أذربيجان.. الجسر السري بين إسرائيل والعالم الإسلامي

قبل ثلاثين عامًا، عقد الرئيس الأذربيجاني حيدر علييف اجتماعًا طويلاً منفردًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في نيويورك. ناقشا الدعم المتبادل – كانت أذربيجان بحاجة إلى التقنيات الإسرائيلية لحماية نفسها من التهديدات العسكرية، وكانت إسرائيل بحاجة إلى النفط. ومنذ ذلك الحين، ازدهرت العلاقة بينهما، وأصبحت أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة الشيعية واحدة من أقرب حلفاء إسرائيل.
كشف تقرير لصحيفة تركش منت التركية المعارضة، الخميس، أن أذربيجان برزت كوسيط سري بين تركيا وإسرائيل، مستخدمة علاقاتها الثنائية القوية مع كل من الدولتين لتخفيف التوترات ومواءمة المصالح الإقليمية في أعقاب تغيير النظام في سوريا.
وذكر التقرير ان ” التكهنات بشأن هذا الدور جاء في اعقاب زيارة قام بها مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف الى إسرائيل التقى فيها بالرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوج ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو في اليومين الماضيين”.
وبين التقرير ان ” المحللين يشيرون الى ان زيارة حاجييف تجاوزت المحادثات الثنائية المعتادة وركزت على تعزيز الحوار بين تركيا وإسرائيل، اللتين توترت علاقاتهما على مدى العام الماضي بسبب الخطاب القاسي لتركيا بشأن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، كما يعتقد المراقبون أن أذربيجان لديها دور محوري تلعبه الان بين الجانبين خصوصا وأن مصالحهما الجيوسياسية تتقاطع الآن على الأراضي السورية”.
وأضاف التقرير انه ” وبينما تبدو الزيارة التي قام بها مساعد الرئيس الاذربيجاني على السطح روتينية، يشتبه الخبراء في أنها ذات أهمية أعمق حيث تعمل أذربيجان بهدوء على إعادة بناء الجسور بين أنقرة وتل أبيب”.
من جانبه قال ناظم جعفرسوي، نائب رئيس المركز القوقازي للعلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، إن اجتماع حاجييف مع وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر كان حول التطورات الأخيرة في سوريا وتأثيرها على العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية”، مشيرا الى ان ” الوضع في سوريا يربط أذربيجان وإسرائيل من خلال العلاقات الوثيقة للحكومة السورية الجديدة مع تركيا والاهتمام الواضح من جانب إسرائيل باستعادة العلاقات مع تركيا من خلال وساطة أذربيجان”.
وشدد جعفر سوي على ان ” هذا ليس دورًا جديدًا لباكو، التي عملت كوسيط من قبل في أوقات التوتر بين أنقرة وتل أبيب، وعلى خلفية الديناميكيات المتطورة في سوريا، كان دور أذربيجان في تسهيل الحوار بين إسرائيل وتركيا موضوعًا رئيسيًا للمناقشة”.
يشار الى ان ” أهمية أذربيجان في هذه المعادلة الثلاثية معززة فقد أصبح خط الأنابيب، الذي ينقل النفط الأذربيجاني إلى البحر الأبيض المتوسط عبر تركيا، طريقًا مهمًا لإمدادات الطاقة لإسرائيل، حيث يمثل حصة كبيرة من وارداتها من النفط الخام، وعلى الرغم من موقف تركيا العلني ضد سياسة إسرائيل في غزة، استمرت إمدادات النفط في التدفق عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان”.
التقارب التركي مع تل أبيب
كانت تركيا الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي تعترف بإسرائيل منذ عام 1949، ولكن علاقاتها معه تميّزت دائماً بالتذبذب وعدم الاستقرار. وتُعدُّ تسعينيات القرن العشرين، حقبة ذهبية للعلاقات بين الجانبين، إذ كانت أشبه بحالة تحالف استراتيجي.
إذ شهدت السنوات الأولى للعدالة والتنمية تقارباً مع تب أبيب، ومحاولة للتوسط بينها وبين عدد من الدول العربية والإسلامية مثل سوريا وباكستان، لكنّ العلاقات تراجعت بشكل ملحوظ ابتداءً من سنة 2009، ثم انقطعت العلاقات الديبلوماسية سنة 2010 لدى الاعتداء على سفينة “مافي مرمرة Mavi Marmara” حتى عادت العلاقات بين الجانبين في اتفاق سنة 2016، إلا أنها سرعان ما عادت للتراجع بعد طرد تركيا السفير الإسرائيلي في مايو 2018، بسبب التعامل الوحشي مع مسيرات العودة في غزة، وقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.
