الأخبارتقارير

سي إن إن: لماذا يسعى ترامب إلى إقناع العالم بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني؟

متابعة: رحمه حمدى

نشرت “سي إن إن” تقريرًا تتساءل فيه عن سبب إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إقناع العالم بأن الضربات الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني قد حققت نجاحًا كاملًا، رغم وجود تقارير استخباراتية تشير إلى أن الأضرار التي لحقت بإيران قد لا تكون بالحجم الذي يدعيه البيت الأبيض.

فما الأسباب التي تدفع ترامب إلى التمسك بهذه الرواية؟ وهل يتعلق الأمر باستراتيجيته السياسية، أم بمحاولة تجنب مواجهة عسكرية أوسع؟ التقرير يكشف أن الإجابة قد تكون مزيجًا من الاثنين، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات حول مصداقية البيانات المقدمة من الإدارة الأمريكية.

هناك سببان رئيسيان يدفعان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعي لجعل العالم يصدق مزاعمه بأن البرنامج النووي الإيراني قد تم القضاء عليه. السبب الأول يتعلق بطبيعة رئاسته، المصممة لتعكس صورة الشخصية القوية التي لا تُهزم، مما يعزز سردية القيادة الجريئة والفريدة التي لا تخطئ. أي معلومات تتعارض مع هذه الرواية تكون غير مرغوبة، لأنها تهدد الصورة التي يريد ترامب تقديمها عن نفسه.

أما السبب الثاني، فهو أن أي دليل يشير إلى أن إيران ما زالت قادرة على تصنيع أسلحة نووية، أو أنها قد تعيد تشغيل برنامجها بعد الغارات الجوية الأمريكية، سيطرح سؤالًا محرجًا: هل يتعين على الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية مرة أخرى لإنهاء المهمة، ومواجهة أي تقدم إيراني مستقبلي بمزيد من الضربات؟ مثل هذا السيناريو قد يفتح الباب أمام سنوات من المواجهات شبه الحتمية مع إيران، وهو ما لا يرغب ترامب في الدخول فيه، لأنه يزيد من خطر تصاعد الصراع إلى نطاق أوسع، كما أنه قد يثير استياء قاعدة مؤيديه الذين ينادون بشعار “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.

في الوقت نفسه، يواجه ترامب وكبار مستشاريه انتقادات متزايدة بسبب تقارير استخباراتية أولية تشير إلى أن الضربات الأمريكية على ثلاث منشآت إيرانية لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي، بل ربما أعادته إلى الوراء بضعة أشهر فقط. وقد رد ترامب بغضب، واصفًا الغارات بأنها ناجحة للغاية خلال مؤتمر صحفي في قمة حلف الناتو، قائلاً إنه لم يكن بمقدور أي جيش آخر في العالم تحقيق ما حققته الولايات المتحدة.

وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغزيث هاجم بدوره وسائل الإعلام، وخاصة شبكتي سي إن إن ونيويورك تايمز، بعد نشرهما التقرير الاستخباراتي، واتهمهما بالسعي إلى استغلال القضية لأغراض سياسية وإلحاق الضرر بالرئيس ترامب والبلاد، دون الاكتراث بآراء القوات العسكرية. هذا النوع من الخطاب العدائي يعكس الحماسة التي جعلت ترامب يختار هيغزيث لمنصبه الحالي بعد انتقاله من قناة فوكس نيوز إلى رئاسة البنتاغون.

من جانبهم، حاول مسؤولو البيت الأبيض تعزيز الرواية الرسمية من خلال الاستشهاد بتصريحات لمسؤولين آخرين، مثل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي قال إن البرنامج النووي الإيراني تعرض لأضرار منهجية وسيحتاج إلى سنوات للتعافي. كما أصدر مدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف بيانًا ذكر فيه أن الوكالة لديها أدلة على أن البرنامج تعرض لأضرار بالغة. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات، رغم أنها تشير إلى ضربة قاسية لإيران، لا تدعم حتى الآن مزاعم ترامب الواسعة بأن البرنامج قد دُمر بالكامل.

استراتيجية ترامب المألوفة: صناعة الروايات بغض النظر عن الأدلة

تتبع إدارة ترامب استراتيجية معتادة، وهي صياغة رواياتها الخاصة، سواء وُجدت أدلة تدعمها أم لا. وقد أظهر الرئيس نجاحه في ذلك من خلال مزاعمه غير المثبتة حول تزوير انتخابات 2020. وإذا اقتنع العالم بأن البرنامج النووي الإيراني قد دُمر، وأن جميع المصادر التي تشير إلى عكس ذلك غير موثوقة، فسيكون لدى ترامب مبرر لعدم اتخاذ أي إجراءات إضافية.

لماذا تُعد الانتصارات المبكرة لترامب ضارة؟

المعلومات الاستخباراتية بطبيعتها غامضة، وقد تستغرق التقييمات النهائية حول مدى تأثير الضربات على البرنامج النووي الإيراني شهورًا. كما أن الإدارة قد تمتلك معلومات إضافية غير معلنة لأسباب أمنية. لكن رد الفعل المبالغ فيه من البيت الأبيض، بدلاً من انتظار تقييم دقيق، أدى إلى تفاقم الجدل. فقد أعلن ترامب نجاح الضربات بشكل كامل بينما كانت الطائرات لا تزال في الجو، مما جعل أي دليل مخالف يبدو كتراجع محرج وتحديًا لمصداقيته.

لكن التصعيد العاطفي في مواجهة الأسئلة المشروعة حول مدى تدمير البرنامج النووي الإيراني جعل البيت الأبيض يبدو في موقف دفاعي، مما أثار الشكوك حول مصداقيته. كما أن هذا الجدل يحجب الجوانب الإيجابية للعملية العسكرية، مثل تنفيذ غارة دقيقة دون خسائر بشرية أمريكية، والضغط الناجح على إسرائيل وإيران لوقف القتال، وتجنب الانجرار إلى حرب أوسع.

كما طغى الجدل حول إيران على إنجاز آخر حققه ترامب في قمة الناتو، حيث حصل على التزام من الدول الأعضاء بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. ورغم صعوبة تحقيق هذا الهدف، فإنه يعد تقدمًا لم يحققه أي رئيس أمريكي سابق.

إخفاء الأسئلة الصعبة بدلاً من الإجابة عليها

على عكس اتهامات هيغزيث، فإن نشر معلومات مؤكدة من داخل الإدارة، والتي تشكك في مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني، ليس عملاً غير وطني. كما أن أحدًا لا ينتقد الطيارين الذين نفذوا المهمة ببراعة، بل إن التغطية الإعلامية أشادت بهم.

القضية الحقيقية هي ما إذا كانت القنابل الأمريكية اخترقت بالفعل منشأة فوردو النووية المحصنة تحت مئات الأقدام من الصخور، ودمرت أجهزة الطرد المركزي. كما أن السؤال الأهم هو ما إذا كان ترامب يفي بمسؤولياته كرئيس إذا تجاهل أي أدلة على أن الأهداف لم تتحقق بالكامل.

الرد العنيف من الإدارة على التقرير الاستخباراتي الأولي يثير مخاوف أخرى، وهي أن الإدارة قد تضغط على مجتمع الاستخبارات لتعديل تقاريره بما يتماشى مع الأجندة السياسية. مثل هذا السلوك كان له عواقب كارثية على الأمن القومي الأمريكي في الماضي، وهو مصدر قلق كبير في ظل إدارة تقوم بتسييس أجهزة الاستخبارات وتعيين مسؤولين يتبنون آراء الرئيس.

التداعيات المستقبلية: بين الحرب والدبلوماسية

إذا أظهرت التقارير المستقبلية أن البرنامج النووي الإيراني لم يُدمر بالكامل، فسيواجه ترامب أزمة سياسية ودبلوماسية. فبعد استخدام القوة العسكرية، أصبح ملزمًا بمعيار جديد: إذا ظهرت أدلة موثوقة على أن إيران حافظت على أجزاء من برنامجها، سواء أجهزة طرد مركزي أو مخزون يورانيوم مخصب، فقد يضطر إلى اتخاذ إجراءات عسكرية جديدة، مما قد يؤدي إلى حرب ممتدة أو صراع أوسع في الشرق الأوسط، وهو ما تعهد بتجنبه.

هناك سابقة لمثل هذه الحروب الطويلة، مثل فرض مناطق حظر الطيران في العراق بعد حرب الخليج عام 1991، والتي استمرت لأكثر من عقد.

أما على الصعيد الدبلوماسي، فإن عدم اليقين حول مصير البرنامج النووي الإيراني قد يعقد الجهود للتوصل إلى حل سلمي. فقد أعلن ترامب أن مفاوضين أمريكيين وإيرانيين سيجتمعون الأسبوع المقبل، بينما قال مبعوثه الخاص إن الرئيس يبحث عن “اتفاق سلام شامل” مع إيران يتجاوز الملف النووي. إذا نجح ترامب في إنهاء العداء مع إيران بعد 45 عامًا، خاصة بعد الضربة العسكرية، فسيكون ذلك إنجازًا كبيرًا في إرثه.

لكن هذه الآمال تعتمد على عوامل خارجة عن سيطرة الولايات المتحدة، مثل التطورات داخل النظام الإيراني المعقد، وقوى مثل الحرس الثوري التي قد تقاوم أي تغيير يهدد مصالحها. بل إن بعض الخبراء يعتقدون أن الهجوم الأمريكي والإسرائيلي قد يدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي كضمان لبقاء النظام.

في النهاية، خفف ترامب من توقعات التوصل إلى اتفاق دائم مع إيران، قائلاً إنه غير مهتم بالضرورة بتوقيع أي اتفاق، وإن بيانًا إيرانيًا بعدم سعيها للأسلحة النووية قد يقوض مزاعمه بأن البرنامج قد دُمر.

قد لا تُعرف الحقيقة الكاملة إلا بعد أشهر، لكن المفارقة الكبرى ستكون إذا قامت إدارة ترامب، بعد 20 عامًا من حرب العراق التي بدأت بناءً على معلومات استخباراتية مشكوك فيها، بتشويه تقارير استخباراتية أخرى هذه المرة لإخفاء حقيقة البرنامج النووي الإيراني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى