الأخبارمقالات

أمجد الفقي يكتب: حدود الوطن تبدأ في ضمائر أبنائه

 

أقول هذا لأن الفساد في مصر أصبح شجرة خبيثة، جذورها في التربة الثقافية و مستقرة في الوعي الجمعي للجماهير العريضة بصورة ما، إما بمشاركة، أو بسلبية، أو بصمت الأنين و لذلك فإن التحول الرقمي وحده لن يحسم الانتصار في معارك مواجهته؛ فبينما تسعى المؤسسات في إصلاح نفسها لابطاء حلقة الفساد الجهنمية يصلح الناس علاقتهم بالفساد و يدفعون الحلقة لزيادة سرعتها!.

حتى أصبح الأمر كمن يقطع الأغصان ويترك الجذور تنمو مما يتطلب ثورة في الوعي الجمعي ضد الفساد.

وهو ما لن يحدث إلا إذا صار رفض الرشوة فعلا من أفعال البطولة الوطنية، و حين يتحول المُبلِّغ إلى بطل شعبي، و حين تروي الناس فيما بينها حكايات النزاهة لا حكايات الفساد حينئذ فقط سنكتب شهادة ميلاد “وطن جديد”.  

إن معركة مصر مع الفساد تُخاض في عقول الأطفال قبل أروقة المحاكم، وفي وجدان الشارع قبل قاعات البرلمان.

لذلك علينا أن نبرز أبطال النزاهة لنصنع أبطال جدد لتحويل الفعل الفردي لظاهرة جماعية و لتمكين ذلك رمزيا فيمكننا إنشاء

 “وسام الشرف المصري” ليُمنح للمواطن الذي يرفض رشوة أو يُبلِّغ عن فساد، مع نشر قصته في الجرائد المحلية كما يمكن أيضا إقامة “مهرجان البطل الخفي” السنوي في المحافظات احتفاءاً بموظف البريد، عامل النظافة، المدرس… الذين ثبتت نزاهتهم.  

 و هو ما يعد استثمارا فريدا في الأثر النفسي فحين يرى الطفل جاره المُبلِّغ يُكرَّم في ميدان القرية، يصير الفساد عارًا لا مفخرة.

كما يمكننا أيضا هندسة الوعي في هذا الصدد عن طريق  تحويل “حكايات النزاهة و المسؤولية الوطنية”  لنسيج تراثي نُثري به التربة الثقافية و نسترجع ذلك من أرشيف الذاكرة الجماعية التي خلفت قيم النزاهة خلف الكواليس و ندخلها في  مناهج التربية الوطنية عبر كتيبات مصوَّرة.  

لك أن تتخيل شكل الأثر الاجتماعي حين ينتشر الفساد و حين تروي الجدات حكايات عن 

” عبقرية الفساد” لكن النزاهة حتما ستنتصر حين تصير بطولات المواطن العادي جزءًا من هويتنا.

و للتحول من “ثقافة الصمت” إلى “ثقافة الرقابة المجتمعية و المساءلة الجادة، ينبغي تفعيل آليات ذكية للإبلاغ الفوري و تتبع أدلة الفساد لجمعها من خلف أصابع المواطن الذي أشار بالاتهام إذ لا بد أن يتحول الوشاح الأسود عن عين المواطن إلى مصباح يضيء عتمة الفساد.

و خلاصة القول أن.. حدود الوطن لا تُرسَم بالحديد والنار، بل ترسم بخريطة الضمائر الحية، و شجرة الفساد الخبيثة لن تقتلعها الثورة الرقمية وحدها، و القوانين لن تكون حية بلا روح تسكن في وجدان الرعية و ساحة قتال الفساد لا تكون إلا في رحم الثقافة  المشوهة.

عندئذ ستنبت النزاهة في عقل الطفل الذي سيروي لأبنه يومًا ما كيف كان جده رجلاً بحق حين رفض أن يسرق قوت الايتام”.  

و تزهر  على لسان الجارة التي ستفتخر بأن 

ابن جارتها قد أفشل صفقة فساد”.  

و تثمر في يد الكفيف حين يتحسس جدارية 

نقش عليها اسمه فوق  “جدار الشرف” فيبصر كيف تجمل الوطن.

حينها.. و حينها فقط، سنشهد ولادة الوطن الجديد، وطنٌ لا يُباع فيه الضمير لأن قيمته صارت أعلى من كل الملايين ؛ فنحن أمام معركة وجود للضمير الحي فإما أن نُخرِج الفساد من وعينا، أو سيخرج الوطن من أرواحنا إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى