شحاتة زكريا يكتب: الجمهورية الثانية.. هل نصنع المستقبل أم نكرر الماضي؟

لطالما كانت التحولات الكبرى في تاريخ الأمم لحظات اختبار حقيقية تُعيد رسم ملامح الحاضر وترسم خطوط المستقبل. والجمهورية الثانية التي نعيش إرهاصاتها اليوم ليست استثناءً بل هي نتاج مخاض طويل من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن السؤال الأهم: هل نحن بصدد إعادة إنتاج الماضي بوجه جديد أم أن هذه الجمهورية تحمل مشروعًا حقيقيًا لصناعة المستقبل؟
إذا كانت الجمهورية الأولى قد قامت على إرث تاريخي متشابك حيث اختلطت التجربة الديمقراطية الناشئة بالسلطة المركزية القوية فإن الجمهورية الثانية تواجه تحديًا مزدوجًا: تجاوز أخطاء الماضي وبناء نموذج جديد أكثر استدامة وعدالة. لكن أي جمهورية لا تُعرَّف فقط عبر هياكل الحكم بل من خلال قدرتها على تحقيق تطلعات مواطنيها في الحرية والعدالة والتنمية.
إن البناء السياسي في هذه المرحلة يجب ألا يقتصر على إعادة ترتيب المشهد القديم بل يحتاج إلى رؤية متجددة تعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع. الديمقراطية ليست شعارات تُرفع بل هي ممارسات تُرسخ تبدأ من احترام التعددية السياسية وتمر بضمان استقلالية المؤسسات ولا تنتهي عند تكريس سيادة القانون على الجميع. فالتجربة أثبتت أن أي نظام يُعيد إنتاج نفسه دون تطوير حقيقي مصيره الجمود ثم التآكل من الداخل.
على الصعيد الاقتصادي التحدي أكبر. فالجمهورية الثانية لا يمكنها الاستمرار في الاعتماد على نماذج الاقتصاد الريعي أو السياسات المالية المؤقتة. نحن بحاجة إلى اقتصاد إنتاجي حقيقي قادر على المنافسة العالمية يُحفّز الابتكار ويوفر فرصًا حقيقية للأجيال القادمة. ولعل السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: هل نملك الشجاعة لإحداث تغيير جذري في سياساتنا الاقتصادية أم أننا سنظل ندور في فلك الحلول المؤقتة؟
ثم هناك البُعد الاجتماعي وهو حجر الزاوية في أي تحول حقيقي. لا يمكن لجمهورية أن تستمر دون عقد اجتماعي جديد يُعيد التوازن بين الحقوق والواجبات ويضمن توزيعًا أكثر عدالة للفرص والثروات. الفجوة بين النخبة وبقية المجتمع ليست مجرد خلل اقتصادي بل هي قنبلة موقوتة تهدد استقرار أي دولة.
إن بناء الجمهورية الثانية ليس مجرد انتقال شكلي في الهياكل بل هو امتحان حقيقي لمدى قدرتنا على التعلم من دروس الماضي. النجاح لن يكون في الخطابات الرنانة ولا في تغيير المسميات بل في مدى قدرتنا على صناعة نموذج جديد أكثر شفافية أكثر عدالة وأكثر قدرة على الصمود في وجه التحديات.
فالسؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم: هل نحن مستعدون فعلا لصناعة المستقبل أم أننا سنكرر الماضي بوجه جديد؟