منذ ذلك الوقت، يكرّر الساسة الأتراك أن مشكلتهم مع الحكومة الإسرائيلية تكمن في سياساتها القمعية ضدّ الفلسطينيين، حتى جاء تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان الأوضح نهاية سنة 2020؛ برغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إسرائيل.
تنظر تركيا دائماً إلى أن العلاقات مع تل أبيب مفتاح مهم للعلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصاً وأن تركيا ليست في أفضل حالاتها.
كما أن أنقرة تستفيد تاريخياً من جهد اللوبي الصهيوني في مواجهة اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً فيما يتعلق بالادعاءات المتعلقة بأحداث سنة 1915، ومحاولات تصنيفها على أنها “إبادة جماعية” بحقّ الأرمن على يد الدولة العثمانية.
ثمّة عوائق ملحوظة في طريق تحسين العلاقات بين الجانبين، وتحديداً شروط كلّ منهما على الآخر. فقد اشترطت إسرائيل إغلاق مكاتب حركة حماس في إسطنبول، والتي تستخدم وفق ادعاء إسرائيل لتوجيه الأنشطة الإرهابية في الضفة الغربية، وتجنيد الفلسطينيين للقيام بأنشطة إرهابية، وتمويلها، بينما اشترطت تركيا وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتراجع عن الخطوات التي تستنزف حلّ الدولتين، والعودة إلى مباحثات السلام مجدداً، ووقف بناء المستوطنات غير الشرعية وسلب الأراضي الفلسطينية، والكفِّ عن الإجراءات التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في القدس.
ولكن بالرغم من هذه العقبات، فقد شهدت نهاية سنة 2021 إشارات إيجابية بين الجانبين؛ على هامش توقيف أنقرة شخصين إسرائيليين ثم إطلاق سراحهما، حيث حادَثَ كلٌّ من رئيس الكيان ورئيس وزرائه أردوغان وشكراه على ذلك، وأكّد أردوغان في الاتصالين، أهمية العلاقات بين الجانبين لاستقرار المنطقة.
علاقة أذربيجان بتركيا
تجمع تركيا وأذربيجان علاقات متميزة وخاصة، الدينية والعرقية والثقافية وبما فيها اللغة، وهي علاقة يعبّران عنها بشعار “شعبٌ واحد في دولتين”. ولذلك غالباً، ما تكون باكو هي الوجهة الأولى خارجياً، أو الثانية بعد قبرص التركية، لكلّ رئيس أو رئيس حكومة مُنتخب.
وإضافة إلى ذلك، يتعاون البلدان في المجالات الاستراتيجية المهمة، حيث إن أذربيجان هي إحدى أهم الدول المصدِّرة للغاز لتركيا، بينما الأخيرة، هي من أكبر الداعمين لها في العموم، وفي صراعها مع أرمينيا على وجه الخصوص، بما فيه ذلك الإسهامات التركية الكبيرة والمعلنة في تطوير المؤسسة العسكرية الأذربيجانية تدريباً وتسليحاً. بالإضافة إلى البعد الجيوسياسي المهم، والذي يتمثل بأهمية أذربيجان ضمن استراتيجية تركيا بخصوص القوقاز وآسيا الوسطى ولا سيّما الجمهوريات التركية، والتنافس مع قوى دولية مثل روسيا، وإيران، والصين.
ولهذه العلاقات الخاصة لأذربيجان أصبحت من زاوية ما، صديقاً مشتركاً أو قاسماً مشتركاً بين تركيا وإسرائيل، حيث تجمع بينهما وتجمعهما معها مسألتين مهمتين:
الأولى، دعم كل من إسرائيل وتركيا لأذربيجان في مواجهة أرمينيا، واشتراكهما في تسليحها ولا سيّما بالطائرات بدون طيار، وهو ما ظهر بوضوح في الحرب الأخيرة.
الثانية، توافق الطرفين على دعم أذربيجان في مواجهة إيران. وعلى هامش الخلاف والتوتر والتهديدات التي سادت بين طهران وباكو، فقد اتخذت تركيا موقفاً واضحاً إلى جانب الأخيرة في الخطاب والموقف، مما أزعج طهران.
ذلك أن علاقات إسرائيل بأذربيجان، الحقيقية، كانت أحد أهم أسباب المناورات الإيرانية الأكبر منذ عقود قرب الحدود مع الأخيرة، وهي المناورات التي رُدّت عليها بمناورات مشتركة مع تركيا.
ففي كانون يناير 2021، وقّعت كلٌّ من تركيا وأذربيجان مع باكستان “إعلان إسلام آباد”، وأجرت الدول الثلاث مناورة عسكرية مشتركة في سبتمبر، ثم أخرى في أكتوبر من نفس العام في إقليم ناخشيفان. وفي يونيو 2021، وقّع الرئيسان أردوغان وعلييف “إعلان شوشة” لترسيخ وتعميق التعاون بين البلدين “لإقامة علاقات تحالف”.
علاقة أذربيجان مع إسرائيل
رغم التباينات العرقية والدينية واللغوية، كانت إسرائيل بحاجة إلى مصدر مستقر وموثوق به لتوفير النفط، وكانت باكو تسعى إلى الحصول على أنظمة الدفاع العسكرية الإسرائيلية، وبذلك أصبحت أذربيجان ثاني أقرب صديق لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، ومع افتتاح المكتب التجاري الأذربيجاني في إسرائيل عام 2021، والسفارة الأذربيجانية في تل أبيب عام 2023، وصلت العلاقات الإستراتيجية بين أذربيجان وإسرائيل إلى مستوى جديد، حيث تغطي الشراكة بين الدولتين مجموعة كبيرة من المجالات الحيوية، منها الطاقة، والدفاع، والأمن، والنقل، والزراعة، والبيئة، وموارد المياه، والثقافة، والتكنولوجيا المتقدمة، وازدادت أهمية أذربيجان من كونها الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي وقفت بثبات إلى جانب إسرائيل خلال الحرب الأخيرة ضد حماس وحزب الله، حتى تحت ضغوط كبرى من دول إسلامية أخرى، على رأسها إيران.
كما أثبتت باكو أيضًا أنها ذات قيمة لا تقدر بثمن لإسرائيل، ليس فقط على صعيد التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، بل على الصعيد الدبلوماسي؛ إذ كانت باكو وسيطًا بين تل أبيب وأنقرة، فالشعبان التركي والأذربيجاني يعدّان أنفسهما أمة واحدة تعيش في بلدين؛ لذا فإن العلاقات الوثيقة التي تربط أذربيجان بكل من إسرائيل وتركيا تجعلها الوسيط المثالي بين هذين البلدين، وفي هذا السياق توسط الرئيس إلهام علييف بين إسرائيل وتركيا عدة مرات على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد تكون قدرة أذربيجان على سد الفجوة بين إسرائيل وتركيا ذات قيمة بالغة في الفترة المقبلة، خاصة بعد سقوط نظام بشارالأسد في سوريا، وصعود القيادة الجديدة تحت قيادة أحمد الشرع المدعوم من تركيا.
ولعل أهمية أذربيجان الجيوسياسية تمتد إلى ما هو أبعد من علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، فبالإضافة إلى تقاسمها الحدود مع إيران وروسيا، فإن دور أذربيجان بوصفها موردًا رئيسًا للطاقة إلى أوروبا يشكل أهمية بالغة في الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، وكانت هذه الأهمية الإستراتيجية واضحة في سياق تأكيد إدارة ترمب –في ولايته الأولى– توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، ومن خلال توظيف نقاط القوة في أذربيجان، تتاح للولايات المتحدة وإسرائيل فرصة لبناء شرق أوسط جديد في مواجهة النفوذ الإيراني، و تأمين موارد الطاقة الإقليمية، لكن تلك الخطة قد تُرجأ إلى حين إنهاء توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأذربيجان على خلفية وقف أعمال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ودعم ترامب وإدارته للمسيحيين الأرمن في أذربيجان، وانتقاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للحملة التي شنتها إدارة علييف على المعارضين السياسيين في الداخل.
