مقالات

شحاتة زكريا يكتب: حرب الروايات.. من يكتب تاريخنا ومن يرويه

في عصرنا الحديث أصبحت رواية التاريخ أمرا محوريا في تحديد هوية الشعوب. ليس التاريخ مجرد سرد للأحداث التي وقعت، بل هو في كثير من الأحيان أداة لتشكيل الوعي الجماعي للأمة

.ولكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: من يكتب تاريخنا؟ ومن يروي لنا القصص التي تشكل فهمنا للعالم الذي نعيش فيه؟ وهل يمكن أن يكون التاريخ مجرد انعكاس للواقع أم أنه يتأثر بالصراعات التي تتم على السلطة والنفوذ؟تاريخنا ليس ثابتا أو جامدا بل هو مجال يتعرض للتأويل والتفسير المستمر. الأحداث التي تصنع التاريخ يمكن أن تُقرأ بطرق متعددة حسب خلفياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية. فكل مجتمع يروي تاريخا يتناسب مع مصالحه ورؤيته للعالم. من هنا تبدأ “حرب الروايات” حيث تتنافس قصص الماضي وتتحارب من أجل مكانها في الذاكرة الجماعية.

المؤسسات الرسمية مثل الحكومات والمنظمات التعليمية والإعلامية.تلعب دورا كبيرا في تحديد السرد التاريخي الذي يتعلمه الناس. في كثير من الأحيان هذا السرد لا يكون محايدا بل قد يكون محملا بالتحيزات السياسية أو الإيديولوجية. فالرواية الرسمية هي التي تسهم في تشكيل صورة الأبطال والخونة والحروب والمقاومات وأوقات الازدهار والدمار.

في المقابل توجد الروايات الشخصية أو المجتمعية التي قد لا تجد لها مكانا في السرد الرسمي ، لكنها تبقى جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الحية للأمة. هذه الروايات لا تعتمد على القوة أو النفوذ لكنها تأتي من القلوب والعقول التي تعيش الأحداث مباشرة. ربما لا تملك هذه القصص مكانا في كتب التاريخ لكنها تظل حية في الأجيال وتظل تساهم في تشكيل رؤية الأفراد.

الصراع حول “من يكتب التاريخ” ليس مجرد صراع بين الأشخاص أو الحكومات بل هو صراع ثقافي سياسي وفكري. فكل مجموعة تتنافس على فرض رؤيتها للعالم ورؤيتها لما حدث في الماضي وكيف يجب أن يؤثر على الحاضر والمستقبل. في هذا السياق التاريخ يصبح أكثر من مجرد حدث بل هو أداة للسيطرة على الذاكرة الجماعية التي بدورها تؤثر على الاتجاهات المستقبلية للأمم.

لكن هذا التنافس لا يجب أن يكون مدمرا بل بالعكس.يمكن أن يؤدي إلى تشكيل رؤية أوسع وأشمل للتاريخ تكون قادرة على احتضان التعدد والتنوع. التاريخ الذي نعيشه اليوم لا ينبغي أن يُكتب برؤية ضيقة أو محدودة بل يجب أن يعكس تعددية التجارب الإنسانية. فالأحداث التاريخية ليست مجرد معركة بين “الصواب والخطأ”، بل هي عبارة عن تفاعل معقد بين العوامل الثقافية الاجتماعية والسياسية التي شكلت مسار الأمم.

في نهاية المطاف من المهم أن نتذكر أن التاريخ ليس مجرد سرد للوقائع بل هو عملية مستمرة من الفهم والتفسير. وعليه فإن “حرب الروايات” يجب أن تكون دعوة لإعادة التفكير في الطريقة التي نكتب بها تاريخنا وكيف نروي القصص التي تحدد من نحن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى