
كلما اشتدّت نيران الأزمات في الشرق الأوسط وارتفعت سحب الدخان فوق غزة أو لبنان أو اليمن ، تجد مصر في الواجهة… لا ترفل في الحياد ولا تلوذ بالصمت بل تتحرّك وتبادر وتدفع — لكنها في النهاية تُحاسَب!
لماذا تُلام القاهرة كلما تحرّكت؟ ولماذا يبدو أن بعض الأصوات لا تتحمّل فكرة أن مصر ما زالت تقوم بدورها رغم كل ما تكلّفته ورغم ما يُراد لها من حصار معنوي وسياسي؟!
ليست القاهرة دولة تبحث عن النفوذ في الظلال ولا تمارس السياسة من خلف ستار. منذ لحظة تأسيس الدولة الوطنية الحديثة ومصر في قلب كل معادلة عربية تشارك وتدفع وتتحمّل وتُتّهم!
خذ مثلا القضية الفلسطينية. كم مرة خاضت مصر حربا دفاعا عن هذا الملف؟ كم شهيدا سقط؟ كم مبادرة خرجت من القاهرة؟ كم جولة مفاوضات استضافتها؟ ومع ذلك لا يزال البعض يتعامل مع الدور المصري كأنه ترف أو مصلحة لا كواجب تاريخي وأخلاقي وأمني!
في غزة اليوم ومع اشتداد القصف وانهيار كل جسور الحياة، من الذي يفتح البوابة؟ من الذي يُدخل الغذاء والدواء؟ من الذي يدير التوازنات الدقيقة بين الأطراف المتنازعة دون أن يتورّط أو ينهار؟ إنها مصر مرة أخرى تمد يدها رغم الخناجر!
المثير في المشهد أن من يهاجمون القاهرة لا يقدمون شيئا حقيقيا. لا دعم ولا بدائل ولا حتى موقفا واضحا. فقط شعارات مرتفعة ومزايدات في الفضاء الإلكتروني وعبارات تُطلق من خلف شاشات بينما القاهرة وحدها تتحرّك على الأرض.
قد لا تُرضي تحركات مصر الجميع وربما لا تُناسب حسابات البعض لكنها تحركات تستند إلى مبادئ واضحة: لا للتهجير لا للتفريط لا للتواطؤ. الدولة الفلسطينية حق لا يُساوم عليه والأمن القومي المصري خط أحمر لا يُمس.
الهجوم على مصر ليس جديدا ولن يتوقف. فدورها الإقليمي يزعج من يسعى لتفكيك المنطقة أو إعادة رسم خرائطها بعيدا عن العمق التاريخي والجغرافي والثقافي الذي تمثله القاهرة.
لكن ما يجب أن يُقال بصوتٍ عالٍ وواضح أن مصر ليست دولة تُبتز ولا تتحرك تحت الضغط. الدولة التي حافظت على توازنها وسط العواصف قادرة على أن تدافع عن قراراتها دون أن تصرخ وعلى أن تؤدي دورها دون أن تتوسل التصفيق.
ولعل السؤال الأهم ليس: لماذا تتحرّك مصر؟ بل: ماذا لو لم تتحرك؟!
حين تغيب القاهرة عن المشهد يختل التوازن وتُفتح أبواب العبث. هذا هو جوهر الأزمة التي لا يريد البعض أن يعترف بها: أن مصر بحجمها وتاريخها وموقعها باقية في صدارة المشهد، رغم محاولات التهميش والتشويه.
لقد اختارت مصر ألا تكون متفرجا في زمن الاحتراق.وألا تساوم حين تُعرض القضية في مزادات السياسة. وهذا وحده يكفيها شرفا.
حفظ الله مصر، وجيشها، وشعبها.