تقارير

القصة الكاملة لفضيحة “قطر جيت”

أعدته د. نيفين أبو حمدة

“قطرجيت” صراع على المصالح أم سلاح في حرب إقليمية غير متماثلة؟

شهدت قضية “قطر جيت” العديد من التطورات بدأت بالإعلان عن اعتقال عدد من أعضاء طاقم العمل بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ومستشارين له، للتحقيق في طبيعة العلاقة بينهم وبين ودولة قطر منذ ما يقرُب من شهر ونصف وتم نشر العديد من التفاصيل حول تضمين التحقيقات تفاصيلًا أخرى بشأن رجال أعمال، ومسار الأموال القطرية ودور نتنياهو في هذه القضية.

كيف بدأت القضية وأهم تطوراتها

بدأت القضية في الظهور الإعلامي خلال شهر نوفمبر 2024م، عندما كشف الصحفي “بار بيليج” في صحيفة “هآرتس” أن المستشار الإعلامي الحالي لنتنياهو “جوناثان أوريخ”، والسابق “يسرائيل إينهورن”، قد قاما ببناء حملة دعائية إيجابية لصالح قطر من خلال شركة “بيرسبشن” التي يملكانها معًا، وذلك قبل كأس العالم 2022م، وقد نفى الاثنان هذه الاتهامات في ذلك الوقت. ثم تفجرت القضية مرة أخرى مع كشف  المذيع “عوفر حداد” الشهر الماضي على القناة 12 أن المتحدث باسم الشؤون الأمنية في مكتب رئيس الوزراء “إيلي فيلدشتاين”، كان يعمل لحساب شركة دولية ممولة من قطر بالتوازي مع منصبه الرسمي. وكان تركيز هذا النشاط منصبًا على تحسين صورة “قطر” في المحادثات الخاصة بإعادة الرهائن، على الرغم من انتقاد نتنياهو العلني لقطر علناً وادعائه بأنها تخدم حماس في وقت الحرب، وأشارت الشهادات في هذا الشأن إلى أن “فيلدشتاين”  قد عرض على صحافيين إجراء مقابلات مع مسؤولين قطريين كبار، إضافة إلى تسليمهم رسائل رسمية نيابة عن دولة قطر وقد نفى “فيلدشتاين” هذه الاتهامات. وبعد عدة أيام من هذه الكشف، أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أن تحقيقاً أولياً قد بدأ بشأن قضية حماية الأسرار في مكتب رئيس الوزراء ووزارات حكومية أخرى، وما يتصل بالبيئة الوثيقة بأعضاء الحكومة.

وكان الإعلان الرسمي فتح تحقيق جنائي في قضية قطر جيت من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) وشرطة إسرائيل في نهاية فبراير2025م، في المعلومات التي تم تقديمها بشأن وجود صلة بين عناصر تعمل في مكتب رئيس الوزراء وعناصر مرتبطة بدولة قطر”، والاشتباه في تحويل مئات الآلاف من الدولارات من الحكومة القطرية إلى مستشاري نتنياهو عبر شركات مختلفة. الذي أكده  كشف “أفيعاد جليكمان” على القناة 13 الإسرائيلية في بدايات شهر مارس الماضي، من أنه في إطار التحقيق الذي يجريه جهاز الأمن العام (الشاباك)، تتزايد الشكوك حول تحويل مبالغ ضخمة من المال تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات من الحكومة القطرية إلى مستشاري نتنياهو في الأشهر الأخيرة وتم تسليمها عبر شركات مختلفة، بما في ذلك شركة مملوكة “ليوناتان أوريخ”. وأشار إلى أن المشتبه به الرئيس في القضية هو “أوريخ” وأن جميع رسائل فيلدشتاين بشأن قطر كانت بترتيبه. ثم أصدرت محكمة الصلح في ريشون لتسيون حظرا شاملا على نشر تفاصيل تتعلق بالقضية، أو نتائج الإجراءات التحقيقية، أو استجواب المشتبه بهم، أو نتائج التحقيقات، التي تتم في قضايا غسيل الأموال، والرشوة، وخيانة الأمانة، والمخالفات الضريبية، والاتصال بعميل أجنبي.

