شحاتة زكريا يكتب: الثورة الرقمية.. ملامح عصر جديد في الشرق الأوسط

عندما نتحدث عن الثورة الرقمية ، فإننا لا نتحدث فقط عن تقنيات مبتكرة أو أجهزة حديثة بل عن تغييرات جذرية تعيد تشكيل العالم كما نعرفه. الشرق الأوسط الذي لطالما كان مهد الحضارات ومركزا للتجارة والثقافة يجد نفسه اليوم في قلب هذه التحولات الرقمية التي تعد بإعادة رسم خرائط الاقتصاد والمجتمع والسياسة.
في السنوات الأخيرة أصبحت الرقمنة محورا أساسيا لدول المنطقة ، التي تسعى جاهدة للانتقال من الاقتصادات التقليدية إلى اقتصادات معرفية تعتمد على التكنولوجيا والابتكار. عام 2025 يمثل نقطة تحول تاريخية حيث تتسارع الجهود لتعزيز بنية تحتية متطورة تدعم شبكات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء ، ما يفتح المجال أمام تطبيقات لم تكن في الحسبان من قبل. هذا التحول ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق تطلعات الشعوب.
في مصر على سبيل المثال تتجلى رؤية طموحة من خلال مشاريع التحول الرقمي ورؤية 2030 التي تهدف إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة. يتمثل هذا في إطلاق خدمات الجيل الخامس ، التي تعزز الابتكار في قطاعات مثل التعليم والصحة والطاقة، وتتيح تطبيقات متقدمة ، مثل الألعاب السحابية والواقع المعزز. هذه الجهود لا تقتصر على تعزيز البنية التحتية بل تمتد إلى بناء جيل جديد من الكفاءات التي تقود مستقبل التكنولوجيا.
وعلى الصعيد الإقليمي تُظهر دول الخليج التزاما قويا بالتحول الرقمي. الإمارات والسعودية على سبيل المثال، تقودان مسيرة الابتكار من خلال استثمارات ضخمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل (البلوك تشين). هذه التقنيات لا تعيد تعريف الطريقة التي نعيش ونعمل بها فحسب بل تلعب أيضا دورا محوريا في تحسين كفاءة المؤسسات وتقليل البصمة الكربونية، وهو ما يتماشى مع أهداف الاستدامة العالمية.
لكن وسط هذا الزخم التكنولوجي يبرز تحدٍ أساسي: كيف يمكن ضمان أن تكون هذه الثورة الرقمية شاملة وعادلة؟ فلا يمكن للتكنولوجيا أن تكون محركا للتقدم إذا كانت تستثني فئات معينة من المجتمع. التحدي يكمن في سد الفجوة الرقمية التي تفصل بين المناطق الحضرية والريفية ، وبين الفئات الاقتصادية المختلفة. إن تحقيق التحول الرقمي الكامل يتطلب إرادة سياسية قوية، واستثمارات متواصلة في التعليم والبنية التحتية.
التكنولوجيا ليست مجرد وسيلة لتحقيق الرفاهية؛ إنها أداة تمكين تتيح فرصا جديدة للأفراد والشركات. ولكن مثلما تفتح التكنولوجيا الأبواب أمام الابتكار ، فإنها تحمل أيضًا مخاطر جديدة. الأمن السيبراني، الخصوصية، وتأثير التكنولوجيا على سوق العمل هي قضايا تحتاج إلى معالجة فورية لضمان أن تكون الثورة الرقمية قوة إيجابية للجميع.
ختامًا، عام 2025 ليس مجرد بداية عقد جديد ، بل بداية عصر جديد في الشرق الأوسط. عصر تقوده التكنولوجيا وتحكمه المعرفة ، ويُبنى على الابتكار. ومع استمرار الدول في احتضان الثورة الرقمية يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن المنطقة من تحويل هذه الفرصة التاريخية إلى قصة نجاح تُلهم العالم؟ الإجابة تعتمد على مدى قدرتنا على التكيف، الابتكار وتحقيق رؤى التنمية المستدامة التي تلبي طموحات الشعوب.