أسس التعاون بين أذربيجان وإسرائيل
تنطلق العلاقة الإستراتيجية بين أذربيجان وإسرائيل من المصلحة المشتركة التي تتعدد جوانبها وتشمل:
1- التعاون العسكري:
أذربيجان أكبر مستورد للأسلحة لإسرائيل، جاء ما يقرب من 70% من واردات أذربيجان العسكرية من إسرائيل، في حين كان التعاون الاستخباراتي بين أذربيجان وإسرائيل محوريًّا في مواجهة النفوذ الإيراني، في ظل الموقع الإستراتيجي لأذربيجان على الحدود مع إيران وروسيا، وتمتد إسهامات أذربيجان في أمن إسرائيل إلى دورها في توفير المعلومات الاستخباراتية الحاسمة التي تعرقل الهجمات الإيرانية، فضلًا عن رفضها الاستسلام للضغوط الإيرانية لقطع العلاقات مع إسرائيل، وخلال حرب كاراباخ الثانية في عام 2020، كان استخدام أذربيجان للتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية عنصراً أساسيًّا في انتصارها؛ مما أدى إلى تعزيز الشراكة على نحو أكبر بين البلدين، وفي سبتمبر الماضي، وقعت الدولتان صفقة أسلحة أخرى، مما ضمن مزيدًا من الأعمال التجارية لشركات التكنولوجيا الإسرائيلية، وتعزيزالاقتصاد الإسرائيلي.
2- الطاقة:
توفر أذربيجان أكثر من 60% من واردات إسرائيل من النفط، إذ تعد باكو ركيزة أساسية لأمن إسرائيل منذ عقود، كما يوفر الاقتصاد الإسرائيلي العالي التقنية والخبرات في مجال الطاقة الخضراء وتحلية المياه لأذربيجان فرصة لتنويع القطاع غير النفطي في اقتصادها وتطويره، وفي أكتوبر 2023 حصلت شركة النفط الحكومية الأذربيجانية سوكار على ترخيص للتنقيب عن الغاز، إلى جانب شركة بريتيش بتروليوم، وشركة نيو ميد الإسرائيلية؛ لاستكشاف منطقة شمال حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز في البحر الأبيض المتوسط، وحصلت شركة النفط والغاز الأذربيجانية على حصة في حقل غاز تامار الإسرائيلي، ويشكل النفط الأذربيجاني الذي يُضَخ إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، ثم يُنقل إلى الأسواق العالمية، مصدرًا رئيسًا لإيرادات الميزانية الأذربيجانية.
3- التعليم:
يشكل جزءًا من العلاقات الإستراتيجية في السنوات الأخيرة بين البلدين، إذ يعد برنامج التعاون التعليمي بين حكومة جمهورية أذربيجان وحكومة دولةإسرائيل للسنوات (2023- 2026) الأساس لتطوير هذا المجال الحيوي في التعاون المتبادل، كما يشكل الأمن السيبراني أيضًا جزءًا من الروابط التعليمية بين البلدين، إذ يسهم موظفو معهد التخنيون، وهو معهد بحثي عام مقره في حيفا، في تدريب الطلاب الأذربيجانيين على برنامج الأمن السيبراني.
4- الأمن الغذائي:
يمثل زاوية جديدة أخرى في العلاقات بين البلدين؛ إذ تلبي أذربيجان احتياجات إسرائيل الغذائية، وخاصة احتياجاتها من الحبوب، بعد انقطاع الإمدادات نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
5- التعاون الاقتصادي
توغلت الشركات الإسرائيلية في الأسواق الأذربيجانية. استثمرت العديد من الشركات في صناعة الخدمات. ومن الأمثلة على ذلك شركة بيزك ، وهي مزود اتصالات إسرائيلي رئيسي، تم إطلاق شركة أخرى، Bakcell ، كأول مشغل للهاتف المحمول في أذربيجان في أوائل عام 1994 كمشروع مشترك بين وزارة الاتصالات الأذربيجانية و GTIB إسرائيل.
تعمل عشرات الشركات الإسرائيلية في قطاع الطاقة الأذربيجاني. على سبيل المثال ، افتتحت شركة Modcon Systems Ltd ، وهي شركة مقرها إسرائيل مورِّد للتكنولوجيا المتقدمة لصناعة النفط والغاز ، فرعًا لها في أذربيجان.
بين عامي 2000 و 2005 ، تمت ترقية إسرائيل من عاشر أكبر شريك تجاري لأذربيجان إلى خامس أكبر شريك تجاري لأذربيجان. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ألغت أذربيجان وإسرائيل الازدواج الضريبي بين البلدين في أبريل 2017. وفقًا لتقرير لجنة الجمارك الحكومية الأذربيجانية ، بلغ إجمالي التجارة بين أذربيجان وإسرائيل في الفترة من يناير إلى فبراير 2017 ، 116.2 مليون دولار ، وهو ما يزيد بنسبة 17.5٪ عن نفس الفترة من عام 2016.
في عام 2020 ، بلغت التجارة بين أذربيجان وإسرائيل حوالي 200 مليون دولار أمريكي (باستثناء إمدادات النفط).
دور أذربيجان بين تركيا وإيران
مع أن التراث الإسلامي المشترك بين أذربيجان ودول الشرق الأوسط يقدم فرصًا مهمة للتعاون بين باكو والعواصم الإسلامية، فإنه يخلق أيضًا بعض التحديات المرتبطة بتصدير الأيديولوجيا الدينية المتطرفة في المنطقة، وفي هذا السياق برزت العلاقة الشائكة بين باكو وطهران منذ تسعينيات القرن العشرين، إذ كانت أذربيجان العلمانية قلقة بشأن تصدير الثورة الإسلامية لها، وكانت إيران قلقة من العلاقات العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة وأذربيجان. ومع ذلك، في العقد الماضي –وخاصة منذ تولي الرئيس حسن روحاني السلطة– تحسنت العلاقات كثيرًا، خاصةً فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والتجارية، إذ يستضيف البلدان –بانتظام– منتديات اقتصادية، ويشاركان في مشروعات البنية التحتية والاستثمار المشتركة، وأرسلت أذربيجان إشارات واضحة بأنها لا تنوي السماح بمشاركة أراضيها للأنشطة العسكرية المناهضة لإيران. وفي المقابل، سعت إيران إلى نفي دعمها للجماعات الإسلامية المتطرفة داخل أذربيجان، ومع ذلك، فإن قضية الحقوق الثقافية لأكثر من 30 مليون أذربيجاني عرقي في شمال إيران، وعلاقات أذربيجان الوثيقة بإسرائيل، فضلًا عن دعم إيران المستمر لأرمينيا، لا تزال تؤثر في العلاقات الثنائية.
ومنذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، استهدفت إيران خط أنابيب النفط باكو– تبليسي–وجيهان؛ مما وضع أذربيجان تحت ضغط لقطع إمدادات النفط الخام الرئيسي إلى إسرائيل؛ ومن ثم الإضرار بأساس السياسة الخارجية لأذربيجان، واستمر التوتر بين طهران وباكو خلال الأشهر الماضية، لكن يبدو أن طهران غيّرت مسارها الآن بعد تولي مسعود بزشيكيان رئاسة البلاد، والخسائر التي تكبدتها طهران في إثر الحرب الإسرائيلية على المنطقة، وهي تسعى علنًا إلى إقامة علاقات أفضل مع باكو، بمافي ذلك تحسين الروابط بين السكك الحديدية والطرق السريعة، ومن المرجح أن يكون هذا مرتبطًا بحاجة طهران إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الإقليمية بعدخسارتها حلفاءها، وعلى رأسهم حزب الله، ونظام الأسد.
وفي مقابل العلاقة المتوترة بين إيران وأذربيجان، مثلت تركيا الحليف الإقليمي الرئيس لأذربيجان وشريكها الإستراتيجي منذ الاستقلال، إذ يعزز هذا التعاون العلاقات اللغوية والثقافية القوية، ومشروعات الطاقةالإقليمية، مثل خطوط أنابيب النفط والغاز، والسكك الحديدية الإقليمية الجديدة، ومشروعات الاتصال، والتعاون العسكري والإنساني، فضلًا عن الاستثمارات الثنائية في القطاع غير النفطي، وقد طور زعماء البلدين فهمًا قويًّا لأولويات كل منهما، وفي ظل النكسات التي تعانيها إيران في سوريا ولبنان، تنظر أذربيجان إلى تركيا بوصفها توازنًا إستراتيجيًّا في إدارة التهديدات المحتملة من الوضع الجديد للمنطقة، إذ تعمل الدولتان على تكثيف جهودهما لتأمين أهدافهما الإستراتيجية من خلال مشروع “ممر زانجيزور” الذي كانت طهران تعرقله، والذي من شأنه أن يربط أذربيجان بمنطقة نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي على الحدود مع تركيا، إذ يعد الممر الذي يمر عبر الأراضي الأرمينية جزءًا من رؤية تركية أذربيجانية لتطوير طريق تجاري بين الصين وأوروبا.
