شحاتة زكريا يكتب: “قطايف” ودراما رمضان.. صراع المعنى وسط الزحام

رمضان هو الشهر الذي يترقبه الجميع ليس فقط بروحانياته وعباداته ، بل أيضا بما يحمله من زخم درامي يشكل جزءا من طقوسه الاجتماعية. على مدار سنوات أصبحت دراما رمضان صناعة قائمة بذاتها ، تتنافس فيها القنوات والشركات الإنتاجية على جذب المشاهدين من خلال أعمال تتفاوت بين الأكشن والتشويق والكوميديا والدراما الاجتماعية. لكن وسط هذا الكم الهائل من المسلسلات.ظهر برنامج صغير هادئ مثل “قطايف” للفنان سامح حسين ليكسر القاعدة ويثبت أن المحتوى لا يحتاج إلى صخب ليصل إلى الجمهور.
هذا العام جاءت الدراما الرمضانية محملة بنفس القوالب التي اعتدناها قصص تدور حول الصراعات العائلية المؤامرات، قصص الانتقام، وأعمال مستوحاة من الواقع أو التاريخ ، مع التركيز على الإثارة والمفاجآت لضمان بقاء المشاهد مشدودا حتى آخر لحظة. بعض المسلسلات اعتمدت على نجوم الصف الأول ، بينما راهنت أخرى على قصص اجتماعية قريبة من الجمهور لكن رغم تنوع الطرح ظل السؤال قائما: هل تقدم هذه الدراما جديدا بالفعل؟ أم أنها تعيد تدوير نفس الأفكار مع تغييرات طفيفة في الشكل؟
وسط كل هذا جاء “قطايف” بلا ميزانية ضخمة بلا أبطال من الوزن الثقيل ، بلا معارك درامية أو صراعات مفتعلة. مجرد برنامج مدته عشر دقائق يروي خلاله سامح حسين حكايات بسيطة مستوحاة من التراث الشعبي أو القيم الإنسانية التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية. لا يعتمد على بهرجة الصورة أو تعقيد السيناريو بل يركز على الفكرة والمغزى وهذا ما جعله يحقق نجاحا فاق التوقعات. المفارقة أن برنامجًا بهذه البساطة استطاع أن يجذب المشاهدين أكثر من بعض المسلسلات التي صُرفت عليها ملايين الجنيهات.
النجاح الذي حققه “قطايف” يعكس حقيقة مهمة وهي أن الجمهور ليس كما يظن البعض ، يبحث فقط عن الترفيه السطحي. المشاهد قد ينجذب إلى الأكشن والمؤثرات البصرية لكنه في النهاية يريد شيئا يلمسه فكرة تجعله يفكر أو رسالة تصل إليه دون تعقيد. هنا يظهر الفرق بين محتوى مصنوع بحرفية لكنه بلا روح ، وبين عمل بسيط لكنه يحمل صدقًا يجعله يترك أثرًا في القلوب.
هذا العام ورغم العدد الكبير من المسلسلات المعروضة، نجد أن بعضها لم يستطع تحقيق النجاح المتوقع، ربما بسبب التكرار ، وربما لأن القصص لم تعد تحمل عنصر المفاجأة أو الجذب. هناك أعمال حاولت تقديم دراما مختلفة ، لكنها وقعت في فخ الاستسهال فبدت وكأنها إعادة إنتاج لأعمال سابقة مع تعديلات بسيطة. في المقابل استطاع “قطايف” أن يصبح حديث الجمهور ، لأنه نجح فيما فشلت فيه كثير من المسلسلات: تقديم محتوى بسيط لكنه ممتع وملهم في الوقت نفسه.
الرسالة التي يمكن استخلاصها من هذا المشهد أن الجمهور لديه القدرة على التمييز بين ما هو مصنوع لإثارة الضجة، وما هو مصنوع ليبقى. قد ينجذب البعض في البداية إلى المسلسلات التي تقدم مشاهد مثيرة، أو حوارات نارية، لكنها تظل لحظات عابرة في الذاكرة، بينما تظل الأعمال التي تحمل قيمة ورسالة راسخة في الوجدان. ربما يكون درس “قطايف” لصناع الدراما هذا العام أن النجاح لا يُقاس فقط بعدد المشاهدات أو الميزانية المصروفة بل بما يتركه العمل من أثر في النفوس.
في النهاية يظل رمضان موسما فريدا يجمع بين الروحانيات والفن والتقاليد الاجتماعية، ويبقى السؤال مطروحا كل عام: هل ستتغير معادلة الدراما في المواسم القادمة؟ هل سيستفيد صناع المحتوى من تجربة “قطايف” لخلق أعمال أكثر صدقًا وعمقًا؟ أم ستظل الدراما الرمضانية في دوامة التكرار تبحث عن النجاح في الإثارة أكثر من الفكرة؟ الأيام وحدها ستجيب لكن المؤكد أن هذا العام كشف بوضوح أن المعنى لا يحتاج إلى صخب ليصل بل يحتاج فقط إلى الصدق والبساطة.