
متابعة: رحمه حمدى
نشرت سي إن إن، أمس الإثنين، تقرير بعنوان ” ترامب دفع الاقتصاد الأميركي إلى حافة الأزمة في 100 يوم فقط”
تناولت فيه، السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل من فرض ترامب لتعريفات جمركية عالية على بعض الدول، وردود الفعل السلبية وتراجع ثقة المستهلكين إلى مستويات قريبة من الركود والانتقادات القانونية لاستخدامه سلطات الطوارئ لفرض التعريفات دون موافقة الكونجرس.
إلى جانب تسببه في توتر العلاقات مع الدول الاخرى التى كانت تعتبر حليف أول لأمريكا مثل الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى مثل الصين التى ترى سياساته “عدوانية”.
أول 100 يوم له بعد عودته إلى البيت الأبيض، قاد دونالد ترامب الاقتصاد الأمريكي – الذي كان يُحسد عليه عالميًا – إلى حافة الهاوية، مما هدد سمعة الولايات المتحدة كملاذ آمن للاستثمارات، وزاد من مخاوف الناخبين الذين بدأوا يفقدون الثقة في قيادته.
كان الأمريكيون يأملون في تخفيف أعباء ارتفاع أسعار الغذاء، فصدقوا وعود ترامب بجعل “أمريكا في متناول الجميع” مرة أخرى بعد انتخابات نوفمبر 2024، مدفوعين بحنينهم إلى اقتصاد ما قبل الجائحة في عهده الأول. لكن ترامب، وبإصرارٍ منفرد، تبني سياسات من شأنها أن ترفع الأسعار أكثر، وتُقلص المعروض من السلع، وتُربك الشركات الكبرى والصغيرة على حد سواء، مما يزيد مخاطر الانزلاق نحو ركود اقتصادي.
يحاول ترامب تنفيذ أكبر تحول جذري في الاقتصادين الأمريكي والعالمي منذ عقود، مُصرًا على أنه قادر على إحياء “العصر الذهبي” للقرن التاسع عشر عبر فرض تعريفة جمركية عدوانية لسحق المنافسين. لكن الرئيس، الذي أمضى وقتًا في لعب الجولف بينما كانت مدخرات التقاعد للعمال تتراجع، بدا غير مبالٍ بقلق الأمريكيين – من كبار المستثمرين إلى المواطنين العاديين الذين يشعرون بتأثير سياساته منذ الأيام الأولى لحكمه.
الانعكاسات الاقتصادية: من الأسواق إلى سلاسل التوريد
– انخفضت تريليونات الدولارات من قيمة الأسهم العالمية.
– شركات الطيران ألغت رحلاتها، والشركات الكبرى خيبت توقعاتها السنوية.
– بعض متاجر التجزئة توقفت عن بيع البضائع الصينية بسبب التعريفات.
– صندوق النقد الدولي خفض توقعات النمو للولايات المتحدة.
– الاحتياطي الفيدرالي حذر من تباطؤ التوظيف.
– رئيس “وول مارت” نبه ترامب إلى أن سياساته ستُعطل سلاسل التوريد بحلول الصيف.
وفي إشارةٍ مقلقة، تراجعت ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها منذ 1952، بينما سجل مؤشر “الخوف والجشع” لـCNN مشاعر سلبية طوال الشهر الماضي.
استراتيجية ترامب: القوة بدلًا من الدبلوماسية
كما هو معتاد في قراراته، فإن سياسات ترامب التجارية تواجه شكوكًا قانونية ودستورية، خاصة بعد إعلانه حالة طوارئ وطنية لفرض التعريفات. وهو الآن يمارس سلطةً غير خاضعة للمساءلة لاختبار نظريته بأن أمريكا “تُنهب” من قبل العالم. هدفه المعلن هو فتح الأسواق الخارجية للبضائع الأمريكية وإعادة الوظائف الصناعية، لكن النتائج قد تُهدد ملايين الوظائف المحلية.
يعتمد ترامب على مبدأ “أمريكا أولًا” لتفكيك النظام العالمي الذي قادته الولايات المتحدة لعقود، معتبرًا أن على أمريكا استخدام قوتها لفرض شروطها على الدول الأصغر. هذا النهج أثار استياء الحلفاء، لكنه يروق لقاعدة ترامب التي ترى العالم كساحة صراع بين رابح وخاسر.
صراعات داخلية… وأخطار خارجية
– هجمات ترامب على رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” أضعفت ثقة الأسواق.
– مطالبه بخفض أسعار الفائدة قد تُفاقم التضخم، رغم تحذيرات الخبراء.
– تصعيده للحرب التجارية مع الصين يحمل تبعات جيوسياسية خطيرة.
رغم ذلك، يزعم ترامب في مقابلة مع “تايم”: *”سنصبح أغنى دولة في التاريخ… وسنشهد ازدهارًا غير مسبوق.”*
لكن الأزمة الحالية ليست نتاج ظروف خارجية، بل سياسات مُتعمدة من رئيس يرفض تحذيرات الخبراء. تعريفته المتقلبة – التي يفرضها ويعدلها فجأةً – تخلق حالة من عدم اليقين قد تُسبب ركودًا. وهو يدعي إبرام “200 صفقة تجارية”، بينما تنفي الصين أي مفاوضات.
تراجع الثقة الشعبية
بحسب استطلاع CNN، انخفض تأييد ترامب إلى 41%، وهو الأسوأ بين الرؤساء في 100 يوم الأولى منذ 70 عامًا. فقط 35% من الأمريكيين يؤيدون سياسته التعريفية، بينما يعتقد 39% فقط أنه يُدير الاقتصاد جيدًا.
يزيد تراجع شعبية ترامب الضغط عليه لإثبات جدوى سياساته. وإذا فشلت مقاربته العدوانية، سيكون هو المسؤول الوحيد عن الركود. لكن إدارته تُصر على أن خطته “مدروسة”، وتتوقع صفقاتٍ مع اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي قريبًا، رغم أن المفاوضات قد تستغرق سنوات.
وحتى لو نجح، فإن سياساته تعني ارتفاعًا حتميًا في الأسعار، مما يناقض وعوده للناخبين. فقد صرح لـ”تايم” بأنه قد يفرض تعريفاتٍ تصل إلى 50% على الواردات، مما سيشكل ضريبةً غير مباشرة على الأمريكيين.
تحذير الملياردير “كين غريفين” يلخص الموقف: *”أمريكا لم تكن مجرد دولة، بل علامة تجارية رمزت للطموح العالمي. الآن، هذه العلامة تتآكل.”*
بينما يحتفل ترامب بـ”تحرير الاقتصاد الأمريكي”، يبقى السؤال: هل سيكتب التاريخ هذه الفصل كقصة انتصار أم ككارثة اقتصادية من صنع يدٍ واحدة؟