن ننظر إلى المشهد بعيون باردة. ماذا لو لم تحدث 30 يونيو؟ ماذا لو استمر المشروع؟ انظروا إلى دول شقيقة وقعت في قبضة الميليشيات، وسُلّمت لحكومات ظل وأصبحت مسرحا لتصفية الحسابات الإقليمية.

مصر نجت لأنها قررت أن تُدير نفسها من داخلها. لأنها رفضت أن تتحول إلى ولاية في مشروع أيديولوجي. ولأن الملايين التي خرجت في 30 يونيو لم تكن تصنع حدثا سياسيا بل تصوغ مستقبلا وتقطع الطريق على كابوس اسمه “جمهورية التنظيم”.

الدروس لا تنتهي. فالأفكار لا تموت ، بل تعود بأقنعة جديدة. وما أسقطته مصر في 30 يونيو يجب أن يبقى حيا في الوعي ، لأن بعض الأحلام لا تموت ، وبعض الكوابيس تُخفي نفسها حتى تتسلل من جديد. واليقظة هي الضمانة.

في النهاية مصر لا تُدار من كهوف التنظيمات ولا تُحكم بالوصاية بل تُصان بإرادة شعبها وتحيا بمؤسساتها الوطنية وتحميها أعين لا تنام وجيش لا ينكسر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى