
إعداد: بسنت عماد
الهند وباكستان.. دولتين من أكبر الدول النووية في العالم، إحداهما مسلمة والتانية هندوسية؛ تجمعهما صراعات منذ عقود، وهما على وشك الحرب حاليا، بدأت الأزمة من رحلة سياحية في جبال كشمير، لكنها انتهت بمجزرة دموية، في احتمال أن تكون ذريعة لأول حرب نووية في العصر الحديث.
كيف لهجوم صغير في منطقة جبلية أن يجر الدولتين إلى كارثة عسكرية قد تؤدي لأول حرب بين قوى نووية؟
بدأت الأزمة يوم 22 أبريل، في منطقة طبيعية خلابة اسمها وادي بيساران، تقع في الجزء الهندي من منطقة كشمير المتنازع عليها ما بين الهند وباكستان، حيث ذهبت مجموعة من السياح الهنود في رحلة إلى بيساران، و أطلق مسلحون النار، على السياح بمنطقة “باهالجام” الجبلية في كشمير.
فجأة ظهر من وسط الأشجار، مجموعة مكونة 4 مسلحين يرتدون زيّ عسكري، وفتحوا على السياح النار بلا رحمة، قُتل في هذا الحادث المأساوي ما لا يقل عن 27 هندي ومواطن نيبالي ومرشد سياحي، وأصيب حوالي 17 شخص في تلك المذبحة، التي وقعت في وادٍ لا يمكن الوصول إليه إلا سيراً على الأقدام أو على ظهور الخيل.

جميع الضحايا من المدنيين، ووصف شهود عيان مشاهد رعب مع اقتراب المسلحين، وهم يطلقون النار على السياح من مسافة قريبة.
وقال شاهد عيان لوكالة أنباء “برس ترست أوف إنديا” إن مسلحين مجهولين أطلقوا النار على السياح من مسافة قريبة، في حين قالت إحدى الناجيات: “أصيب زوجي برصاصة في رأسه بينما أصيب سبعة آخرون في الهجوم”، وفقًا للوكالة
وانتشرت صور ومقاطع فيديو للحادثة تُظهر جثثاً متناثرة على الأرض، مع وجود عدد من المصابين في حالة من الرعب.
ثم تلى ذلك إعلان جبهة المقاومة الكشميرية، المعروفة باسم جبهة المقاومة “TRF” مسؤوليتها عن هجوم “باهالجام” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معربة عن غضبها من وجود “غرباء” في كشمير.
وقالت الجماعة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أن السلطات أوجدت أكثر من 85 ألف “غرباء” في المنطقة، وأن المستهدفين يوم الثلاثاء ليسوا “سياحاً عاديين”، بل “مرتبطون بأجهزة الأمن الهندية”.
فما اتهمت الحكومة الهندية باكستان، وأعلنت ان جماعة اسمها “لشكر طيبة”، هم من نفذوا الحادث بدعم مباشر من الحكومة الباكستانية.

وعززت الهند الإجراءات الأمنية في أنحاء الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، بعد الهجوم، إلى جانب إطلاق القوات الهندية عملية مطاردة لمرتكبي أحد أعنف الهجمات في حق المدنيين.
الاجراءات الهندية عقب الحادث
وعقب هذا الهجوم، قطع ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند زيارته إلى المملكة العربية السعودية، التي كان مقررا أن تستمر يومين، ونشر بيان على منصة إكس، أدان مودي الهجوم وقدّم تعازيه، قائلا: “سيُقدّم من يقف وراء هذا العمل الشنيع إلى العدالة، لن ينجوا ولن تنجح أجندتهم الشريرة أبدا”
وأضاف أمام حشد كبير “أقول هذا بشكل لا لبس فيه: أيا يكن من نفذ هذا الهجوم ومن خطط له، سيدفع ثمنا يفوق تصوراتهم”.
وتابع رئيس الوزراء الهندي “سيدفعون الثمن حتما. مهما كانت مساحة الأرض الضئيلة التي يملكها هؤلاء ، حان الوقت لتدميرها. إن إرادة 1,4 مليار هندي ستكسر شوكة هؤلاء الإرهابيين”.

وأعلنت الهند عن سلسلة قرارات عقابية تعتبر أخطر تصعيد بين البلدين منذ أكتر من 25 سنة، بدأت بطرد السفراء وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، ثم تعليق معاهدة مياه نهر السند الموقعة منذ عام 1960، والتي تحدد طريقة ونسب توزيع مياه نهر السند بين البلدين.
واعتبرت باكستان هذه الخطوة تصعيد لم يحدث من قبل، و أول إنذار خطير ومؤشر تصعيد كارثي.
لاعتماد باكستان على مياه نهر السند نسبة أكتر من 90% من احتياجات الزراعة والشرب، وأي تهديد لها يعتبر تهديد مباشر لحياة شعب كامل، ومسألة أمن قومي وقضية بقاء وجودية بالنسبة لباكستان.
كما أغلقت الهند الحدود بينها وبين باكستان، بما فيها معبر واجا الحدودي، وألغت التأشيرات الباكستانية، وطردت كل الدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الباكستانيين، وطلبت رسمياً من أي باكستاني موجود على أراضيها مغادرة الهند واعطتهم مهلة حتى 29 إبريل الجاري.
وأصدرت الشرطة الهندية إشعارات تتضمن أسماء ثلاثة مسلحين مشتبه بهم، وقالت إن اثنين منهم باكستانيان، لكن نيودلهي لم تقدم أي دليل على وجود صلة بالحكومة الباكستانية، ولم تدل بأي تفاصيل أخرى.
تغير الموقف في لحظة من “مجرد اتهام” لـ”قطع علاقات دبلوماسية كاملة”، وهذا هو المؤشر الأول لبداية الحروب، وهو نفسه ما حدث في بدايات الحرب العالمية التانية.
وفي صباح يوم الجمعة الماضي تبادل الجيشين الهندي والباكستاني، إطلاق النار في موقعين في وادي ليبا.
كما أعلن الجيش الهندي اليوم السبت أن عناصره تبادلوا إطلاق النار خلال الليل مع القوات الباكستانية على طول خط المراقبة، وهو الحدود الفعلية بين الهند وباكستان في كشمير.

الرد الباكستاني على التصعيد الهندي
أعلنت باكستان فورًا إغلاق المجال الجوي أمام الطيران الهندي، وعلّقت التجارة مع الهند بكل أشكالها، حتى التجارة غير المباشرة التي تتم عبر وسطاء، وألغت كذلك التأشيرات الهندية.
ورفضت تعليق نيودلهي معاهدة تقاسم المياه ردا على تصرفات الهند المجاورة بعد الهجوم الدامي بالقسم الذي تسيطر عليه الهند من إقليم جامو وكشمير.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني ذلك بعد اجتماع للجنة الأمن القومي، وعقب إعلان الهند الأربعاء عن مشاركة عناصر عابرة للحدود في هجوم مسلح يوم الثلاثاء تسبب في مقتل 27 رجلا حيث أصدرت الشرطة الهندية إشعارات تتضمن أسماء ثلاثة مسلحين مشتبه بهم، وقالت إن اثنين منهم باكستانيان، لكن نيودلهي لم تقدم أي دليل على وجود صلة، ولم تدل بأي تفاصيل أخرى.
كما إنها أعلنت رسميًا تعليق اتفاقية “شيملا” للسلام، الذي وقعه البلدان بعد ثالث حرب بينهما، وهي تُرسي مبادئ تنظم العلاقات الثنائية بما يشمل احترام خط المراقبة في كشمير.
كما أعلنت إن أي محاولات لإغلاق مجرى نهر السند بين البلدين، يعتبر بمثابة عمل عسكري مباشر ضد باكستان، وإعلان حرب رسمي.
وقالت “أي تهديد لسيادة باكستان وأمن شعبها سيُقابل بإجراءات صارمة على كافة الأصعدة”.
وأكد رئيس وزراء باكستان شهباز شريف اليوم السبت أن بلاده موحدة ومستعدة للدفاع عن سيادتها .
وقال شريف خلال مراسم عسكرية “أمة الـ250 مليون نسمة هذه، موحدة وتقف وراء قواتها المسلحة الباسلة ومستعدة لحماية كل شبر من هذا الوطن.
مهددا بالرد “بحزم تام” على أي محاولة هندية للمساس بامدادات المياه عبر النهر المشترك بين البلدين.
فيما دعت الأمم المتحدة الهند وباكستان إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” بعد تصاعد التوترات بين البلدين النوويتين.
صراع ممتد منذ عقود
الصراع الهندي الباكستاني ليس وليد اللحظة، بل هو صراع مستمر منذ عقود، فمنذ تقسيم الهند وانشاء باكستان عام 1947، خاض الدولتين حرباً عامي 1947و 1948 و1965، بسبب إقليم كشمير، فكل منهم يطالب بالسيادة الكاملة عليه.
حيث تم تقسيم الإقليم إلى جزئين، تدير الهند جزءاً منه وباكستان الجزء الآخر، ولكن كلاً من الدولتين ترغب في السيطرة الكاملةعليه ، وهناك عدد من الكشمريين يطالبون باستقلال الإقليم ليصبح دولة منفصلة عن الهند وباكستان.
وطلبت إسلام أباد بإجراء استفتاء لتحديد وضع كشمير، في حين ترفض نيودلهي ذلك، وتقول ان مشاركة الكشميريين في الإنتخابات الهندية المتعاقبة، سواء على مستوى الولايات أو البرلمان الوطني، تُعد تأكيداً على انضمامهم إلى الهند.
توتر العلاقة بين الهند وباكستان ” انذار بكارثة“
الهند وباكستان لسيتا دولتين صغيرتين، كل واحدة منهم تمتلك ترسانة نووية ضخمة، قادرة على محو مدن كاملة في دقائق.
تمتلك الهند أكتر من 160 رأس نووي، وتمتلك باكستان أكتر من 170 رأس نووي، أي انهما تملتكان قوة تدميرية هائلة، لو تم استعمال جزء صغير منها يمكن ان يتسبب ذلك في “شتاء نووي” يشل حركة الكوكب كاملا لسنين، ويضرب الاقتصاد العالمي، ويدمر الزراعة والمياه وغيرها من أشكال الحياة.
كما ان كلا البلدين لها حليف من ضمن القوى الكبرى العالمية، تدعم امريكا الهند بشكل كامل، وباكستان حليفة جيوسياسية للصين، وكل طرف من هذه الأطراف يرى أن مصلحة حليفه مهمة، وأي تصعيد يمكن أن يجر البلدين إلى حرب نووية.
دور الأطراف الدولية
حتى الان لم تظهر أي أطراف دولية فاعلة لمحاولة التهدئة بين البلدين، وتتبنى لغة الإعلام من الطرفين تصعيد غير مسبوق، كما تتبنى منصات التواصل الاجتماعي لغة التصعيد ما بين الشعبين.
بعد قرارات ترامب للرسوم الجمركية، وتصعيد الصين الاقتصادي، لم يعد العالم ينتظر حرب عالمية تجارية فقط، بل أصبح أيضا على حافة حرب نووية قادمة.
الأزمة أكبر من الهند وباكستان، تصعيد من الممكن أن يغيّر شكل العالم، لو أطلقت طلقة واحدة بين الطرفين، فهل ستتدخل إحدى الدول أو المنظمات الدولية للتهدئة قبل انفجار الوضع والوصول لنقطة اللا عودة؟ أم ان العالم ينتظر أنفجار أول قنبلة نووية؟