شحاتة زكريا يكتب: الرسوم الجمركية الأمريكية.. من الأزمة إلى الفرصة المصرية

القرارات التي تصدر من خلف المحيط لا تمر مرور الكرام على ضفاف المتوسط. حين تعلن الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على واردات صينية فالأمر لا يتعلق فقط بمناوشة اقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم بل بإعادة تشكيل لخريطة التجارة الدولية برمتها. وقد تبدو مصر لأول وهلة بعيدة عن ميدان هذه المعركة لكن الواقع أن في قلب كل أزمة عالمية ، فرصة كامنة تنتظر من يلتقطها.
الولايات المتحدة تسعى من خلال قراراتها الأخيرة إلى تقليص الاعتماد على الصين كمصدر أساسي للمنتجات الصناعية ، خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا والمعادن والطاقة النظيفة. هذا التحول الجيو-اقتصادي يدفع شركات كبرى إلى البحث عن بدائل جديدة للإنتاج والتوريد خارج الصين. وهنا تطرح مصر نفسها كخيار محتمل ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الفريد ولكن أيضا لما تمتلكه من اتفاقيات تجارة حرة تمتد من إفريقيا إلى أوروبا .. ومن العالم العربي إلى أسواق آسيوية ناشئة.
ليست المسألة رفاهية تحليلية بل واقع تفرضه الأرقام والتحركات على الأرض . شركات بدأت بالفعل تحويل خطوط إنتاجها إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند والمكسيك هربا من التعقيدات الأمريكية-الصينية. وإذا لم تتحرك مصر سريعا ، فستفوتها الفرصة للدخول إلى هذه الساحة الجديدة التي تُعاد صياغتها بمعايير مختلفة. الأبواب التي تُغلق في وجه الصين ، ليست بالضرورة أبوابا مغلقة أمام الجميع. لكنها تحتاج إلى من يملك الشجاعة ليطرقها في التوقيت الصحيح وباللغة الاقتصادية التي تفهمها الأسواق.
مصر تمتلك المقومات لكنها بحاجة ماسة إلى التفعيل. البيئة الاستثمارية ما زالت تعاني من تعقيدات والإجراءات البيروقراطية تقف أحيانا عائقا أمام رأس المال الجاد. إذا أردنا أن نكون بديلا حقيقيا في سلاسل التوريد العالمية، فعلينا أن نغير من داخلنا قبل أن نطلب من العالم أن ينظر إلينا بشكل مختلف. التحول هنا ليس مجرد رغبة بل ضرورة اقتصادية تفرضها التحولات العالمية. والاستثمار في البنية التحتية، والتدريب، والحوكمة، لم يعد ترفا، بل أولوية أولى.
الفرصة أيضا تمتد إلى الصناعة المحلية التي تستطيع أن تملأ الفراغ الناتج عن تراجع بعض الواردات ، سواء من الصين أو غيرها. فبدلا من انتظار ما يُستورد لماذا لا نصنعه؟ وإذا كانت الأسواق الكبرى تبحث عن موردين جدد فلِمَ لا نكون نحن أحد هؤلاء؟ من الإلكترونيات إلى الصناعات الغذائية من الغزل والنسيج إلى المستحضرات الطبية أمامنا قطاعات كاملة يمكن أن تعيد اكتشاف نفسها إذا أحسنا قراءة المشهد.
التاريخ يعلمنا أن لحظات التحول الكبرى لا تأتي كثيرا. وما نراه اليوم هو واحدة من تلك اللحظات التي تُمنح فيها الدول فرصة نادرة لتغيير موقعها في الخريطة الاقتصادية العالمية. لكن الفُرص كما الأزمات لا تنتظر المترددين. المطلوب الآن ليس فقط أن نقرأ الواقع بل أن نتحرك وفقا له بخطى واضحة وخطة مرنة وعقل منفتح.
قد تكون أمريكا أغلقت بابا ، لكنها بذلك فتحت نوافذ كثيرة في جدران اقتصادات نامية تبحث عن مكان تحت الشمس. والسؤال الآن: هل نحن مستعدون لنقفز من إحدى هذه النوافذ قبل أن تُغلق هي الأخرى؟