لقد نجحت أذربيجان –حتى الآن– في تحقيق التوازن في علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، متجنبة –في كثير من الأحيان التوترات بشأن قضايا حساسة مثل العلاقات مع إسرائيل، أو الحرب في سوريا، أو مشروعات الطاقة الإقليمية المتنافسة، ولكن مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يبدو أن إسرائيل وتركيا ألحقتا هزيمة إستراتيجية بإيران، ونظرًا إلى الطبيعة المتوترة للعلاقات التركية الإسرائيلية، بسبب دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقضية الفلسطينية؛ فمن مصلحة إسرائيل وتركيا عدم الاصطدام في سوريا، وهو ما قد يبرز أهمية أذربيجان في الفترة المقبلة في اضطلاعها بدور رئيس في تنسيق المصالح الإسرائيلية والتركية، والتوفيق بينها لتجنب المواجهة في سوريا، أو على الأقل الحد من التوترات بينهما، فمن المرجح أن تستأنف باكو الصيغة الإقليمية الثلاثية للتعاون الإستراتيجي بين أذربيجان وإسرائيل وتركيا التي بدأتها قبل أن تؤدي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى إفساد العلاقات الإسرائيلية التركية مع انحياز أردوغان إلى حماس.
وقال مدير الأبحاث في مؤسسة الحقيقة في الشرق الأوسط (EMET) جوزيف إبستاين، “أذربيجان أقرب إلى إسرائيل من أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة.
وتايع”لقد ظلت أذربيجان متمسكة بإسرائيل حتى مع تحول العديد من شركائها الغربيين ضدها بسبب الحرب في غزة”وأضاف “بينما تتراجع دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عن فرض حظر على الأسلحة ضد الدولة اليهودية، لم تزيد أذربيجان من صادراتها من الطاقة إلى إسرائيل إلا منذ السابع من أكتوبر والحرب متعددة الجبهات التي تلت ذلك”.
البروفيسور زئيف خانين والنقيب (احتياط) أليكس جرينبرج، الذي قام مؤخرًا بتحليل الصداقة الطويلة والمستقرة بين أذربيجان وإسرائيل لصالح مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية. ووفقًا لخانين وجرينبرج، يجب على الرئيس دونالد ترامب أن ينظر إلى علاقة أذربيجان بإسرائيل كدليل على فائدتها للمصالح الأمريكية.
سلط التحليل الضوء على موقف أذربيجان المناهض لإيران، ومكانتها كدولة رئيسية في الممر الأوسط وإمدادات الطاقة البديلة الحيوية لأوروبا مع فطام القارة عن الغاز الروسي.
يقول إبستاين: “يمكن بسهولة جلب نفس الفوائد التي تجلبها أذربيجان لإسرائيل على نطاق أوسع بكثير إلى الولايات المتحدة”. ولكن استغلال هذه الفرصة يتطلب تحولاً في السياسة من جانب الإدارة”.
والواقع أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت تعطي الأولوية في كثير من الأحيان للقضية الأرمنية على حساب العلاقات مع أذربيجان، ويرجع هذا جزئياً إلى الضغوط الداخلية من جانب الشتات الأرمني النشط سياسياً للغاية. ومع ذلك، ومع اقتراب الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على ما يبدو من نهايته، فقد يتغير هذا.
ويقول جرينبرج: “ترى أذربيجان روسيا وإيران على حقيقتهما ــ إمبراطوريتان عدوانيتان ووحدويتان قادرتان على ابتلاعها لو استطاعتا. ولهذا السبب فإنها ستستفيد كثيرا من العلاقات الجيدة مع الغرب”. والفوائد متبادلة. فالممر الأوسط يوفر ممرا رئيسيا للعبور من آسيا إلى أوروبا، متجاوزا روسيا وإيران. وتشكل مثل هذه الممرات أهمية حيوية للتجارة العالمية، حيث تعمل الصراعات مثل الحرب في أوكرانيا والهجمات التي يشنها الحوثيون على إغلاق شرايين تجارية رئيسية. ومع استمرار روسيا في تهديد البر الرئيسي الأوروبي.
ولكن مثل هذا التحول في السياسة قد يثير استياء جيران أذربيجان الشماليين والجنوبيين ــ روسيا وإيران. فمنذ استقلالها، عملت باكو على موازنة علاقاتها مع إمبراطوريتين تعتبرانها جزءاً من مجال نفوذها. ولكن الأمة القوقازية الصغيرة لا تخشى طبيعة البلدين.
أهمية أذربيجان بالنسبة لتل أبيب
تستخدم إسرائيل أراضي أذربيجان لمراقبة المخابرات الإيرانية.
مواطنو إسرائيل وتركيا هم المواطنون الوحيدون الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة لزيارة جمهورية أذربيجان.
إخفاء العلاقات بين باكو وتل أبيب
وفقًا لتقرير أمريكي نشره موقع ويكيليكس عام 2009 ، شبه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف علاقة بلاده بإسرائيل بجبل جليدي : “تسعة أعشارها تحت السطح ولا يمكن رؤيتها”.