قطرجيت صراع على المصالح وتحقيق مُسيس


يدعي “نتنياهو” بأن التحقيق في “قطرجيت” قد تم اختلاقه لتقويض سلطاته، وأنه يهدف إلى تقييد يد حكومته، خاصة وأن رفع الحظر على نشر تفاصيل القضية جاء متزامنًا مع إعلان “نتنياهو” إقالة رئيس جهاز الشاباك “رونين بار” مما قد يُعيقها عن إجراء أي نقاش مستقبلي مشابه لإقالة رئيس الشاباك. وقال في تصريح له بأنه سيترأس بنفسه هيئة التي تحقق في هذه القضية، لذا يُمكن القول بأن هذه القضية ستزيد من عمق الفجوة بين الحكومة برئاسة “نتنياهو” والمستشارة القانونية للحكومة “جالي بهرآف ميارا” التي رفضت إقالة “بار” واعتبرته سلوكًا يفتقر السند القانوني.
وقد تفتح هذه القضية بابًا قد أُغلق منذ شهور، عدما تم رفض الالتماس الذي قدمته المعارضة لإثبات تعذر نتنياهو عن القيام بمهام وظيفته تمهيدًا لعزله، خاصة إذا ما تم اعتباره طرفًا في القضية  أي تم التحقيق معه ضمن المتورطين، وهو ما لم يحدث حتى الآن، حيث طلبته المحكمة بصفته شاهد ليس تحت طائلة التحذير بالتورط، وليس طرفًا متورطًا. ولكن إذا ثبت تورطه فسيصدق عليه حكم الجماهير التي تتظاهر ضد سياساته وتطالبه بترك منصبه وتتهمه بأنه سببًا مباشرًا في أحداث السابع من أكتوبر، حيث كان يتلقى أموالًا وخدمات قطرية مقابل السماح لحقائب المال القطري بالمرور عبر مطار “بن جوريون” لتمويل حماس وبالتالي تسليحها وسلوكها “كجيش” وليس مجرد حركة مقاومة.
ولكن ما هو أخطر على المستوى السياسي الداخلي هي فكرة إختراق الأمن القومي الإسرائيلي- عبر اختراق أكثر الدوائر حساسية في الحكومة، وهي مكتب رئيس الوزراء الشخصي، خاصة وأن “أوريخ” وهو الطرف الأبرز في القضية مستشارًا خاصًا لنتنياهو، وليس مجرد موظف حكومي يعمل في مكتب رئيس الوزراء، وليس مسؤولًا عن شؤون التوظيف أو الموارد البشرية في المكتب، وليس من صلاحياته ترتيب أو إعداد جداول الأعمال أو تلقي وتحويل الأموال. ولكن يُشتبه في أنه كان على علم بنقل الرسائل والتوجيه الإعلامي نظرًا لمسؤوليته عن المتحدثين المحيطين برئيس الوزراء، وأنه على دراية بتصرفات العاملين تحت إمرته. وقد وصف “نتنياهو” مجريات التحقيق بعد الإدلاء بشهادته العلنية: “بأنه يُشبه “احتجاز رهائن” وأوضح أنه طلب الإدلاء بشهادته على الفور دون انتظار، واعتبر أن جهات التحقيق لم يكن لديهم ما يُظهرونه من أدلة. ولذا فإن هذا التحقيق سياسي، إلى حد بعيد”. وأن أن “قطرجيت” “خدعة ضخمة”.

“قطرجيت” والحروب غير المتماثلة

وجه المحققون تهمة نقل وتقديم معلومات سرية من إسرائيل إلى قطر والعكس تهدف إلى الإضرار بأمن إسرائيل كما في قضية الوثائق السرية على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى نقل رسائل إلى الصحافيين نيابة عن مسؤولين في قطر، ونيابة عن شخصيات سياسية في إسرائيل، ونقل رسائل لها محتوى يجد صدى لدى الجمهور الإسرائيلي ولدى حاشية رئيس الوزراء بشكل خاص، وقد قال القاضي “مناحيم مزراحي” مسؤول التحقيقات في القضية:
أن نقل الرسائل إلى الصحافيين نيابة عن قطر، تم الادعاء بأنها صادرة عن شخصيات سياسية في إسرائيل. ويُشتبه في أن المتهمين قد  تحركوا لتعزيز الصورة الإيجابية لقطر وترويج رسائل مؤيدة لقطر تحت غطاء “عوامل سياسية وأمنية” في إطار صفقة الرهائن، وتقزيم الدور المصري كوسيط، وذلك بوساطة شركة أمريكية تعمل لصالح قطر، تحاول تحسين صورتها الإيجابية بشكل عام وفيما يتعلق بصفقة الرهائن ودور الوسيط بشكل خاص، كما يشتبه بتحويل أموال من قطر إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، من خلال وسيط يعمل لدى إحدى جماعات الضغط السابق الإشارة إليها(شركات)، وأن ذلك قد تم في إطار خطة للالتفاف على إجراء الدفع المباشر.
وفيما يتعلق بزيارة المشتبه بهم إلى قطر، فقد صرح أحد المشتبه بهم وهو مسؤول عن موقع “جيورزاليم بوست” أن: “الحكومة القطرية هي التي اتصلت بهم، لأنها كانت تعلم أننا وسيلة إعلامية، معروفة ومؤثرة بالنسبة للمسؤولين الحكوميين واليهود الأمريكيين المؤثرين في المجتمع الأمريكي والدولي. على سبيل المثال، حرص أحد المشتبه بهم على تسريب معلومات إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، باسم “مسؤول أميركي كبير”، مفادها أن قطر هي الحليف الأكثر موثوقية في الشرق الأوسط بالنسبة لولايات المتحدة..
وفي إطار قضية تسريب “الوثائق السرية”، فقد تم تداول أخبار بأنه إسرائيل تحتفظ بوثيقة سرية تتعلق بأبحاث أجرتها وكالة الاستخبارات حول تورط “كيان أجنبي” في أحداث السابع من أكتوبر، بهدف استخدامها لصالح البقاء في محور صلاح الدين (فيلادلفي)، ويُقصد بالكيان الأجنبي هنا مصر، والهدف من كل ما سبق هو إبعادها عن المفاوضات الخاصة بوقف الحرب والقضية الفلسطينية بشكل عام.

كيف تستهدف الحروب غير المتماثلة مصر عبر “قطرجيت

تم تداول خبر عدم دعوة السفير الإسرائيلي الجديد لدى القاهرة “أوري روتمان”، لحضور حفل تسلم أوراق اعتماد 23 سفيرًا أخرين، ولكن أحدا لم يذكر أن مصدره صحيفة “العربي الجديد” القطرية دون أن تذكر السبب الرئيس في تأخره عن الحفل وهو أنه لم يصل بعد إلى مصر.

كما شهدت الشهور الماضية زخمًا من التقارير الإسرائيلية ومنشورات السوشيال ميديا العبرية التي تروج لاحتمال اندلاع حرب مع مصر ومدى استعداد جيشها “لمهاجمة إسرائيل” على المدى القريب، رغم استناد هذه التقارير إلى قلق يبدو حقيقي في ظل هذه الظروف غير الطبيعية ولا المعتادة، إلا أن إسرائيل بدأت مؤخرًا في توضيح مدى المبالغة فيها وعدم ارتكازها على حقائق، وأنها كانت دائمًا مصحوبة بمقاطع فيديو مزيفة أو قديمة وأخبار كاذبة، بطريقة تؤكد الشكوك حول حملة منظمة بالفعل. وأن هذا الخطاب يتم الترويج له “من قِبل وسائل إعلام مأجورة، ومواقع إخبارية بديلة، ومؤثرين، وصحافيين تابعين لـ”آلة التضليل”.

وكانت القضايا الرئيسة التي برزت في الخطاب حول مصر: “التعزيز والبناء العسكري المصري”، و”اتفاقيات كامب ديفيد حقيقة أم وهم خطير”، و”السياسة المصرية ضد إسرائيل”، و”السيطرة المصرية على الحدود وآثارها”، واستعدادات مصر لمهاجمة مفاعل “ديمونا. نشر وثائق جديدة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، مكذوبة ومنسوبة للجيش المصري، وتحاكي الضربة العسكرية الموجهة ضد المفاعل، ولا يوجد أي دليل على أن مصر أو مسؤولين هناك قاموا بتجميعه.

وتقرير آخر عن مناورة أجرتها مصر مع عدد من الجيوش العربية عام 2018م، والتي تظهر فيها أعداد كبيرة من الدبابات المصرية في الصحراء، وأن الجيش المصري أصدر “أمر حرب” إلى كافة أفراد الدولة المصرية.

وقد اتهمت “أميرة أورون” سفيرة إسرائيل في مصر بين عامي 2020م و2024م، قطر بأنها وراء هذه التقارير، وأيادٍ إيرانية وجهات سياسية إسرائيلية. ورغم كل النقاشات الإسرائيلية على المستوى الحكومي حول موضوع الانتهاكات المصرية لاتفاقية السلام وتداعيات ذلك، إلا أن إسرائيل توضح دائمًا أنها حريصة على اتفاقية السلام  وأن البلدين لديهما مصالح وأن الحدود بين مصر وإسرائيل هي حدود سلام.

تردد مؤخرًا عدم جدية المبادرة المصرية الجديدة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، وفي نفس الوقت الذي اعترفت فيه إسرائيل بأن مصر تبذل جهودًا هائلة في هذا الإطار، تروج وسائل الإعلام العبرية أن القطريين مسؤولون عن تسريب المعلومات التي تبدو وكأنها محاولة لتخريب عملية التفاوض المصرية، وتقرر السفيرة المصرية السابقة أن “الإمارة القطرية” تتعمد إحداث شقاق في العلاقات بين مصر وإسرائيل، وأن مصر تُهدد بترحيل أسرى حماس الذين أبعدتهم إليها في الصفقة الأخيرة، إذا لم يتم قبول عرض الوساطة الذي قدمته.

أخيرًا؛

مصر دولة مدنية مُنظمة ومستقرة داخليًا وهي على المستوى العالمي دولة متوسطة صاعدة، وإقليميًا فإن مصر تُمثل مع الأردن المحور المعتدل تجاه إسرائيل والسياسات الأمريكية، ولا يوجد من هو مُلم بأوراق القضية الفلسطينية كمصر وهي دولة حدودية بالنسبة لفلسطين وهي جزء من أمننا القومي، أي أن مصر وسيطًا رئيسًا يمتلك هذه المقومات وكل أدوات النجاح، بينما قطر وتركيا تُمثلان بوضوح المحور إسلامي سياسي الصاعد الجديد، والذي قد يكتفي بدور الوسيط في سبيل تحقيق مصالحه، وتتوخى إسرائيل الحذر الشديد في التعامل مع قطر؛ فهي دولة معادية وخطرة بالنسبة لها؛ لأنها أمدت “حماس” بأموال طائلة واستقبلت قادتها ومواطنيها وتبحث الآن عن دور تُثبت به مكانتها “كوسيط” على مسرح الأحداث العالمي، وفي المقابل علينا توخي الحذر مع كليهما، لأن مصالحهما تقتضي تخلي مصر عن القضية الفلسطينية، ومن ثمّ تفريغ القطاع لصالح المشاريع الأمريكية- الصهيو- إسرائيلية، غير أن بحث قطر عن الانفراد بدور الوسيط لن يضر مصر قدر ما يضر الجميع نجاح إسرائيل في إحداث الوقيعة بين مصر وقطر، وهو ما تريده إسرائيل وتسعى في تحقيقه بالفعل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى